حضر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، انطلاق أعمال مؤتمر “فكر” السنوي، الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي في دورته السادسة عشرة بدبي تحت عنوان “تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار”.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: “سعدت اليوم برفقة الأخ والصديق الأمير خالد الفيصل بحضور جانب من مؤتمر الفكر العربي في دورته الـ 16 بدبي “، مضيفاً أن “المؤتمر يناقش صناعة الاستقرار.. والاستقرار صناعة وجهد وعمل مستمر وتنمية دائمة وتطور لا يتوقف.. الاستقرار هو حركة دائمة لصنع الحياة.. وهو بحث مستمر عن مستقبل أفضل لمجتمعاتنا”.
وتابع سموه: “سعداء بهذا الجمع الكبير من المفكرين والقادة.. ورسالتنا لهم توظيف علمهم ومعارفهم وجهودهم في تنمية مجتمعاتنا واستئناف حضارتنا العربية”.
وأكد صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن “التغيير يحتاج منا توحيد كافة الجهود – كل في مجاله – بما يخدم مستقبل أمتنا ويعمل على تحقيق استقرار وازدهار مستدامين”.
وتابع سموه الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الذي حضره سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وشارك فيه أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي.
وألقى الأمير خالد الفيصل كلمة تقدم فيها باسم أمناء مؤسسة الفكر العربي بأسمى آيات التهاني والتبريكات والامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة، وخص بالشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على حسن الاستقبال وكرم الضيافة في مدينة الإبداع دبي.
ثم ألقى قصيدة قال فيها:
تثاءب العرب … واستيقظ الشغب
وتداعت الأغراب … واستفحل الإرهاب
وتوارت الأمانة … واستعرت الخيانة
وتوحش الزمان … واستسلم الإنسان
وعالم … لامتلاك الدنيا .. يسابق الزمان
وعرب … تحاول الاحتفاظ بوطن
هناك إبهار … وهنا غبار
ليل هنا … وهناك نهار
تشتت الفكر … وتاهت الأبصار
وقتل العرب … وهدمت الديار
وهجر الرجال … والنساء والصغار
ولأجل ماذا … كل هذا؟
لتحل فرس وروم وعار
وتعم فوضى ودمار
وتكون القدس خيار
ثم قيل … إنه الواقع العربي
أيها الواقع العربي … أفق
كفاك سباتا وكفانا انتظار
ولن نقبل بعد اليوم اعتذار
فما زال لنا عقل وفكر
وكفاح ومسار.
من جانبه، ألقى أحمد أبو الغيط كلمة أكد فيها أن النظام العالمي يمر بحالة غير مسبوقة من السيولة والتنافس الذي يقترب من الصراع بين اللاعبين الرئيسين، وهو تطور يؤدي إلى انعدام اليقين على التفاعلات والعلاقات الدولية كافة.
وقال: “نحن نقترب من وضع تتآكل فيه قواعد قديمة من دون أن تظهر أخرى جديدة تحل محله وتهب فيه رياح الفوضى والاضطراب على الدول والمؤسسات الراسخة فتزعزع أركانها وتزلزل قواعدها وتصيب بنيانها بخلل شديد وبلادنا العربية ليست بعيدة عن هذه الرياح الخطرة، بل هي لأسباب كثيرة في عين العاصفة”.
وطرح أبو الغيط خمس نقاط تمثل تحديات تفرض على العرب التفكير فيها والتعامل معها.. وتتمثل النقطة الأولى في ردة فعل عنيفة إزاء ظاهرة العولمة من جانب قطاعات واسعة من مواطني الغرب، الذين يشعرون بأن حرية التجارة وتعزيز الترابط العالمي لم يصب في مصلحتهم، ومحصلة ذلك هي صعود لتيارات الانكفاء على الداخل، وبناء الجدران العالية أمام التجارة والمهاجرين وكل ما هو قادم من الخارج.
