محمد صلى الله عليه وسلم على الرغم من حُسن خلقه كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان صلى الله عليه وسلم ) يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي ) – رواه أحمد ورواته ثقات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول ( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق (رواه أبو داود والنسائي).
للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
حبيبٌ باتَ يأْسِرُني الحبيبُ
حبيبٌ باتَ يأْسِرُني الحبيبُ
وَمَا لِسِوَاهُ في قَلْبِي نَصِيْبُ
حَبِيْبٌ غَاْبَ عَنْ عَيْنِي وَجِسْمِي
وَعَنْ قَلْبِي حَبِيْبِي لا يَغِيْبُ
نقطة من بحر الخلق المحمدي الكامل :
عن أنس بن مالك قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده ).
وعن زيد بن ثابت قال ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كنا إذا جلسنا إليه، إن أخذنا بحديث في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا ).
وفي أدبه مع قومه كذلك ما أشار إليه الإمام علي كرم الله وجهه في حديث له: ( وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم احدا قط، فنزع يده من يده، حتى يكون هو الذي نزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث، فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث، فيسكت، حتى يكون هو الذي يسكت وما رؤى مقدما رجله بين يدي جليس له قط ).
والتواضع تنزل بالنفس في غير ابتذال لها، ولا تهاون بقدرها، ولا تجرئة للآخرين على الاستخفاف بمكانة المتواضع.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تواضعه، لأنه أعلى الناس قدرا عند الله وعند الناس، ولكنه لا يتعالى عليهم، بل يتنزل لهم في غير أمتهان، تنزل العظيم الذي يحب صحبه، كما يحب إخوته وبنيه، ويعلم أنهم يحبونه ويجلونه ويؤثرونه على أنفسهم. وكان هذا التواضع لا يزيده إلا إجلالا في أعينهم، ولا يزيده إلا محبة في قلوبهم.
وقد حدث أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تواضعه، فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلف الناطح، ويعقل البعير، ويقم البيت ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطمئن عنه إذا تعب، ويشتري الشيء من السوق فيحمله إلى أهله، ويصافح الغني والفقير والكبير والصغير، ويسلم مبتدئاً على كل من استقبله، من صغير أو كبير وأسود وأحمر، وحر وعبد.
الزهد
روي عن الإمام أحمد رحمه الله أن الزهد ثلاثة وجوه:
الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام.
الثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص.
الثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين.
ولقد كان زهد النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الزهد، لأنه كان زهد المختار القادر، المؤمن بأن الاستمتاع المباح حلال، المؤثر على نفسه فقراء الأمة ومصالح الإسلام.
وهو عليه السلام بزهده ربّى كثيراً من الرجال، فتخلقوا بمثل خلقه فانصرفوا عن الخضوع للذات ومآرب النفوس، وآثروا غيرهم على أنفسهم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم من كبار الصحابة وولاة الأقاليم، فصار زهدهم تربية وتنمية، أما التربية فللنفوس وأما التنمية فلإسعاد الناس ولتقوية الأمة.
زهده في المال
ولزهد النبي في المال شواهد كثيرة، فلم يستأثر عليه السلام بشيء من المال الكثير الذي تدفق من الغنائم والفيء والجزية والصدقات والهدايا بل اقتصر على الخُمْس، ثم لم يمسك درهماً من هذا الخُمْس، بل أنفقه في وجوهه، وقوّى به المسلمين، وأسعد به غيره، وقال عليه السلام: ( ما يسرني أن لي أحداً ذهب يبيت عندي منه دينار إلا دينار أرصده لديني ).
زهده في الطعام
لم يجتمع في بطن النبي صلى الله عليه وسلم طعامان، فإن أكل لحماً لم يزد عليه، وإن أكل تمراً لم يزد عليه، وإن أكل خبزاً كفاه، وإن وجد لبناً دون خبز أغناه.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتلئ قط شبعاً، وربما بكيت رحمة مما أرى به من الجوع، وأمسح بطنه بيدي، وأقول نفسي لك الفداء، لو تبلغت من
الدنيا بقدر ما يقويك ويمنعك من الجوع فيقول : ( ياعائشة، إخواني من أُولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم فأكرم مآلهم، وأجزل ثوابهم، فأجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يُقصَّر بي غداً دونهم، فالصبر أياماً يسيرة أحب إليَّ من أن ينتقص حظي غداً في الآخرة، وما من شيء أحب إليّ من اللحوق بأصحابي وإخواني ) .
وقد أوجز الحسن البصري الخلق الحسن في كلمات سديدة
وعبارات موجزة رائعة فقال:
الخلق الحسن هو: ( بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى ).
وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الخلق قولاً رائعاً سديداً، فأوجز حسن الخلق في ثلاث خصال هي: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال.
ولعل أعظم ما مدح الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، حسن الخلق، فقال جل شأنه: } وإنك لعلى خلق عظيم (القلم4).
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أحبكم إليّ وأقربكم مني في الآخرة، أحاسنكم أخلاقاً ).
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضيلة الحلم والعفو عن المسيء نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه ومعاملاته، فهو لا يعرف الغضب إلا حين تنتهك للحق حرمة، فحينها لا يقوم لغضبه شيء حتى يهدم الباطل ويزهق.
يتبع في سلسة مقالات “كيف تجعل كل من يعرفك يحبك”
بقلم: د. أحمد طقش