|  آخر تحديث سبتمبر 24, 2019 , 21:03 م

“الصورة النمطية للمرأة في الإعلام”


“الصورة النمطية للمرأة في الإعلام”



 

 

يشير اصطلاح الصورة النمطية إلى التصورات الشائعة التي  تتشكل داخل عقل الإنسان دون تثبت تجاه جماعة أو قضية ما، مكونةً رأياً يشوبه إما نقص أو تشوه.

وللإعلام دورٌ كبيرٌ وهامٌ في ترسيخ مثل هذه الصورة في أذهان المتلقين لها، إذ أن القولبة للصورة النمطية السلبية تحدث نتيجة تشوه متعمد للحقائق أو نتيجة التعميم المفرط بشكل بعيد عن الواقع،   فهو المصدر الرئيس لكل أفكارنا وتصوراتنا عن المجتمعات والشعوب والحضارات الأخرى، ليصبح المسؤول الأول عن تشكيل صورة المرأة من خلال اعتماد رسائل اتصال معينة يتم خلالها إحداث تأثير ما، بل وأحيانا نجده يتبنى وجهات نظر محددة في مواضيع مطروحة تجاه قضايا المرأة.

وهذا ما نلمسه جلياً من خلال تركيز وسائل الإعلام على قضايا وتجاهلها قضايا أخرى، أو تكرار الحديث حول حدث معين على حساب حدث آخر يهم النساء، لكنه لا يندرج ضمن أولويات الوسيلة الإعلامية المنبثقة منسياستها التحريرية.

 

 

وإذا ما أردنا الحديث عن صورة المرأة العربية في الإعلام، فإننا نصنفها بالصورة النمطية بشكل عام، فهي تُقدَم في إطار المرأة المعنفة من الأسرة والمجتمع، أوضمن إطاراستتخدامها كأداة لترويج السلع والمنتجات وفق ما أكدت عليه دراسات وأبحاث عدة، وبطبيعة الحال فقد انعكس ذلك على صورة المرأة الفلسطينية، كونها لا تتم بمعزل عن صورة المرأة العربية بإعتبارها شريحة أساسية من شرائح المجتمع ونسيجه، بالرغم من تباين الظروف المحيطة بالمرأة الفلسطينية من انتهاكات الإحتلال والظروف الإقتصادية والحياتية الصعبة التي حاصرتها على مدارعقودٍ طويلة.

 

 

ومن هنا نستطيع القول بأن الإعلام المحلي يصدر صورتها بالمرأة الشاكية الباكية التي تتعرض لإنتهاكات الإحتلال وصمودها أمام الظروف السياسية الصعبة في المجتمع الفلسطيني على الرغم من مشاركتها في النضال والكفاح منذ انطلاق مراحله الأولى وتصدرها صفوف المواجهات والصدامات الميدانية، ناهيك عن تصديها لعمليات القمع والإعتقال والقتل والإصابات، لكنها لم تحظَ بفرصة كبيرة لعرض صورتها في الإعلام كنعصر فاعل في شتى المجالات.

 

 

أمام كل هذا نحن لا ننكر بأن بعض وسائل الإعلام العربية والمحلية قد سعت جاهدةً إلى تغيير هذه الصورة النمطية من خلال إبراز صورة المرأة بأدوار أكثر إيجابية، تتمثل بإبراز نشاطاتها ومساهماتها في تطوير وتغيير المجتمع من خلال المؤسسات والشبكات المجتمعية، أما على صعيد المرأة الفلسطينية فإننا نيقن تماماً بأنها حققت تميزاً وتفرداً في تغييرهذه الصورة من خلال إنخراطها في العمل النضالي والإنساني والإجتماعي، للدفاع عن حقوقها وكرامتها وحل مشاكلها اليومية وتغيير نظرة المجتمع من حولها. 

 

 

لكن لا يمكن أن نتحدث بملىء الفيه لنؤكد على أن جميع وسائل الإعلام  تنتهج هذا النهج، فبعضها للأسف الشديد لا زال يصرٌ على تقديم صورة المرأة مرتكزاً على الثقافة الشعبية لها كمخلوقٍ غير مؤثر في القضايا الحساسة والشائكة في المجتمع، بل أن بعضها قد اقتصرعلى إبراز صورتها التقليدية كسيدة المطبخ وربة المهتمة بشؤون العائلة وعالم الأزياء والتجميل ومواكبة الموضة العصرية.

ومما لا يدع مثاراً للشك فثمة إشكاليات تقف حائلاً أمام تقديم صورة المرأة بما نصبو له، فهي إنعكاس لإشكالية ثقافية تتقاطع وصورة المرأة العربية، نظراً لإرتباط ظروف المجتمع الفلسطيني بظروف المجتمعات العربية سيما العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية التي تنصاع إليها تلك المجتمعات، فليس غريباً علينا أن نجد وسائل إعلام محلية تقدم صورة المرأة بإطارٍ إنسانيٍ يظهرها بمشهد أم الشهيد أو زوجته أو شقيقته – وهو مشهد مشرف بلا أدنى شك – متناسين بذلك التركيز على مشاركتها السياسية والإجتماعية والتنموية، كذلك إقتصار حوارالمرأة تقدمه مرأة في أحيان كثيرة وحصرها في ذات البعد الواحد، وكأن المرأة فقط هي من تهتم بشؤون المرأة بعزلة عما يدور في خبايا المجتمع السياسية والإقتصادية والتنموية والثقافية..

 

وإذا أمعنا النظر قليلاً في حوارات يقدمها رجل، نجده يقلل من شأنها، ويركز حديثه حول كيفية تقبل الزوج والمجتمع  طبيعة عمل المرأة، ولا أدل على ذلك سوى الحلقة التلفزيونية التي أثارت الجدل بعرضها حين استضاف مقدم برامج عربية طبيبة في برنامجه التلفزيوني اليومي ليقزم  دورها بشكل مهين ومخجل، ما دفع الشبكات النسوية إلى رفع شكوى بحقه على إثرها استجابت الجهات الرسمية لها فشكلت لجان التحقيق للنظر في هذه القضية، أما فيما يتعلق بالإشكالية الكبرى التي تؤثرعلى تقديم صورة المرأة الفلسطينية فهي سيطرة الأحزاب والفصائل السياسية على وسائل الإعلام التي تحاول جاهدة تسليط أضوائها صوب القضايا السياسية والإخبارية التي تتناسب وسياستها التحريرية والحزبية، مما خلق حالة ضبابية في الإعلام غابت عنها معايير الإعلام المهني المستقل.

ولا زال تحييد الإعلام الفلسطيني وجعله إعلاماً مستقلاً مطلباً رئيساً لكل الشرائح النسوية والمجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني، لعلً ذلك يساهم في تقديم صورة المرأة بشكل يليق بها وبمكانتها كعنصر فاعل ومؤثر في المجتمع الفلسطيني. 

 

 

 

بقلم: نداء مدوخ – كاتبة وإعلامية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com