وسط اشتداد التأزّم على جبهة تأليف الحكومة اللبنانية، والذي لم تنفع معه مبادرته الأخيرة إلى «كسْر الجليد» مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أطلّ الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري على اللبنانيّين، اليوم، في رسالة متلفزة وجّهها لمناسبة مرور 16 عاماً على عملية اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، معتمداً لغة المصارحة والمكاشفة أمامهم، حول التعقيدات والمطبّات التي اعترضت مهمّته منذ أكتوبر 2020، تاريخ تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي ضوء التوجّهات التي لم ترسم خطاباً بسقوف عالية، وعلى مسمع من اللبنانيّين، المقتصِر دورهم على تعداد «الطلعات والنزلات» من القصر الجمهوري وإليه، استهلّ الحريري كلمته بالإشارة إلى المناسبة، وبالغمْز من قناة «الخائفين» من الشهيد الحريري ومن مشروعه الحقيقي للبلد، ومذكّراً من يعنيهم الأمر بـبعض إنجازات ما أسماها «الحريريّة السياسيّة»، بدءاً من كونها «أوقفت الحرب الأهليّة، وأعادت لبنان إلى الخارطة»، مروراً بكونها «أعادت إعمار بيروت، وبنت المستشفيات الحكوميّة والجامعة الوطنية والمدارس الرسميّة والمطار»، ووصولاً إلى كونها «أتت بالمستثمرين والسيّاح إلى البلد، وأنشأت شبكة خلوي في الشرق الأوسط».
وبعد تعداده الإنجازات، صارح الحريري اللبنانيّين بأنّ «البلد مشْ ماشي»، وذلك قبل أن يتطرّق إلى الحكم الذي صدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بخصوص إدانة سليم عياش «أحد قتلة رفيق الحريري»، واعداً: «هذا الحكم سيُنفّذ، وعياش سيُسلّم، مهما طال الزمن».
ومن الخصوصيّات إلى العموميّات، تحدث الرئيس الحريري عن الأزمة التي يشهدها لبنان، بقوله: «في كلّ لقاءاتي العربيّة والدوليّة، وفي كلّ اتصالاتي، هناك جهوزية واستعداد، لا بل حماس، لمساعدة لبنان، لوقف الانهيار ولإعادة إعمار بيروت، لنعطي أفقاً للّبنانيّين»، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر ينتظر «كبْسة زرّ»، و«الزرّ حكومة اختصاصيّين غير حزبيّين». كما أكّد أن «لا مخرج من الأزمة بمعزل عن العرب والمجتمع الدولي، ومن دون مصالحة عميقة مع الأشقاء العرب، والتوقف عن استخدام البلد منصّة للهجوم على دول الخليج العربي وتهديد مصالح اللبنانيّين»، و«هذه معادلة أرساها رفيق الحريري، وكلّ خطوة نقوم بها هي من وحي مدرسته».
وذكّر الحريري بأنّه، وبعد كلّ محاولات الإصلاح التي تمّ إفشالها، أصبح لدى كلّ مستثمر لبناني أو غير لبناني مطلبان: «بدء الإصلاح، وتغيير طريقة العقلية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، بالكامل»، و«هذا هو المعنى الحقيقي للمبادرة الفرنسيّة، ولحكومة الاختصاصيّين ولخريطة طريق الإصلاح». ومن بوّابة تأكيده على أنّ «محاربة الفساد تبدأ بإصلاح يضمن استقلاليّة القضاء»، شدّد الحريري على أنّ «من يمنع تشكيل الحكومة يمنع إطلاق الإصلاحات، ويؤخّر وقف الانهيار وإعادة الإعمار».
وفي ضوء التدرّج الانحداري المتواصل في الشأن الحكومي، وبعيداً من تصعيد الاشتباك السياسي مع العهد، ختم الحريري كلامه بالقول: «بعد 14 جولة تشاور ومحاولات إيجاد الحلول مع فخامة الرئيس، قدّمت له اقتراح تشكيلة، من 18 وزيراً اختصاصيّين، غير حزبيّين، قادرين أن ينفذوا، كفريق متكامل، الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار وإعادة إعمار بيروت، وإعادة الأمل للبنانيّين»، وذلك بما يشبه قوله «اللهم إنّي بلّغت»، وبما يعكس قراراً ثابتاً لديه بالتمسّك بتشكيلته الحكوميّة، بكلّ معاييرها، كحكومة اختصاصيّين مستقلّين، ومن دون ثلث معطل لأيّ جهة، وفي الوقت نفسه عدم إحراق الجسر التفاوضي المفتوح مع الرئيس عون بطبيعة الحال.
وعليه، وفيما المؤشرات لا تزال تشي بأنّ الحريري ليس في وارد التراجع عن مهمّة التكليف والتأليف، فقد تضمّنت القراءات الأوليّة لخطاب الحريري بأنّ الباب لم يُقفل على إمكانيّة الحلّ، وأنّ كلامه أتى في إطار ترسيم حدود المعركة الحكوميّة بينه وبين عون، وبأنّ هناك إصراراً دولياً على أن لا مساعدات من دون حكومة وإصلاحات.