توافق اليوم الذكرى الـ 25 لوفاة المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أحد العظماء الذين حملوا مشاعل التطور والتقدم، وتحملوا المشاق، وتغلبوا على المصاعب والمعوقات، وتاريخ الإمارات خير شاهد على ذلك، فهو من الشخصيات العظيمة التي تركت بصمة واضحة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ويصدق قول الشاعر عليه:
الناس صنفان: موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء
كان المغفور له بإذن الله رجلًا ذا عقل راجح وبصيرة نافذة، سخّر وقته وجهده وكل ما لديه لنهضة دبي، حتى صارت لؤلؤة الخليج، وأصبحت درة نفيسة تروى حكايات نهضتها وتطورها في بلاد العالم أجمع، كيف لا وقد أدركت في سنوات قصيرة من عمر الزمان من التطور والنهضة في مجالات الحياة كلها ما لا يستطيع غيرها إدراكه في قرون.
هذه هي عظمة القيادة، قيادة المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي حقق التميز وهيأ الظروف لتحقيق المزيد منه. كان المغفور له بإذن الله من أهم هذه الوجوه السمحة التي اعتمدت مبدأ البساطة، والاستماع للجميع وإشراك المواطنين في صنع القرار والتنفيذ، وقد صدقت رؤيته بجعل دبي «دانة الدنيا»، حيث إنَّ النعمة المادية التي أغدقها الله على هذه الأرض الطيبة تختبئ بين طيات الصحراء أو تحت سطح الماء، ولكن النعمة المعنوية هي شخصيات هذه الدولة مثل المغفور له بإذن الله الشيخ راشد التي غيرت وجه التاريخ، إنها حقًا نعمتها الروحية الحقيقية.
رحل قبل 25 عاما لكنه كان في ذاكرة وطنه ورفاقه وأبناء شعبه الذين استمروا يبذلون الجهد والوقت وكل ما يملكون لإنجاح مسيرة البناء والتأسيس التي قادها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يبارك خطواته ويدعمها الشيخ راشد وإخوانه قادة الرعيل الأول، فحققوا وطنا مفخرة لأبنائه وقيادته الحكيمة. هو الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم (الأول) بن بطي بن سهيل بن بطي بن سهيل الفلاسي، وجده الشيخ بطي بن سهيل بن راشد الفلاسي هو الشاعر الكبير الذي قال في إحدى روائعه:
«إنّا بني جبلة ابن أحمد عصبة ً.. والجد من ياس بن عبد الأعلمي»
ينحدر من قبيلة آل بو فلاسة من بني ياس، والده الشيخ سعيد حكم من 1912 م إلى 1958م. ولد في دبي عام 1912، ونشأ في بيت والده الشيخ سعيد الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ، رحمه الله، في كنف السيدة الفاضلة الشيخة حصة بنت المر والدته التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت ب«أم دبي»؛ فتشرّب ،رحمه الله ،منذ نعومة أظفاره في هذا البيت كل هذه الخصال الطيبة والسجايا الحميدة المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية. كان، رحمه الله، يراقب عن كثب كيفية حكم والده للناس، في جو من الحرية المطلقة التي تمكّن الجميع من البوح بأسرارهم دون خوف أو حرج، فتعلم أصول الحكم الرشيد الذي يستمع فيه الحاكم لجميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين.
كغيره من أبناء بلاده تعلم آنذاك مبادئ اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم على يد المطاوعة، إلى أن التحق بالمدرسة الأحمدية في ديرة، هذه المدرسة أسسها الشيخ محمد بن أحمد بن دلموك تاجر اللؤلؤ المعروف، وكانت تحت الرعاية الشخصية للشيخ مانع بن راشد آل مكتوم الذي استقدم المدرسين من الزبير في العراق؛ لتحسين مستوى التعليم في مدرسته.
