|  آخر تحديث مارس 9, 2019 , 13:53 م

المرأة شريك أساسي في المجتمع


المرأة شريك أساسي في المجتمع



بقلم: محمد عبدالمجيد علي


لقد توقفت كثيراً عند اختيار عنوان يعطي للمرأة العربية والإسلامية مكانتها المتنامية الجمال والتي لا يكاد فنان محترف مبدع أن يستطيع نقش مدى الصبر والعطاء والجمال اللامتناهي للمرأة العربية، ولو أضفنا إلى ذلك الصبر الشامخ للمرأة في ظل التحديات التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية لوجدنا أنفسنا أمام زهرة التنمية، أيقونة العطاء وميدان الحب والثبات، وروح المشاركة.

المرأة العربية هي الصورة الحقيقية المعبرة عن المجتمع، تؤدي الرسالة المقدسة بكل معاني الصبر والأمل والألم وتتخطي جميع التحديات لتأدية المهام الكبرى المتمثلة برسالة الخير والسلام ومعاني الاخلاص والوفاء والعطاء، والتنشئة على صلابة النفس وقوة الإرادة وترسخ معاني حب التعاون، ومن هنا نستطيع أن نقطف ثمرة بناء الأمة والمجتمع بشكل حقيقي تنموي، وبذلك يتكون الجيل الصاعد الجديد، وينشأ نشأة سليمة.

إن بروز المرأة العربية في العديد من المنابر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يعد في حقيقة الأمر تتويجاً للنجاحات المستمرة التي يتم إحرازها حتى الآن في عملية الكفاح المتواصلة الهادفة إلى تطوير وبناء المجتمع والمشاركة الفاعلة الحقيقية في عملية التنمية الشاملة، من خلال وجود المرأة كعضو فعال في المجتمع العربي عبر فتح بيئة خصبة لعملية تمكين المرأة.

ومما نرى ونشاهد أن المرأة العربية لديها العديد من المهام الضرورية في المجتمع، فهي البنت والام والزوجة والجدة وفي كل مرحلة من مراحل حياتها هناك العديد من الاعباء والواجبات المناطة بها، وتتعاظم تلك المهام على المرأة في ظل الظروف الراهنة، فالمرأة التي تدرك حقيقة وعظيم دورها، وتلتزم بواجباتها على الوجه الأمثل، إنما تؤثر في حركة الحياة في وطنها تأثيراً بالغاً، يدفع به إلى فضاء التقدم والرقي والريادة الحضارية النشطة.

إذاً فالمرأة العربية هي الركيزة الأساسية داخل الأسرة، والمجتمع، ومن خلالها لا يمكن حدوث التنمية الفاعلة في المجتمعات، نعم هذه هي المرأة العربية التي تسطر يوماً بعد يوماً ملامح الأفق الجميل، والمجد العظيم، والتضحيات التي تقوم بها بدءً من محيطها القريب منها من أسرتها الصغيرة ومروراً بمجتمعها الخارجي ووصولًا إلى العالم أجمع، لتظهر بصمات الإبداع والتفوق والريادة في كافة المجالات المجتمعية الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

إن مجمل التحديات التي تواجه المرأة العربية كالفقر والجهل والتعصب، والبطالة، وظروف الحرمان يجب أن يتم العمل من منظور تنموي وبتعاون كامل من كافة الجهات القيادية وصناع القرار ومؤسسات المجتمع المدني لمعالجة تلك التحديات كافة، وتوسيع الدور التنموي للمرأة العربية داخل المجتمع، وعليه بإمكان المرأة النهوض بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً اذا ما أعدت بصورة صحيحة للقيام بدورها المناط بها، لأجل المساهمة في بناء المجتمع بشكل قوي قادراً على معايشة الواقع والعصر في كل حال، ومن هنا جاء سبق وتركيز الاسلام على بناء شخصية المرأة بشكل أصيل متكامل.

