تزخر دولة الإمارات التي تحتفل بعيد اتحادها الخمسين بنماذج إنسانية مشرفة، تعكس قيم التراحم والترابط المجتمعي والإنساني، التي توارثها الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد، كقيم راسخة تشكل جزءاً من الهوية الوطنية الإماراتية، ومحوراً من أبرز المحاور التي تسعى الدولة إلى تعظيمها يوماً بعد يوم من خلال الصور التي تقدمها على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وفي مختلف الأحداث العالمية ذات البعد الإنساني.
ومن بين تلك الصور تبرز قضية تبني الدولة مساعدة مرضى السرطان، لا سيما فئة الأطفال، وما يصاحبها من مبادرات وبرامج توعوية تستمد قوتها وقدرتها من تلك القيم الإنسانية المتوارثة والتي أسبغت آثارها على الجميع في دولة التسامح.
وتظهر قصة الطفل الإماراتي عمر عبدالله الخييلي، ذي الـ 8 سنوات، كإحدى تلك القصص التي تؤكد رجاحة التوجهات التي وضعتها القيادة الرشيدة ضمن استراتيجيات أجندتها، وخططها التنموية، باعتبار أن المجتمعات التي تتمتع بواقع صحي، ووعي مجتمعي تجاه السلوكيات الصحية، هي الأكثر قدرة على تعزيز واقعها الإنساني والتنموي.
وتبدأ قصة عمر الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة المشاعل الوطنية الخاصة، قبل نحو سنتين، حيث تقول والدته التي عانت من فقدان والدتها جراء مرض السرطان: «كنا نشاهد برنامجاً على قناة أبوظبي حول الأطفال المصابين بمرض السرطان، والآثار التي يتركها العلاج الكيماوي عليهم لا سيما فقدان الشعر، عندما سألني عمر ماما لماذا ليس لديهم شعر؟ فأخبرته أن علاج هذا المرض المؤلم والصعب يتسبب بتساقط شعر المصابين به، فلم يتمالك نفسه من البكاء الشديد عليهم».
وتضيف الأم: «تفاجأت به وبكل حزم وشجاعة وإحساسه المحب دوماً يطلب مني أن يتبرع بشعره حتى يرسم الابتسامة على وجه طفل ويشعر أقرانه من الأطفال بأنهم في القلب دائماً، فرحبت بفكرته التي إن دلّت فإنها تدل على إحساسه وحسن تربيته التي ساعدني بها الله وعلى أخذه لصفات عيال زايد في الكرم والجود والعطاء».
وتتابع: «ها هو الآن وبعد سنتين قرر أن يقوم بقص ٥٠ سم من شعره بمناسبة عيد الاتحاد الخمسين للدولة، وتقديمه هدية لإحدى جمعيات أصدقاء السرطان التي تعنى بمرضى السرطان، وتوفر لهم العلاجات، كواحدة من المبادرات الإنسانية العديدة التي تزخر بها دولتنا في شتى جوانبها الإنسانية».
وتقول الأم الفخورة بقصة ولدها أن المدرسة قدمت لعمر الدعم عندما علمت بقراره الذي يعكس فكر دولة إنسانية، حيث كانت تنظم مبادرة تحت عنوان: «50 عاماً من العطاء أشبال الهلال الأحمر الإماراتي»، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للدولة، لتأتي حكاية عمر في وقتها المناسب وتؤكد أن المكانة التي وصلت إليها الدولة تحققت بفضل تلك القيم المتجذرة في عمق الإنسان الإماراتي وقيادته الرشيدة.
ولا شك أن حكاية عمر توجه رسالة إلى جميع أفراد المجتمع الإماراتي ومكوناته، بضرورة توفير الدعم النفسي لمرضى السرطان، وخصوصاً الأطفال منهم، لزيادة ثقتهم بأنفسهم، ورفع رصيدهم من الأمل، وتعزيز استجابتهم للعلاجات التي توفرها الدولة، نظراً للدور الكبير الذي يلعبه الدعم المعنوي للمصابين ولذويهم أيضاً، حيث يشعرهم بوجود حالات من الحب والدعم والمؤازرة.
وتؤكد قصة الطفل عمر الذي يحمل قلباً يتسع للإنسانية، أن خطوة إيجابية واحدة قد تنقذ حياة إنسان، كونها تسهم إلى جانب ما تقدمه من دعم نفسي، عن صور عديدة من صور الشجاعة التي يتمتع بها مرضى سرطان الأطفال، وتنقل إلى الآخرين ضرورة فهم التحديات التي تواجه الأطفال المرضى، ومعاناة ذويهم، وتقودهم إلى مراكز وجمعيات أصدقاء مرضى السرطان ليصبحوا عناصر متطوعة فاعلة ومؤثرة في دعم المرضى وتعزيز استجابتهم خلال مراحل العلاج الصعبة.