عُرف ، رحمه الله، بجدّه واجتهاده، وبعده عن اللهو وحبه للعلم والمعرفة، كما اشتهر منذ صغره بسمو الأخلاق وطيب النفس ولين المعشر، وقد رأى مدرسوه وصحبه في عينيه دومًا لهيبًا من الحماس يكتنف مقلتيه، ويقوده نحو الأمام لتحقيق أحلامه، وقد كان حلمه الأكبر رسم اللون الأخضر على صفحات هذه الصحراء المترامية الأطراف، القاسية، وجلب الحياة السهلة الكريمة لأبنائه وإخوانه المواطنين. وكان يخرج هو وأصدقاؤه من المدرسة إلى الصحراء ليدربوا الطيور ويعدوها لموسم القنص في الشتاء، وواظب منذ الصغر على حضور مجلس والده ونشأ مستمعاً لأمور الحكم واستقبال الضيوف والمترددين على مجالس والده.
في عام 1924 عندما بلغ الثانية عشرة من عمره وأصبح ذا شخصية قوية ذات تأثير فعال أضفت على مظهره الهيبة والوقار والتواضع فرض على الآخرين تقديره واحترامه وكان يعرف بالشاب الجاد لما اتسم به من الجدية والصراحة. لما بلغ المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الثامنة عشرة من العمر دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويتعلم من سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، فقد اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.
كان ،رحمه الله، يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، مما وطد العلاقة بينهما وأغنى حواراتهما، وهذا أدى بدوره إلى تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وقد أفادت هذه الرياضة الحاكم القادم وشدت من عزمه ، فتعلم الاستيقاظ مبكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء القاحلة.
كان لمشاركة المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، فقد كان على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت هي بزمام الأمور، وقد عمل مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان ،رحمه الله، على إقناع حكام الإمارات وقطر من أجل إيجاد كيان وحدوي؛ فكان يعرض خطته على الحكام في اجتماعات ثنائية، وفي عام 1965 وبالتعاون مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد تمكن من أن يدعو إلى اجتماع لحكام الإمارات السبعة إضافة إلى حاكمي قطر والبحرين في قصر الضيافة في دبي. كما عمل مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير عام 1968م وفي العاشر من يوليو 1971م وجه المغفور له بإذن الله الشيخ راشد دعوة من أجل المضي قدمًا على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسميًا في 2 ديسمبر/كانون الأول 1971م، حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء؛ فعمل بكل جد على مراقبة الوزارات؛ لتكون في خدمة الشعب.
ولما بدأت التحركات للمّ شمل الأخوة تحت مظلة واحدة، كان الشيخ راشد ،رحمه الله، من أوائل الذين وضعوا أيديهم بيد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، بكل عزيمة وجهد وتفان، لاستكمال الحلم. وكان يشجع على سياسة التمهل وعدم التسرع والانسياق وراء الأحلام دون وضع الأساسات الصحيحة التي تمكنها من الاستمرار. تجلت براعة الشيخ راشد في إدارة الأزمات في موقفه الثابت إزاء الفوضى التي ظهرت مع انتشار السلب والنهب إبان الحصار الاقتصادي الذي فرضه البريطانيون على إيران التي كانت تساند دول المحور في الحرب، ففرض البريطانيون على دبي حظراً على استيراد وتصدير المواد الغذائية، فما كان من الشيخ راشد إلا أن سعى لتوفير المواد الغذائية لرعاياه بأسعار تتلاءم مع المستوى الاقتصادي من أصحاب البقالات، وأدخل نظام البطاقات التي سمح للمواطن بالحصول على الحصة الشهرية من المواد الغذائية. وكشفت الأيام بعد ذلك عن الكثير من صفات المغفور له بإذن الله الشيخ راشد فظهرت لديه سمات القيادة وحسن تدبير الأمور، والقدرة على تولي زمامها، وقد كان عوناً لأبيه في شتى المجالات، وخصوصًا في الشؤون الاقتصادية، حيث ساهم في تحسين المعيشة، الأمر الذي أكسبه شعبية وحباً من المواطنين، وكان قد تولّى منصب ولي العهد في الإمارة من عام 1928، ومن المأثور عنه قوله: «ماهو مفيد للتجار، مفيد لدبي».