وأشار إلى ” ارتباط هذا الواقع بما نشهده من تصاعد ملحوظ في السياسات القومية المتطرفة والنزعات الشعبوية، وبالتالي الاتجاه إلى تفتيت الوحدات القائمة إلى وحدات أصغر، على أساس القومية أو العرق أو الدين. وفي مواجهة هذه الاتجاهات التفتيتية المدمرة في الغرب، ليس أمام دولنا إلا اتقان فن العيش المشترك وتعزيز قدرة المجتمعات على قبول التنوع والاختلاف، باعتباره مصدر قوة وإثراء. إن التحدي الرئيس أمام الدولة الوطنية في العالم العربي هو أن تصير بحق “دولة لكل مواطنيها “.
وتتمثل النقطة الثانية، بحسب أبو الغيط، في أننا نقف على أعتاب ثورة تكنولوجية رابعة ضخمة سيكون من شأنها أن تغير الكثير من القواعد الراسخة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وسأل أين العرب من هذه الثورة؟ هل تفوتنا مثلما فاتتنا الثورة الأولى زمنا طويلا حتى أصبحنا أسرى للتخلف والاستعمار؟.
وأكد أن إعداد الشباب العربي للتعامل مع معطيات ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة، يقع في قلب المهمات التي ينبغي أن يضطلع بها قادة الفكر والسياسة والمجتمع والاقتصاد في العالم العربي.
أما النقطة الثالثة، كما طرحها أبو الغيط، فتتجسد في تقويض الثقة في المؤسسات القائمة السياسية منها والدينية والاجتماعية والثقافية.. حيث اعتبر أنه إذا ما ترك للتكنولوجيا الحبل على الغارب، فهي ليست سبيلا لتعزيز الحرية والديمقراطية، بقدر ما هي قادرة على إفراز أكثر الاتجاهات تطرفا وغوغائية، لافتا إلى أن العزلة والانغلاق لا يمثلان حلا، ولكن البديل لا ينبغي أن يكون الانكشاف الكامل أمام هذه المؤثرات المدمرة للنسيج الاجتماعي.
وركز أبو الغيط في النقطة الرابعة على أهمية الانفتاح من قبل المؤسسات العربية، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، على تجارب الآخرين، والتعلم منها والتفاعل معها.
وشدد في النقطة الخامسة والأخيرة على ضرورة إصلاح نظمنا التعليمية، وتجديد مفاهيمنا الدينية، وتطوير رؤيتنا الثقافية، وهي عناصر أساسية للعلاج الناجع لجرثومة الفوضى التي تتغذى على الركود والتكلس، فالإصلاح والتغيير مطلوبان من أجل صيانة الاستقرار.
وتحدث البروفسور هنري العويط المدير العام لمؤسسة الفكر العربي عن الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر في لحظة تاريخية عصيبة ومصيرية، والتي لم تعرف مثيلا لها في الحدة والخطورة، منذ أمد بعيد.
وأكد اهتمام مؤسسة الفكر العربي في إطار رسالتها التنويرية والتنموية، بشؤون العالم العربي وشجونه، وبحاضر دوله ومواطنيه ومستقبلهم، لذلك رأت من واجبها التحذير من مغبة استفحال هذه الفوضى، وتفاقم هذه الأزمات، فقررت إخضاعها للدراسة والتحليل، بمنهجية علمية، ومقاربات موضوعية، وبمنتهى الصراحة والشفافية. وليس الغرض من عملية التشخيص هذه توجيه أصابع الاتهام والإدانة، بل هي منطلق للدعوة إلى وعي خطورة الأوضاع ومخاطرها، بهدف تحديد أفضل السبل لمواجهتها.
وأشار العويط إلى أن العنوان الذي تم اختياره للمؤتمر يعبر عن هذا النهج وهذه التوجهات، وقد تعمدنا الإشارة في شقه الأول، إلى واقعنا المأساوي المرير، ولكننا أبرزنا، في شقه الثاني، ما يتسم به مؤتمرنا من بعد استشرافي، وذلك للإلحاح على ضرورة الخروج من نفق الفوضى المظلم إلى رحاب الاستقرار، وللتشديد على ما يرتبه علينا تحقيق هذا الاستقرار من مسؤوليات وأعباء.
