بدأت أمس أعمال «قمة بيروت انستيتيوت» في فندق سانت ريجيس الكورنيش في أبوظبي، بمشاركة 120 شخصية من أبرز القيادات وصناع القرار في المنطقة العربية والعالم، لمناقشة مجموعة من القضايا المؤثرة في مستوى المنطقة العربية.
ضمن إطار المشهد الدولي، وتحليل القضايا السياسية والاقتصادية والتهديدات والتحديات الأمنية الراهنة، بهدف الوصول إلى توصيات فاعلة تمكن من إعادة تموضع المنطقة العربية في الرقعة العالمية.
وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الأمير تركي الفيصل عضو مجلس إدارة «بيروت انستيتيوت»، والرئيس المشارك في «قمة بيروت انستيتيوت»، قال: نحن العرب كتلة بشرية كبيرة، تمتد على مساحة جغرافية واسعة، ويجمعنا تراث وتاريخ وحضارة عريقة..
إلا أننا، وللأسف، لا نخرج من فتن الاقتتال والتناحر والحروب. لذا، يجب أن تكون قمة بيروت انستيتيوت هي بداية مرحلة التنفيذ، لتقويم ما نحن فيه اليوم من تحديات، وأن نضع مستقبل الأجيال القادمة نصب أعيننا، وأن نعمل على الاستفادة من دروس الماضي لبناء مستقبل أكثر رسوخاً.
وأكد الأمير تركي الفيصل، أن من مهام هذه القمة اقتراح بعض الحلول، «ونتطلع لأن يكون هذا الاجتماع خيراً، ويجمع كلمتنا على الخير، ويكون نبراساً لنا في المضي بطريق الخير، لأننا إذا كنا سنقصر في هذا الأمر، فمعنى ذلك أننا قصرنا، ليس فقط بحق أنفسنا في تاريخ البشرية، وإنما بحق أجيال المستقبل، وما يهمنا اليوم، أن ننظر إلى المستقبل..
وكي نستطيع استشراف معانيه، علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، إذ إن الماضي مليء بالأخطاء»، مبيناً أن هناك ومضات مشرفة ومضيئة، مثل ارتفاع مستوى التعليم في الوطن العربي خلال السنوات العشر الماضية، كما استطاعت المرأة العربية أن تخط طريقاً يصل بها للتساوي مع الرجل، وهذا سيكون له في القريب الآجل دور فاعل في كافة المجالات في العالم العربي.
وختم الأمير تركي الفيصل كلمته، سائلاً الله سبحانه وتعالى «أن يسدد خطانا ويجعلنا نسير على الطريق القويم، ونأخذ بأيدي بعضنا لما هو في مصلحة أمتنا وشعوبنا»، شاكراً المشاركين في القمة من مختلف بلدان العالم، ليسهموا في دراسة أوضاع العالم العربي.
وقال الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني، إن سلوك إيران من أهم العوامل التي تؤثر في استقرار المنطقة، مؤكداً أن الاستقرار لا يتم إلا بمعالجة الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط معاً.
وأعرب في كلمته عن الأمل في أن تستغل إيران تحررها من العقوبات، في عدم دعم التنظيمات الإرهابية، كما طالب بضرورة حل المأساة السورية..وتجنب السيناريو العراقي في سوريا، عبر التوصل إلى حل سلمي بمشاركة جميع الأطراف السياسية. وفي ما يتعلق بالشأن الليبي، طالب الزياني بحكومة وحدة وطنية في ليبيا دون تدخل خارجي، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب جهوداً دولية على أعلى المستويات.
واعتبر أن حل القضية الفلسطينية من أهم العوامل التي من شأنها أن تسهم في الاستقرار، لافتاً إلى أن التعنت الإسرائيلي يحول دون إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، واعتبر أن التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، مفتاح للحل في المنطقة.
وتساءل الزياني في كلمته: ما الواجب اتخاذه لإعادة تشكيل المنطقة العربية؟ مؤكداً على ضرورة التأقلم مع الديناميكية الحالية، سعياً للوصول إلى منطقة آمنة ومستقرة، قادرة على الديمومة وتحقيق طموح أبنائها.
ووصف التحديات التي تواجه المنطقة العربية، بالمعقدة، مشيراً إلى أن من بينها، تهديد تنظيم داعش للمنطقة، والذي توسع نفوذه في العراق وسوريا، ويجري توسعه في بلدان عربية أخرى، موضحاً أن داعش لم يكن يتوقع هذا التحالف العالمي الذي يحاربه الآن.
واستعرض الزياني، المشكلات السياسية الحالية في سوريا وإيران والعراق معاً، مشيراً إلى ضرورة إعادة الإعمار، وتقديم المساعدات الإنسانية التي تسهم في استقرار الأوضاع في كل من اليمن وسوريا.
ولفت إلى وجود تحديات أخرى تؤثر في المنطقة، بما فيها تقلبات أسعار الطاقة، وتحديات التنمية البشرية، وتوفر الموارد الطبيعية، وأن يتم أخذ العوامل الطائفية في الحسبان، لما لها من تأثير كبير في الأوضاع في المنطقة العربية.
