صنع سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، لنفسه مكانة مرموقة في خريطة الشعر على مستوى المنطقة، وشكل بحضوره الشعري حالة متميزة عنوانها التميز والفرادة.
وقدم إسهامات تميزت بالريادة والاستثنائية، ما كرس سموه وإنتاجه الشعري نموذجاً يحتذى لا سيما من قبل جيل الشباب المبدع، الذي تأثر بموهبة سموه، وأحب قصائده، وحفظها عن ظهر قلب، ولفت فيها البلاغة وقوة التعابير وجمال الصورة، ودقة المعنى.
والواقع أن هذا ليس بغريب على سموه، وقد نشأ في كنف أسرة عشقت الشعر ونظمته، وأجادته، فوالده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شاعر حمل لواء القوافي، وضبط أوزان الشعر، منذ الصغر، وأتقن نظمه نبطاً وفصيحاً. وحينما لمح الموهبة الشعرية لدى سمو ولي عهد دبي، سنده وعضيده، احتضنها واهتم بها.
وحرص على أن يحظى سموه بالاحتكاك بأهم التجارب الشعرية، وأن يتعرف إلى أفضل نصوص المنجز والتراث الشعري، ليسطع من بعد نجمه العالي في سماء الشعر النبطي في الإمارات والمنطقة، حيث حظي إنجاز سموه في هذا المجال باهتمام بالغ من قبل المتلقين وجمهور المهتمين، بما ظهر في هذا النتاج من تمرس وتمكن في صياغة نمط وأسلوب خاص في كتابة الشعر النبطي.
مطولات شعرية
الشاعرية لدى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، تتعدى حدود المفردة إلى الفكرة، ثم تمضي أبعد نحو إجادة تطويع اللفظ واستخدام فنون السجع والوزن والقافية، بما يشمل بحور الشعر المختلفة. وليس هذا فحسب، إنما شملت تجارب سموه الاسترسال والمطولات الشعرية، التي تجسدت من خلال قصيدة يصل عدد أبياتها إلى 103 أبيات شعرية، عنوانها (إيمان الشعوب)، شكلت رسالة إنسانية وجهها سموه إلى كل شعوب العالم، وقدمها في أمسية أقيمت برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
هذه القصيدة، «إيمان الشعوب»، التي برزت فيها براعة الشاعر تفوق الوصف، عكست جوانب متعددة من شخصية سموه، فهو الفخور بتجربة الإمارات الوحدوية.
والمعتز بقادتها وحكامها، وصاحب الوجدان الذي يتذكر ويعدد إنجازات الدولة في طريقها إلى تكريس مكانتها المرموقة بين دول العالم، كما عبرت عن حس الانتماء العربي وروابط الأخوة بين الأشقاء العرب ومصيرهم المشترك، وفيها تنقل سموه بين أفكار قصيدته بسلاسة، أشاد بها كل من سمع القصيدة أو قرأها، فأخذت القصيدة موقعاً مهماً في ذاكرة الشعر الشعبي في المنطقة.
فزعة الشاعر والإنسان
وليس غريباً أن يسمى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ويحظى بلقب «فزاع»، في قصة راسخة في ذاكرة محبي فزاع الشاعر الشهم، حينما هم سموه بمساعدة رجل مسن في البر علقت مركبته في الرمال، حيث ناداه الرجل بـ«فزاع»، المفردة التي تشير إلى (من يبادر لمساعدة الآخرين)، وعلق الاسم في ذاكرته، وأحبه سموه ليكون اسماً عرف به شاعراً، من شيمه النخوة والشهامة. ومن هذه المعاني، يمكن القول إن سموه لم يفزع للإنسانية فقط، بل امتدت فزعته إلى الشعر نفسه والأدب والتصوير، وكذلك إلى المبدعين، فأطلق مبادرات مشهودة ونوعية.