تعددت إنجازاته قبل توليه إمارة دبي، وبرز كشخصية قيادية في العائلة قادرة على تسيير أمور المواطنين وتحقيق النهضة الاقتصادية المأمولة، لتسهيل مصاعب الحياة التي كانت تحيط بدبي آنذاك، وخصوصاً في أواخر الثلاثينات لمّا فرضت الإدارة البريطانية قيدًا على استيراد وتصدير المواد الغذائية من المنطقة، مما زاد الحياة الصعبة صعوبة! فاستطاع ،رحمه الله، بحنكته من الالتفاف على هذا القرار الجائر بكل دبلوماسية وذكاء، وأثبت للجميع أنه الشخص الذي سيحقق «حلم دبي».
وضع، رحمه الله، الواقع الاقتصادي الصعب أمام عينيه، وساهم بجهد كبير في افتتاح بنك «إمبريال بنك أوف إيران» الذي عرف فيما بعد باسم «البريطاني للشرق الأوسط» في عام 1954م، وقد وضع شرطاً على المستثمرين لتوظيف أبناء إمارته في المشروع الضخم، ومن أبرز الأسماء غانم الغيث- رحمه الله- وقبل ذلك ب 4 أعوام وتحديداً في عام 1950 كان قد افتتح أول مشروع طبي ضخم بتأسيس مستشفى المكتوم الذي يعد أول مستشفى حديث في الإمارات، وكان يتسع ل 38 سريراً، وتوسع في عام 1968م ليتسع ل 109 أسرة. وفي عام 1960 ونتيجة لازدياد نسبة المواطنين والوافدين برزت الحاجة لبناء المساكن والشقق السكنية، فقام بإنشاء دائرة الأراضي والأملاك وفي نفس العام أمر الشيخ راشد بإنشاء شركة التليفون والبرق واللاسلكي.
وفي عام 1961 أصدر مرسوماً يقضي بإنشاء بلدية دبي، وفي عام 1962 افتتح الشيخ راشد أول جسر يربط ديرة ببر دبي (جسر آل مكتوم) كما قام في 1963 بتأسيس شركة نفط وتأسيس أول بنك وطني (بنك دبي الوطني المحدود) برأسمال مليون جنيه استرليني. وتوالت الإنجازات في نهاية الستينات وبداية السبعينات مع بدايات الاتحاد الذي كان أعظم إنجاز سعى له مع أخيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويشهد لهم التاريخ الحديث بذلك. فسعى إلى إنشاء ميناء راشد والحمرية والميناء الصناعي في جبل علي وجداف دبي.
وفي الرابع من أكتوبر تولى الشيخ راشد، رحمه الله، رسمياً مقاليد الحكم في إمارة دبي، وبدأت منذ ذلك الحين مسيرة الإنجازات المتسارعة والمتواترة. ففي عام 1959م تم حفر خور دبي ليكون شريانًا للمدينة، يحمل إليها المزيد من المراكب المحملة بالتجارة العالمية، وفي العام نفسه تم افتتاح شركة كهرباء دبي العامة، وتم إبرام مشروع أعمال مسح جيولوجي بحثاً عن المياه العذبة مع حكومة قطر. وفي 30 سبتمبر عام 1960 افتتح مطار دبي، وصار مركزًا إقليمياً للطيران العالمي، وفي السنة ذاتها تم إنشاء دائرة الأراضي والأملاك بإدارة الشيخ مكتوم بن راشد، وشركة الهاتف والبرق اللاسلكي، وتم إنشاء بلدية دبي عام 1961، وفي عام 1962 تم تشييد جسر آل مكتوم، ليربط ديرة ببر دبي، وفي عام 1963 تم تأسيس شركة النفط، ودبي الوطني المحدود برأسمال مليون جنيه إسترليني.