وأشار الزياني إلى أن التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، أحد أبرز نتائج التعاون الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي. وأردف قائلاً: «إنني لا أستهين بصعوبات القضاء على داعش، لكنه سيكون ممكناً، لو تعاونت كافة الأطراف معاً، بما فيها روسيا بصورة مباشرة، والذي سيسهم في القضاء على التنظيم الإرهابي في فترة وجيزة، وبصورة نهائية، من معاقله.
وطالب الزياني بإعطاء الأولية للشباب للمشاركة في الحياة الاجتماعية، لمنع حدوث غسيل الأدمغة لديهم، داعياً إلى ضرورة استعادة وتوجيه الشباب الذين انخرطوا في أعمال العنف والإرهاب.
وتحدث عدد من القيادات النسائية العربية، عن التحديات التي تواجه المرأة العربية، خاصة الممارسات التي تعيق الوصول إلى مراكز القيادة والتأثير، مطالبات بمنح المرأة المزيد من الفرص والصلاحيات، وتولي زمام الأمور في المجالات العلمية، وانخراطها في خطط التنمية لتسريع وتيرتها.
وأكدت راغدة درغام المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ «بيروت انستيتيوت»، خلال كلمتها، على أن فكرة قمة بيروت انستيتيوت قد نشأت من خلال حاجة أبناء المنطقة العربية إلى وجود منبر ثقافي واجتماعي يعبر عنهم، وللاحتفاء بتنوع أبناء هذه المنطقة من مختلف النواحي.
وأوضحت أن اختيار إمارة أبوظبي لعقد الدورة الأولى من هذه القمة، جاء نتيجة الترحيب الكبير الذي أبداه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات..
وأن اختيار عنوان القمة جاء من خلال الحاجة للتفكير بالتحديات الأمنية الراهنة، حيث قالت: «إن ما حدث اليوم في الجلسات المغلقة لن ينتهي اليوم، بل إنه يفتح الباب نحو المزيد من النقاشات والحوارات الجادة، ويقدم لصناع القرار عصارة فكر الفاعلين والمفكرين والمعبرين عن الرأي العام من داخل المنطقة وخارجها».
وأشارت إلى عدم إمكانية إنكار أو تجاهل حجم الألم والمعاناة الذي تمر به منطقتنا، منوهة بحرص القمة على مواجهة التحديات ومعالجة أي تقصير، وفي ذات الوقت، الاحتفاء بالإمكانات والطاقات والتنوع الذي تمتاز به المنطقة العربية.
وبدأت فعاليات القمة في وقت مسبق من خلال 4 «حلقات سياسية» مغلقة، عمدت إلى تبادل الأفكار والآراء حول إعادة تموضع المنطقة العربية في الرقعة العالمية، بما يتعدى الاقتصاد السياسي والتهديدات الأمنية..
وذلك بمشاركة أكثر من 120 شخصية دولية وإقليمية، تضم كوكبة من رؤساء الدول والحكومات والوزراء الحاليين والسابقين، إلى جانب نخبة من أبرز الشخصيات والخبراء من المنطقة والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وأميركا الجنوبية وأفريقيا.
وكان من ضمن الذين شهدوا فعاليات الجلسة الافتتاحية والحلقات السياسية، كل من الدكتور عبد اللطيف الزياني، يان إلياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وعمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والدكتور برهم صالح رئيس الوزراء السابق لإقليم كردستان العراق نائب رئيس الوزراء العراقي السابق، وفاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية..
ومحمد الدايري وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في ليبيا، ونهاد المشنوق وزير الداخلية والبلديات في الجمهورية اللبنانية، والدكتور فيليب غوردون مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون أوروبا سابقاً، ودانيلو ترك الرئيس السابق لجمهورية سلوفينيا، وكيفين رود رئيس وزراء أستراليا السابق.
وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات، إن إعادة تشكيل المنطقة العربية في سياق التهديدات الأمنية والسياسية والاقتصادية الراهنة، تقتضي وجود رؤية متماسكة، تقوم على ثلاثة عناصر:
أولها، بناء منهجية للفهم والتفسير والتنبؤ، قادرة على تمكين صناع القرار من امتلاك البدائل والحلول للتكيف والاستجابة للتهديدات القائمة والمحتملة، وثانيها، صياغة مفهوم للقوة، يستلهم الأفكار المختلفة للقوة في العالم، بما يؤدي إلى تفعيل القوة الكامنة في بلداننا العربية وتحويلها إلى قوة فاعلة.
وأضافت أن ثالث العناصر، هو ما يتمثل في إيجاد تعريف واضح لمفهوم الأمن الوطني في كل دولة، وتشابكاته مع الأمنين الإقليمي والدولي، وبالتالي، إيجاد تعريف دقيق للمهددات، وهو ما نعمل على تحقيقه في مركز الإمارات للسياسات.