اختصت بعض هذه المبادرات بالشعر، حيث أراد سموه من خلالها أن يحفظ للشعر مكانته ودوره الريادي في الحياة الروحية والثقافية، وأن يحظى الشعر والشاعر بالاهتمام والدعم والتشجيع، ومن هنا أتت مبادرات سموه كالغيث همالاً يروي عطش الساحة الشعرية وترقبها لما يعيد للشعر بريقه، فكان للشعر ملتقى سنوي انطلق منذ عام 2001 بعنوان (ملتقى دبي للشعر الشعبي)،.
برز كمهرجان شعري وحدث سنوي، كما شكل هذا الملتقى حالة استثنائية أثرت الحراك الأدبي والشعري على مستوى المنطقة، واستقطب أبرز وأهم شعراء النبط في منطقة الخليج، واحتضن تجارب متنوعة ومختلفة، إضافة إلى احتفائه في كل موسم من مواسمه بشاعر من شعراء الإمارات الذين كانت لهم بصمة واضحة أسهمت في إثراء التجربة الشعرية، من أمثال الشاعر الماجدي بن ظاهر، الذي احتفى به في الموسم الأول عام 2001، وتوالى التكريم بعد ذلك سنوياً، ليشمل قائمة واسعة من أهل الشعر والقصيد.
أمسيات القصيد
أسهم ملتقى دبي للشعر الشعبي في إثراء ساحة الشعر الشعبي بتجارب عدة ومتنوعة في منطقة الخليج، واستقبلت الأمسيات التي كانت تقام في كل عام أسماء لامعة وبارزة ومهمة من شعراء النبط، قدموا أفضل ما لديهم من قصائد شعرية، وحرص العديد من الشعراء على حصرية أن تلقى قصائدهم الجديدة وتنطلق من ملتقى دبي للشعر الشعبي نظراً لمكانته وأهميته، كما استقطب من جانب آخر جماهير الشعر التي توافدت من سائر منطقة الخليج، وحرصت على الحضور والمشاركة في هذا المهرجان الشعري والاطلاع على التجارب النوعية التي يقدمها الشعراء.
واشتهر الملتقى، كذلك، بالمنافسة الراقية التي شهدتها أمسياته وقوة مشاركات الشعراء، الذين شهدت لهم الساحة بالقوة والجزالة والإبداع. وكان الفضل للملتقى بجمعهم في منصة واحدة على مسرح واحد. ولا يمكن هنا أن نغفل عن واحدة من أهم الأمسيات، التي شهدها الملتقى في دورته السابعة في عام 2008، تلك الأمسية التاريخية، التي سميت بالأمسية الكبرى، واختتمت بها فعاليات تلك الدورة.
حيث جمعت سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي للإعلام، والشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، في المركز التجاري العالمي، وحضرها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وقدم سموهما أجمل ما جادت به قريحتهما الشعرية في المدح والحب والغزل، فيما استهل سموهما الأمسية بقصائد مهداة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
مقروء ومسموع
لم يقتصر اهتمام سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم بالشعر والشعراء على الأمسيات الشعرية التي تمثلت بملتقى دبي للشعر الشعبي، إذ لا بد من الإشارة إلى مبادرة سموه الأدبية (مبادرة حمدان للإبداع الأدبي)، التي تقوم على طباعة وإنتاج 100 ديوان شعري مقروء ومسموع لشعراء وشاعرات الخليج، في سعي حثيث من سموه لإثراء ساحة الشعر بتجارب مميزة وذات جودة تستحق أن يطلع عليها كل من يهتم بالشعر،.
فحرصت هذه المبادرة على أن تتوجه إلى الشعراء تقديراً لهم بأن يحتفى بشعرهم من خلال ديوان سمعي أو مقروء، لتطلع الأجيال على هذه التجارب التي تستحق الإشادة والاحتفاء والتوثيق. حرصت هذه المبادرة على المشاركة في مختلف المعارض والمنصات بما يضمن الوصول إلى أكبر قدر من الجمهور، وكل مهتم بالتعرف إلى الشعر النبطي ويقرأه ويستمع إليه.
