سمر الديب – القاهرة
“الفن منارة الأخلاق!” ناشد جميع أطياف المجتمع بأعمال ليس من الممكن نسيانها أو ترجمتها لما ينافي ملامح المحبة والإنسانية والقيم،طيلة سنواتِ عمل علي قدمٍ وساق،تمسّك بفنّه ورسالته التي طالما آمن بها وبموهبته، وقدرته علي خلق المواهب الأخري،وبلمساتٍ سحريّة منه يصبحون نجوماً متألقة، تَسكن قلوبهم نفس الرسالة مثل ما صنع هو منذ البداية! فقد صنع للفن مدينة.. وتعلق بين زواياها وأركانها أشياء أخري.. لمسات من كيان إنسان وطموحة وصدق رسالته..! مدينة سنبل للفنون والزهور… للفنان الكبير محمد صبحي! فهي مدينة ليست فقط لتدريب واكتشاف المواهب،فهي أيضا من روح صاحبها تبلْورت، فقد خُطِّط لها منذُ البداية بأن تكون نقطة تلاقي للمعرفة والثقافة والفن، فهي مدينة تأسَّستْ جدرانها بأحلام وأماني مستقبلية، يتخذها المبدعون مركزاً للكشف عن كنوز عربية حقيقية،تبث روح الجدّية والإلتزام والعمل بكفاح،فقد أثْبت الفنّان صاحب المدينة النبيلة،أن مهنة التمثيل مهنة حقيقية، لها هدف ومضمون أسْمي وأعْظم من ما قد رآه جميع فئات المجتمع العربي،وتصوراته السيئة عن هذه المهنة بالتحديد،حيث شوهها البعض بتقديم إسفافات وإستهتار بعقول البشر لأهداف تجارية بحتة، فقد استغلّوا ثقوب الظروف الإجتماعية التي يعاني منها شرقُنا المهموم لتكتظ جيوبهم بالمجْد والمال والشهرة،وهنا كان سنبل ثابتا مستمراً أربعين عاماً بعقل لا يتردد في تطهير النفس والروح العربية، باستخدام نفس الآداه والمهنة،ولكن في طريق الخير، وقد جاء إليه المال والشهرة والمجْد تباعاً،حيث أينما وُجِدتْ المحبّة وُجِد معها كل شئ بصبرٍ وتهادي. وقد بُنيت المدينة علي أرض مساحتها 25 فدان،تضم دار للمسنين تحتوي علي أربعة عشرة غرفة، وبجانب الدار يوجد مبني المسرح المكشوف وهو فارغ من الداخل لا يوجد به أي نشاط فنِّي نظراً لعدم استكماله كما كان مخطط له من البداية، وبجانبة يوجد مبني البلاتوهات والمسرح وعلي هذا المسرح تقوم فرقة ستوديو الممثل بالتدريبات والعمل لتقديم العروض الفنية علي مساحة أربعة آلاف متر مربع،وخلف مبني الاستوديو يوجد مبني متحف نهضة مصر، وقد أُنشأ علي مساحة سبعمائة متر، وأيضاً بعد كل التجهيزات التي كانت مُخطّطه لهذا المتحف أملاً في أن يكون رمزاً للدولة ومقتنياتها وتوثيق الفن في مصر منذ عهد محمد علي، فقد توقّف عن اسْتكماله نُظراً للمبالغ الطائلة المطلوبة لتنفيذ الفكرة. وقد حصل الفنان صحاب المدينة الثقافية علي جميع التصريحات والموافقات والعقود المطلوبة كافة لكل مبني داخل المدينة علي حدة،وعلي مساحة الارض بشكل عام،وقد قدم أوراق موثقة بذلك من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية للإدارة المركزية والملكية ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي. ويجب هنا أن نذْكر أن حاول الفنان صاحب المدينة بمساعدة العمال والمزارعين المختصين بزرع المساحات الفارغة من الأرض حول المباني ولم تكنْ أبداً الارض صالحة للزراعة فهي أرض مالحة بتصريح من وزارة الزراعة،وقد خسر ملايين الجنيهات في محاولات لتجميل شكل المدينة، ولكنها أرض صحراوية وباءت كل المحاولات بالفشل فبقيت علي حالها.
ومن الجدير بالذكر أن ذكر الفنان محمد صبحي،أن من يقوم بدفع مبلغ 42 مليون جنية منذ عام 1994 لبناء مدينة ثقافية في قلب الصحراء خارج أطراف العاصمة لتبقي للدولة رمزا حضارياً،كان من الأوْلي به أن يقدّم نصف هذا الثمن في شراء مسرح داخل المدينة في أزْهي أحياء القاهرة، وكان سوف يحصل علي ما كلّفه أضعافاً مضاعفة بعد ثلاث سنوات علي أقصي تقدير. وهنا فقط أتساءل، ماذا يُريد أصحاب النفوس الضعيفة فيما يغزلون في كل مناسبة من سوء الظن وشرارة البؤس المتمركز في أرواحهم تجاه هذا المشروع وصاحبه؟! لمَ كل هذا البطش والتشويه والحملات الشرسة ضد أصحاب الكلمات والرسائل الطيبة الخلاّقة؟؟ ماذا فعلوا هم لأجل مجتماعتهم وماذا قدّموا؟!! أسهل شئ علي الإنسان التشويه والتقاط الاخطاء ظناً منه أنه لا يُخطئ وكأن الإنسان الشجاع المقدام لابد أن يدفع ثمن جُرأته حتي إذا كان هدفه خيراً،فلا تمييز في وطني بين الطيب والخبيث! سنظلّ نقدس هذه القوة التي لا تتهاون في طرح المزيد،والتي لم تتوقف لحظة علي طول خط العمر.. بل تُبدع وتتألّق أكثر، فهؤلاء همْ الأقوياء في أي مجال..لا يدعون طريقهم لغيرهم ليهدموه بل مستمرّون في الحفاظ علي توازنهم وسلامة أرواحهم وعقولهم التي حددوها لأنفسهم بلا تردد أو خوف،ليظلوا أبطالا، فالأحلام من الممكن لها أن تبقي فقط أحلاماً،ولا تري نور الشمس،تراها فقط حين ينتفض صاحبها بضخّها نحو الحياة علي طريق الحب والخير والجمال فتُشِعُّ بريقها علي أرض الكون. محمد صبحي…صانع الفن والثقافة والإنسانيّة،إنسان يُخطئ ويُحسن،يَعفو ويُعاقب ويُسامح،له ما لكم من حقوق وعليه ما عليكم من رسائل وواجبات خُلقنا بها ولها… فهو يشبه مدينته…مدينة الفنون والزهور…علي أرض السلامة!