وبرغم التحديات كافة، ما زالت تسطر المرأة العربية الإبداع بأبهى صوره في جميع المجالات فهي المعلمة والمربية، الطبيبة، لقاضية الشاعرة، أديبة وفقيهة، وحتى اللحظة ما زالت المرأة العربية تكدح وتكد وتساهم بطاقاتها في رعاية بيتها وأفراد أسرتها، هي الأم الرائعة الصابرة التي يقع على عاتقها مسؤولية تربية الأجيال القادمة؛ وهي التي تدير البيت وتوجه مجالاته، وهي كذلك البنت والأخت مما يجعل الدور الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع لا يمكن إغفاله أو تقليل من قيمته وخطورته.

وقد تحسنت أوضاع المرأة كثيراً في العقد الماضي، واتجهت كثير من دول العالم إلى إجراء تعديلات تشريعية تعزز المساواة بين الجنسين، وهي خطوة متأخرة نسبياً مقارنة بخطط الأمم المتحدة في هذا المجال، التي باتت تعتمد معايير التوازن بين الجنسين، ولكن كما يقال، إن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي على الإطلاق! ولكن المعروف أن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب بالأساس توافر قناعات سياسية راسخة، وهذه بالفعل دروس تجربتنا في دولة الإمارات، كما يتطلب تغييرات في الوعي المجتمعي والتقاليد والأعراف الثقافية السائدة في بعض المجتمعات المنغلقة.

التمكين الاقتصادي للمرأة يؤثر سلباً أو إيجابا في معدلات نمو الدول من دون شك، فتجاهل الأخذ به يحرم الاقتصادات من عوائد هائلة كان يمكن أن تمثل قيمة نوعية مضافة في حال الدمج الاقتصادي للمرأة والسماح لها بإدارة أنشطة تجارية واقتصادية، فالنساء في العالم يمثلن تقريباً نصف السكان، وبالتالي فإن حرمانهن من التمكين الاقتصادي يعني ببساطة حرمان العالم من نصف طاقته الإنتاجية المفترضة، ولذا نلحظ أن ميثاق الأمم المتحدة قد نص في مادته الأولى على أن “تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”، كما كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 حقوق النساء في المساواة، ولكن كما ذكرت، المسألة لا ترتبط دائماً بوجود التشريعات بقدر ما ترتبط بتوافر إرادة وقناعات سياسية تهيئ المجال العام للتطبيق.

وفي ذكرى اليوم العالمي للمرأة، يمكن أن نستعيد بعض محطات التطور الزمني لمسيرة تمكين المرأة عالمياً ومحلياً، كي ندرك التطور الهائل الذي تحقق للمرأة الإماراتية على صعيد الحقوق والمكتسبات التي نالتها بفعل الدعم اللامحدود من جانب القيادة الرشيدة منذ تأسيس الدولة، والميزة الأساسية في هذا الدعم، وتلك المساندة، أنها تحققت بفعل قناعة ذاتية وطنية بأهمية دور المرأة وضرورة الاستفادة من طاقات المجتمع كافة للتسريع بعملية التنمية، ففي حين كان العالم يتحرك لإضافة زخم للحركة النسائية العالمية في منتصف السبعينيات، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 عاماً عالمياً للمرأة، وتم عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك تحت شعار “المساواة والتنمية والسلام”، كانت دولة الإمارات قد أقرت الأسس والمبادئ الدستورية والتشريعية، التي تضمن للمرأة حقها في المساواة، حيث كان القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يؤمن بأن “مشاركة المرأة في نهضة المجتمع من الأهمية بمكان، وأن الإسلام شجع المرأة على العمل، والمشاركة في البناء”، وهنا نلاحظ الفهم العميق من جانب المُعلم والقائد الملهم لجوهر الدين الإسلامي الحنيف، وكيف أنه حسم هذا الأمر الذي كان ـ ولا يزال ـ مثار جدل ونقاش عقيم في أوساط عدة بعالمنا العربي والإسلامي.

