مما لا شك فيه ان كلا منا يحلم بتحقيق سيل من الأمنيات، ولكن مع صعوبة ظروف الحياة اصبح الوصول الى محطة الأمنيات تلك أصعب بكثير , واصبح يحيط برحلة بحثنا المستمر عن هذه الأحلام الكثير من العراقيل التي تقف حائلا بيننا وبين ما نصبو اليه و أحيانا بعدما كنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك الحلم يتبخر في لحظات ولم نعد نراه مجددا , هل علينا الاستسلام واليأس وفقدان الأمل ؟ بالطبع لا.
دعنا نفكر قليلا عزيزي القارئ بمباراة كرة القدم التي يخوضها فريقك المفضل ضد احدى الفرق المنافسة , فلكي يسجل اللاعبون أهدافا في شباك الخصم لابد لهم من اتباع خطة معينة لتنظيم خطوطهم ليسجلوا الأهداف بنجاح، وليس هذا فحسب، بل في حال اصابة أحد اللاعبين او حدوث اي ظرف استثنائي، يقوم المدرب بإستبدال الخطة الأصلية بأخرى فورا لكي يضمن الفوز لفريقه.
دعنا ننتقل الى حياتك انت عزيزي القارئ، كم من مرة احتفظت بنسخة من ملفاتك المهمة في حال تعطل حاسبك الشخصي ؟ وكم من مرة احضرت أقلاما إضافية عند ذهابك للإمتحان في حال ضاع قلمك الاصلي او في حال نسيانك له ؟ لعلك استطعت الآن استنباط موضوع مقالتي اليوم، وهو الخطط البديلة او كما يطلق عليها المختصين backup plans او كما أطلق عليها أنا ( الخطة Z ) والسبب في هذه التسمية هو أهمية وضع أكثر من خطة لتحقيق مبتغاك , فلا يهم كم من خطة وضعت , وكم من خطة فشلت او لم تكلل بالنجاح في النهاية، عليك دوما ان تحاول , وان تضع البدائل والخطط المختلفة كالخطة B و C حتى وان وصلت للخطة Z ، فعليك بالإستمرار والمحاولة مهما كفلك الأمر من عناء وأعدك بأن احداها ستنجح ان شاءالله حتى قبل أن تصل للخطة الأخيرة او الخطة Z . ولعل أبرز من نجحوا في تطبيق الخطة Z هو توماس أديسون الذي حاول 99 مرة ان يخترع المصباح الكهربائي وفشل ولكنه نجح في المرة رقم 100. حيث قال: ” أنا لم أفشل، وجدت 10000 طريقة لايمكن للمصباح العمل بها . ” واليوم سنتعرف على مفهوم الخطة البديلة وكيفية وضعها بشكل علمي صحيح وخصائص الهدف الذكي الذي سيساعدك كثيرا عزيزي القارئ في تحقيق أهدافك.
ان الخطة البديلة هي مجموعة إجراءات منظمة أو حلول بديلة يلجأ اليها الفرد في حالة عدم تحقيق خطته الأصلية هدفها الأساسي، او في حالة ظهور عراقيل او ظروف غير متوقعة بغية تحقيق هدفه المنشود. ولعلي دائما أشبه مفهوم ( الخطة Z ) أو الخطة البديلة بالمنزل، فلنفترض مثلا ان منزلك يقع في وسط المدينة وبالتالي يمكنك الوصول له من خلال عدة طرق، احدهم طريق أقصر للمنزل وغالبا ما يكون قليل الازدحام وآخرمزدحم دائما و الأخير مليئ بالمطبات , أيهما ستختار للوصول لمنزلك الذي تقطن فيه ؟ بالتأكيد ستختار الطريق الأول، وان رأيت حادث سيارة مفاجئ في الطريق الأول لعلك ستختار الطريق الثاني، وفي حالة اغلاق الطريق الثاني بسبب هطول الامطار , فستختار الطريق الثالث وهكذا، وكل ذلك من أجل الوصول الى هدفك ألا وهو المنزل. وهذا المثال يوضح بشكل عملي مفهوم الخطط البديلة التي تهدف لتحقيق هدف واحد.
