شيئاً فشيئاً يقترب السودان من لملمة جراحه على الرغم من الأشواك في الطريق الوعر، لقى وجد السودان نفسه وبعد ثلاثة عقود من حكم «الإخوان» خارج المنظومة الدولية، باقتصاد متداعٍ وحروب في عديد مناطق. مثّلت الشراكة بين المدنيين والعسكريين بعد الإطاحة بنظام الإخوان، طوق نجاة للبلاد من السير في طريق المجهول، وبعد مرور نحو عام على المسير في المرحلة الانتقالية جرت الكثير من المياه تحت جسر السياسة والاقتصاد، بعد أن عاش السودان قرابة الثلاثة عقود معزولاً عن المجتمع الدولي بعد إدراجه من قبل الولايات المتحدة على قائمة الدول الراعية للإرهاب، يوشك الآن على الخروج من القائمة بعد أن أودى بجل متطلباتها، الأمر الذي سيحدث وبلا شك تحولاً جذرياً في اقتصاده المتعطّش للاستثمار، وانفتاحه على دول العالم عضواً فاعلاً ومؤثراً مستعيداً مكانته المحورية في المنطقة.
تدافع العالم لمساعدة السودانيين على الخروج من أصعب مراحل الانتقال في مؤتمر أصدقاء السودان، والذي أتاح لحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، موارد مالية تساعدها على تلبية الاحتياجات العاجلة، وتلبية احتياجات التنمية التي تحتاجها البلاد أكثر من أي وقت مضى لاسيّما المشروعات الزراعية في بلد يصنّف على أنّه «سلة غذاء العالم»، فيما تراهن الحكومة الانتقالية على إعادة هيكلة الاقتصاد وخلق الاستقرار السياسي والأمني رغم العقبات والعوائق.
ويمّثل تحقيق السلام أولوية لدى الحكومة الانتقالية التي أعلنته أولوية قصوى، وبدأت منذ توليها مقاليد الأمور مفاوضات ماراثونية مع حرمات الكفاح المسلّح في عاصمة جنوب السودان، أثمرت عن توافقات يرتقب أن ترى النور في أية لحظة وتنتهي بتوقيع اتفاق سلام تاريخي يطوي صفحة الحرب إلى غير رجعة، ويشرع الأبواب أمام البلاد لدخول عصر الاستقرار بعد عقود من الاضطرابات لاسيّما في دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها السودانيون للوصول بالبلاد إلى بر الأمان، تبرز مؤامرات الإخوان التي تستهدف إفشال المرحلة الانتقالية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، متمثلة في محاولات ضرب الاستقرار في عدد من مناطق البلاد، لاسيّما في غرب البلاد وشرقها، عبر إثارة النعرات والاقتتال القبلي، في محاولة لتفجير الأوضاع واستعادة السلطة، إلّا أنّ وعي الشعب السوداني ويقظته تقف سداً منيعاً أمام هذه المحاولات. يقف السودان الآن أمام فرصة تاريخية نادرة لبناء مشروع النهضة والسير في طريق التنمية والازدهار، ومن خلفه يصطف الأصدقاء والأشقاء لمساعدته على تجاوز هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، وتدشين عهد جديد يعود عبره السودان مارداً كما كان.