من الثابت أن لتجربة التنمية في دولتنا خصوصية استثنائية فريدة في مختلف المجالات، ومنها بطبيعة الحال تمكين المرأة، حيث انطلقت مسيرة الاتحاد النسائي العام في أغسطس/آب 1975 بقيادة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات) رائدة العمل النسائي في الدولة وعلى مستوى الخليج والعالم العربي، وصاحبة الفضل الأساسي في كل ما تحقق للمرأة الإماراتية من نجاحات وبصمات وإنجازات في كل قطاعات العمل والتنمية، وأشير هنا إلى أحد أبرز مظاهر خصوصية تجربتنا من خلال مقولة سموها “اذكّر كل أم وكل زوجه.. بأن بيتها وأبناءها هم الأساس.. وهم أهم وظيفة لها إذا لم تجد في نفسها القدرة على العدل بين البيت والعمل خارجه.. فإن تربية جيل صالح من الأبناء أهم بكثير من أي منصب وظيفي يمكن أن تصل إليه المرأة”، وهذه المقولة هي القاعدة الاجتماعية الأساسية الذهبية التي افتقرت إليها معظم جهود تمكين المرأة في العالم، وهي معيار تحديد الأولويات عندما نتحدث ونعمل بحماس من أجل تمكين المرأة، فالأولوية هنا لتوافر فهم ووعي متكاملين لدى المرأة بدورها وحدوده، فالأسرة باعتبارها نواة المجتمع وعماده هي الأساس، ومن دون الحفاظ على تماسك الأسرة وصلاحها لا يمكن الحديث عن نجاح أو إنجاز كامل للمرأة في أي مجتمع، وهذه القاعدة الذهبية تمثل أحد خصائص تفرد نموذج التمكين الإماراتي للمرأة.

ثمة قاعدة أخرى ذات خصوصية بالغة، تتمثل في توجيه طاقات المرأة نحو التنمية والبناء، لتحقيق الشق الخاص بالاستفادة من طاقات نصف المجتمع، وقد تطلب ذلك جهودا هائلة على مستوى التعليم وبناء القدرات على مدى سنوات طويلة، وعلينا أن نتذكر جيداً أن الإحصاءات تشير إلى أن مدارس الإناث في الدولة عام 1972 كان يبلغ 52 مدرسة فقط ترتادها نحو 17 ألف طالبة حتى المرحلة الثانية، وهو رقم كبير مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل قيام الاتحاد، فلم تكن هناك مدارس مخصصة للبنات حتى عام 1955، حيث افتتحت أول مدرسة للإناث في عام 1956 وضمت ثلاثين طالبة في فصل واحد ومعلمة واحدة،

وهذه الأرقام توفر لنا رؤية واضحة لما تحقق من إنجازات، باعتبار أن التعليم هو مفتاح التنمية، حيث نرى الآن دولة الإمارات العربية المتحدة باتت الإمارات الأولى عالمياً في مؤشر معدل التحاق المرأة بالتعليم العالي، وحققت المركز الأول عالمياً في مؤشر إلمام المرأة بالقراءة والكتابة، وكل من مؤشري مشاركة المرأة في التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي، كما أصبحت رئيسة للمجلس الوطني الاتحادي ووزيرة وقاضية ودبلوماسية، وعلى أبواب أن تحصل على 50% من عضوية المجلس الوطني الاتحادي في الانتخابات المقررة الصيف المقبل، ارتفاعاً من 5,22% في الفصل التشريعي الحالي، ما يعني تمكيناً كاملاً للمرأة الإماراتية، وأننا بالفعل أمام واقع يسبق الطموحات والتطلعات.

والمسألة كما قلت لا ترتكز على قاعدة تشريعية وقانونية فقط، بل تعتمد بالأساس على قناعة راسخة وإيمان قوي بأهمية دور المرأة، فقيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا يبخلون بأي دعم أو مساندة من أجل أن تحصل المرأة الإماراتية على فرص التمكين الكاملة في مختلف مجالات التنمية بالدولة.


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com