وأدرك ،رحمه الله ،أهمية المعرفة لتحقيق الحلم، وعمل بكل جهد مخلص لتحسين التعليم في إمارته، فالإنجازات لا قيمة لها إن لم تجد من يحافظ عليها، بل ويطورها، وقد أولى للمدرسة الأحمدية اهتماماً خاصاً، وأشرف عليها منذ عام 1954، وقدم الدعم المالي لأبناء دبي الملتحقين بمدارس قطر، وخصص جزءاً من قصره كمدرسة عرفت باسم (السعدية) عام 1958، ثم افتتحت خلال الأعوام التالية مدارس عديدة منها: خولة بنت الأزور الابتدائية، والخنساء، وآل مكتوم للبنين، والشعب المتوسطة.
وبرزت جهوده الدولية بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، وأسهم في التطوير العمراني والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وحرص على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى وبرزت اهتماماته في مناقشة قضايا أمته وشعبه العربي والإسلامي. وأبرزها قضية احتلال الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبوموسى) والقضية الفلسطينية والحرب العراقية الإيرانية، ودعا إلى انشاء مجلس يضم دول الخليج العربي.
المغفور له بإذن الله الشيخ راشد تميز بمواقفه الوطنية من القضايا العربية، ومن أقواله في ذلك: «سنستمر في تقديم المساعدات للفلسطينيين، وذلك لأننا نؤمن بأن قضيتهم عادلة، وهذا من واجبنا». «قررنا وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسنقوم بنفس الإجراء ضد أي دولة تتخذ نفس الموقف الأمريكي إزاء قضيتنا العادلة». أيضاً من أقواله «نتابع باهتمام كبير أنباء القتال الذي يخوضه إخوان لنا على الجبهتين المصرية والسورية في سبيل تحرير أرضنا المحتلة وكرامة أمتنا وعزتها، ودولة الإمارات تضع كل طاقاتها وكافة مواردها في خدمة هذه المعركة».
في عام 1932 اقتنى الشيخ راشد أول سيارة له بعد أن كان يركب حصانه (الصقلاوي) التي كانت تربطه بها علاقة حميمة.
في التاسع والعشرين من مارس عام 1939 شهدت دبي احتفالاً بزفاف الشيخ راشد بن سعيد إلى الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان.
كان يجلس دوماً في مجلسه الذي كان يقع في مبنى الجمارك عند مدخل الخور بجوار ميناء دبي البحري، وكان يجلس على سجادة بجانب نافذة تطل على الخور، فيدخل الناس دون إذن، ويأخذون ركنًا في المجلس ويتحدثون إليه بكل راحة واطمئنان وهو يدخن غليونه «مدواخ» الخشبي الصغير، ويضع التبغ في زجاجة أدوية فارغة إلى جانبه، وقد كان للشيخ راشد مكتب فاخر ولكنه كان يقول دوماً: إني لا أميل إلى هذا المكتب، ولا أحب الجلوس فيه، فهو مغلق ولا أفتحه إلا إذا جاء البلاد زوار، إن أمنيتي أن أظل على اتصال وثيق مع أبناء الشعب، وسأستمر بإذن الله في اتباع هذا الأسلوب.
في العاشر من سبتمبر من عام 1958 توفي الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي، وتولى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مقاليد الحكم في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 1958، بعد أن استمر في ولايته للعهد لمدة عشرين عاماً، فأخذ على عاتقه ضرورة توفير الخدمات الأساسية لسكان دبي فأعلن عن رغبته في بناء مطار دبي.
وتم الاختيار ما بين جبل علي والقصيص، فوقع الاختيار على القصيص لقربها من دبي الذي افتتحه في الثلاثين من سبتمبر/أيلول 1960، فأدت سياسة السماء المفتوحة إلى جعل دبي مركزاً إقليمياً لحركة الطيران.