ولم تكتفِ المبادرة بالاهتمام بتوثيق التجربة الشعرية، مقروءة كانت أو مسموعة، بل حرصت كل الحرص على تقديمها للجمهور بشكل لائق وجميل من خلال اهتمامها بطريقة إخراج وتصميم أغلفتها وصفحاتها من الداخل.
وهو ما يعكس اهتمام سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، بأدق التفاصيل دون أن يغفل أي جانب، إذ حرص سموه على أن يسخّر كل ما من شأنه أن يسهل أن تصدر دواوين المبادرة بفخامة وجودة عاليتين، وتليق أيضاً باسم صاحب المبادرة.
في إضافة جليلة للمكتبة الإماراتية الشعبية التي ترصد هذه التجارب في الإمارات والخليج، وتوثق جانباً مهماً من التراث الذي يتمثل في القصيدة الشعبية كموروث شعبي معنوي. هذه المبادرة التي انطلقت في فبراير 2010، وما زالت مستمرة في إصدار دواوين للشعراء في دول الخليج.
مواكبة العصر
وفي إطار حرص سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم على أن يواكب الأدب والشعر متطلبات العصر، بتقديمه بقالب جديد على غير ما اعتاده الجمهور خارج إطار الأمسيات الشعرية ومنصات المسارح، وجه سموه بتخصيص برامج شعرية خارج الإطار التقليدي الذي عرفت به، بما يتواءم مع تغيرات العصر الحالي فكانت الفكرة من برنامج (البيت)، وبالتعاون بين مؤسسة دبي للإعلام ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.
تقوم فكرة البرنامج من خلال البث المباشر، وطرح شطر بيت شعري، يتم التفاعل من خلال منصة «تويتر» من قبل الراغبين في المشاركة، حيث رصدت جوائز مادية قيمة للفائزين، بعد تقييم المشاركين من خلال لجنة تحكيم، وفائز يحدده الجمهور.
إضافة إلى فقرة «مسابقة الصورة»، حيث يعرض البرنامج صورة من خلال منصة إنستغرام بعد انتهاء الحلقة، وعلى المشاركين كتابة أبيات مستوحاة من الصورة ويعلن على الفائز في الحلقة التي تليها بعد تقييم المشاركات من قبل لجان التحكيم.
قصائد بأصوات النجوم
منذ ظهور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم شاعراً باسم «فزاع»، وانتشار قصائده على رقعة جغرافية واسعة من العالم العربي، حرص أشهر نجوم الغناء في العالم العربي على أن تصدح حناجرهم بقصائد بتوقيع سموه، وتصدى لتلحينها أشهر الملحنين.
حيث غنى من قصائد سموه الفنان محمد عبده وميحد حمد وخالد عبدالرحمن ونبيل شعيل، وحسين الجسمي وعيضة المنهالي، وأسماء المنور وراشد الماجد وأصالة وعباس إبراهيم وكاظم الساهر وأريام وبلقيس، وعبدالمجيد عبدالله، حيث تغنى هؤلاء الفنانون بعدد لا يحصى من قصائد سموه.
الإبداع بالكاميرا
دعم ومبادرات سموه للإبداع والمبدعين لم يتوقف عند الأدب والشعر والشعراء، فالتصوير هو جزء من شخصية سموه، كما يتضح لكل من يتصفح حسابات سموه حرصه على أن يلتقط صوراً فنية تملك كل مقومات الصورة الإبداعية، وكجزء من الاهتمام بالإبداع في الصور أطلق سموه (جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي).
هذه الجائزة التي تحرص على مواكبة سعي إمارة دبي نحو الريادة في بعد دولي للجائزة والوقوف على مكامن الإبداع لدى المصورين، لا سيما وأن التصوير يحظى بشعبية واسعة، إذ تعتبر الصورة هي لغة عالمية لا يعيقها اختلاف الثقافات وتنوعها. واليوم يبلغ عمر الجائزة التي تستقطب مصورين من مختلف دول العالم 11 دورة كُرم خلالها الفائزون بجوائز مختلفة.