لعل كثيرا منا يتسائل كيف له ان يضع عدة بدائل أو خطط للوصول الى مبتغاه ؟ بحيث توفر عليه الوقت والجهد المبذولين في التفكير لاحقا، سأعرض عليك عزيزي خطوات تساعدك في وضع تلك البدائل:
1ـ حدد أهدافك : وهو أول وأهم الخطوات , فكيف لك أن تسير في طريق لاتعلم آخره ؟ أو كيف لك أصلا ان تسير دون وجهة محددة ؟ هذا هو المقصود بتحديد الهدف . وفي الحقيقة كثيرون هم من لا يعلمون كيفية وضع الأهداف بشكل علمي صحيح ويفضلون الكلام المسترسل فقط دون أي تخطيط او هيئة واضحة للهدف. هناك عزيزي القارئ خصائص للهدف الذكي أو شروط لوضع الهدف الذكي جمعها المختصين في كلمة ٍSMART حيث ان كل حرف من الكلمة يرمز لصفة معينة للهدف الذكي، حيث S تعني specific او ان يكون الهدف محددا بدقة، و M التي تعني measurable اي ان يكون الهدف قابلا للقياس، و A والتي تعنيachievable او attainable أي قابل للتحقق وليس خياليا و R وتعني relevant اي هدف مرتبط بك انت متماشيا مع ظروفك ومرحلتك التي تمر بيها , وأخيرا T والتي تعني time bound اي ان اكون الهدف مرتبط بزمن معين لتحقيقه . فكي لا أطيل عليك عزيزي القارئ سأحاول جاهدة شرح هذه الخصائص بمثال بسيط يساعدك على وضع أهدافك بشكل سليم . فلنأخذ على سبيل المثال هدف “أريد ان أذاكر و أدرس”، وفي الحقيقة هذا ليس هدفا ذكيا فلكي يكون هكذا عليه ان يكون أولا محدد اي ان تحدد اي المواد بالضبط ستقوم بمذاكرتها ولنفترض انك قررت مثلا ان تذاكر مادة اللغة العربية , ثم ان تحدد ماذا ستذاكر في هذه المادة بالضبط لكي يكون هدفا قابلا للقياس ، كأن تقول مثلا سأذاكر باب النحو و أقوم بحل تمارين تقيس مدى فهمي لهذا الباب , ثالثا ان يكون الهدف واقعيا قابلا للتحقيق فمثلا يستحيل ان تقول انك ستذاكر مادة العربية دفعة واحدة لأنه بالتأكيد أمر غير واقعي بالمرة، رابعا: ان يكون هدفك ذو صلة بمعنى ان كنت طالبا في الثانوية العامة مثلا وتريد ان تتعلم اللغة الصينية، فهذا الهدف غير مناسب للمرحلة التي انت تدرس فيها حاليًا، حيث أن الثانوية العامة محطة مهمة وعوضا عن ذلك عليك ان تتعلم احدى اللغات المقررة عليك كطالب في هذه المرحلة لا ان تتعلم لغة جديدة في غير وقتها، وأخيرًا ان تضع نطاق زمني لتحقيق الهدف، كأن تقوم بإنهاء باب النحو في يومين فقط وهكذا.
2ـ تحديد العقبات المحتملة : وهو من أهم خطوات وضع الخطة Z, فمن المهم جدا معرفة ما ستتعرض له من عقبات ووضع حلول مناسبة للتغلب عليها , وهذه الخطوة تعتمد كثيرا على مهارتي التحليل والتخطيط , حيث تكمن أهمية مهارة التحليل في قدرتك على تحليل ظروف بيئتك المحيطة، كالطالب الذي يتمنى الالتحاق بكلية الطب في المدينة وهو من الريف مثلا , حتما سيواجه الكثير من االصعوبات عند الانتقال من حياة الريف الى المدينة، فعليه دراسة كل تلك الصعوبات المحتملة ووضعها في الحسبان بغية الوصول لهدفه المنشود بامأن . ثانيا مهارة التخطيط، فبعد تحليله لهذه الظروف كما ذكرنا تكمن اهمية التخطيط هنا في ايجاد حلول لهذه العقبات تناسب ظروفه والبيئة المحيطة به. فمثلا سيواجه الطالب الذي ينتقل من الريف للمدينة عقبات اجتماعية واقتصادية جمة، فعليه وضع ميزانية معينة وأسلوب حياة يساعده في التأقلم مع حياة المدينة التي تختلف كثيرا عن بساطة حياة الريف .