كما أنشأ شركة كهرباء دبي العامة في عام 1959 وأبرم مع حكومة قطر في 1959 مشروع أعمال المسح الجيولوجي للتنقيب عن المياه وسد احتياج الإمارة من المياه العذبة.
في 10 سبتمبر/أيلول عام 1958 أسلم المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الروح إلى بارئها، وشاع الحزن في دبي، بل وفي الساحل كله حزناً على الفقيد الغالي، وقد ملك الحزن قلب الشيخ راشد بن سعيد على رحيل والده الذي ربطته به علاقة مميزة وكان قريباً منه دوماً، وانتقل الحكم بكل سلاسة إلى الحاكم الجديد ولي العهد المغفور له بإذن الله الشيخ راشد في 4 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه في حفل تنصيب رسمي، واستمر في نهجه الذي اتبعه منذ تعيينه ولياً للعهد في الإصلاح والتطوير وتحسين ظروف الحياة.
وفي بداية الثمانينات مرض الشيخ راشد فجأة وذهب لانجلترا للعلاج، وعاد بعدها واستمر في ممارسة أعماله إلى أن اشتد به المرض في أواخر الثمانينات إلى ان رحل في مساء الأحد الثامن عشر من ربيع الأول عام 1411 الموافق السابع من أكتوبر 1990 بعد حياة حافلة جعلت من دبي مدينة عالمية يشهد لها الجميع.
ومن أصدق من المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، في وصف المغفور له الشيخ راشد حين قال في عزائه: كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لايعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى- رحمه الله- خالدًا في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال…بالأمس كان المغفور له أبا للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم أنا أبوهم وعوضهم فيه وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم من حب وحرص وتفان في خدمة هذا الوطن».
قال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله في الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله: «الشيخ راشد يمتاز بميزتين أولاهما أنه رجل سياسي بارع، وثانيهما أنه رجل يمثل مهارة غير طبيعية في عالم الاقتصاد، وهو رجل مشهود له بالتروي والتأني ولا يستعجل الأمور ولا يندفع في الجري وراء الأفكار الجديدة قبل تمحيصها لئلا يكون من ورائها ضرر».
ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن والده قوله: «إنني أبني ميناء راشد؛ لأنه يمكن أن يأتي يوم لا تقدرون على بنائه»، لم يفكر أحد قبل والدي في تنفيذ مشروع كهذا، ولكن والدي فكر فيه ونفذه فكيف اهتدى إليه؟ هذا السؤال لا أعرف جواباً مختصرًا له، لكن لو حصرت إجابتي بكلمة واحدة لقلت إنها «الرؤية».
يقول رجل الأعمال سيف الغرير: كان الشيخ راشد عندما يعلم أن تاجراً تعرض لمحنة أو انكسرت تجارته، طلبه وساعده في صمت؛ حتى يقف على رجليه من جديد، وكان إذا احتاج مالًا أقرضه دون أن يشترط عليه زمنًا محددًا لرد الدين، بل إنه لا يسأله أبدًا.
العمل الجاد ومتابعة المشاريع بإشراف شخصي منه: وفي ذلك يقول الشيخ عمر الماجد: كنا معه في إحدى المرات في منطقة حتا، وبعد الغداء والوقت في أشد الحر، خرجنا ولا نعرف أين يريد، فذهب بنا إلى المكان الذي تقام فيه السدود ونزل من السيارة ووقف في الشمس ليأمر وينهي ويتابع سير العمل.
حبه ورأفته بصغار السن والأطفال: ويروي في ذلك العديد من المواطنين الروايات عنه لمّا كانوا صغاراً.
رحم الله المغفور له باذن الله الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وأخيه المغفور له بأذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأسكنهما في فسيح جناته.
بقلم الكاتب: محمد عبدالمجيد علي ( مصر )
emirate_dubai2000@yahoo.com