3 ـ وضع الحلول البديلة : وهنا تكمن أهمية الخطة Z ، وسأقوم بتوضيح هذه النقطة بالمثال السابق , فإن كان الطالب الذي يحلم بالإلتحاق بكلية الطب لم يستطع الحصول على المجموع المطلوب فماذا عليه ان يفعل ؟ أن يفقد الامل في هذه الحياة ويقبع في غرفته باكيا على الأطلال ؟ إطلاقا , عليه ان يضع حلينأو خطتين على الأقل في حال فشله في الحصول على المجموع المطلوب , وفي الحقيقة انا من هؤلاء الذين طبق عليهم هذا المثال , فبعد ان حلمت طوال عمري بالانضمام لكلية الإعلام , وضعت أثناء دراستي بعض الخطط البديلة في حال عدم استطاعتي للسفر الى المدينة او في حال لم أحصل على المجموع المطلوب من الأساس , و شاءت الأقدار وحققت مبتغاي وهو المجموع المطلوب للإنضمام لكلية الأحلام , ولكني رفضت السفر بعيدا عن الأهل , وبالفعل لجأت لخطتي البديلة التي لم أندم عليها مطلقا , فالخطةZ كان لها فضلا كبيرا علي .
4ـ قم بكتابة ما تخطط له : ببساطة التخطيط دون كتابة ليس تخطيطا , دون كل اهدافك وطموحاتك و كل ما يدور في عقلك دائما مما يزيد من قدرة عقلك على انجاز ماقمت بكتابته بشكل أسرع وأكثر واقعية , فكما يقول برايان ترايسي : ” هناك قانون رائع للنجاح , فكر على الورق , فهناك 3% من البالغين فقط لديهم أهداف مكتوبة وواضحة.
5ـ تجنب الخطة البديلة : نعم كما قرأت تجنب الخطة البديلة قدر المستطاع لتركز على مبتغاك و هدفك الأساسي فأحيانا وجود خطة بديلة يشعرنا بالكسل والخمول من تحقيق الهدف الأساسي وبالتالي نلجأ للخيار الأسهل، دعنا نوضح ذلك بالمثال السابق. بالطبع فإن الإنضمام لكلية الطب يحتاج جهدا كبيرا جدا وأوقات مذاكرة مضاعفة، فإن كان ذلك الطالب قد وضع خطتين بديلتين يتطلب الالتحاق بهما جهدا أقل بكثير من المطلوب للإنضمام الى مسعاه الأساسي وهو كلية الطب , فربما يتكاسل عن هدفه الاساسي ويلجأ للطريق الأسهل وهكذا. جهز خططتك البديلة دائما ولا تلجأ لها الا بعد إخفاق الخطة الأساسية تماما او اختلاف الظروف المحيطة .
وأخيرا , ان نظرنا حولنا سنرى الملايين من الأشخاص يركضون يوميا ليحققون أهدافهم ومساعيهم مهما كانت صعبة المنال , فالله سبحانه وتعالى كرمنا بكنز عظيم وهو العقل واعطانا كل الصلاحيات لإعماله واستغلاله بالطريقة الصحيحة , فعليك عزيزي القارئ ان تقف مع نفسك وقفة عميقة لتحدد مسعاك , وموقعك الآن وما تريد أن تصبح عليه بعد سنوات بإذن الله، خطط واستعن بالله وحده وخذ بالأسباب وستصل الى محطة الحلم مهما بعدت ومهما كانت العقبات صعبة وملتوية. وتذكرني هنا احدى الأقوال المأثورة للكاتب آلان لاكين أحببت ان أنهي بها مقالتي: ” الفشل في التخطيط ما هوالا تخطيط للفشل”.
بقلم: روان سالم (مصر)