ولفت إلى أن الجميع يعرف مصالح وأطماع الأطراف الخارجية، المجاورة والبعيدة، الإقليمية والدولية، وعلينا أن نندد بتدخلاتها وما تحوكه من مؤامرات. لكن علينا أن نتذكر باستمرار أنه بمقدار ما يحق لنا أن ننحو باللائمة على الآخرين، وأن نتمسك بحقنا في تقرير مصيرنا بأنفسنا، يتعين علينا أن نضطلع بمسؤوليتنا عن صناعة الاستقرار.
وأشار إلى أن “فكر16″ هو مؤتمر للمصارحة والمكاشفة.. موضحا أن الأوضاع المضطربة والآفات المستشرية هي أشد بروزا وأمعن فتكا في عدد من دولنا ومجتمعاتنا.. مضيفا ” أن (فكر16) هو أيضا مؤتمر للتحفيز والاستنهاض، فدعونا نلبي النداء الذي يطلقه: إن المسؤولية في معالجة أسباب الفوضى وتداعياتها كما في تحقيق الاستقرار، هي مسؤولية جماعية.. إنها مسؤوليتنا المشتركة، حكاما ومواطنين، مؤسسات وأفرادا، رجالا ونساء، سياسيين، ورجال دين، ورجال اقتصاد وأعمال، ومثقفين، وإعلاميين”.
وأكد أن اختيار دولة الإمارات لاستضافة المؤتمر، يتناغم مع رغبة المؤسسة في مشاركة حكامها وأهليها إحياءهم الذكرى المئوية لميلاد مؤسسها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ” طيب الله ثراه ” ولا يحتاج واحدنا إلى كبير عناء ليدرك أنه لم يكن بمقدورنا أن نختار مكانا أفضل من دبي، لا لأنها المنتدى المثالي للتلاقي والحوار فحسب، بل لنستلهم أيضا من بصيرة محمد بن راشد الثاقبة، ورؤيته الطموح، وقيادته الرشيدة، ومبادراته الخلاقة، المبادئ الأساسية لتحقيق الاستقرار الذي يدعو مؤتمرنا إلى بنائه وتوطيده في منطقتنا العربية، ولنستخلص من تجربة إمارة دبي، الرائدة والنموذجية، الدليل الحي والقاطع على أن تغلبنا على الفوضى ليس حلما مستحيلا أو مجرد وهم وسراب، وأن نجاحنا في صناعة الاستقرار يمكن أن يكون ملك أيدينا، لأنه رهن بوعينا، وتصميمنا، وتضافر جهودنا.
وشهد المؤتمر حضورا رفيع المستوى من شخصيات قيادية وفكرية وأكاديمية ومسؤولين على مستوى الوطن العربي، من بينهم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومعالي الدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل، ومعالي محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل ومعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية ومعالي أحمد بن عبد العزيز القطان وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الأفريقية ومعالي الدكتور نبيه شقم وزير الثقافة الأردني، ومعالي أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني والشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار والدكتور محمد علي الحكيم، وكيل الأمين العام والأمين التنفيذي للإسكوا.
ويهدف “فكر16” إلى تقديم مقاربة تفصيلية ومعمقة للعناصر المؤثرة في حالة الفوضى التي نشأت نتيجة لتداخل الأزمات والأحداث المفاجئة وغير المتوقعة والتغيرات القائمة تحت وطأة التقدم المتسارع في الإنجازات العلمية والتكنولوجية، وتبلور اقتصاد المعرفة ومجتمعها، وما يسمى بــ “الثورة الصناعية الرابعة” التي تغير من نوعية الحياة على نحو جذري، والتدافع بين القوى المختلفة التي تسعى للمحافظة على الوضع العالمي القائم والقوى العاملة على تغييره، حيث تبحث جلسات المؤتمر تأثيرات هذه الحالة على الدول العربية، مع تقديم توصيات واقتراحات بشأن سبل التعامل معها وآليات صناعة الاستقرار.
ويستضيف المؤتمر ثلاث جلسات عامة تتناول “دور القوى الدولية”، و”دور المنظمات الإقليمية والدولية في صناعة الاستقرار”، و”سبل صناعة الاستقرار”.
كما تعقد مجموعتان من الجلسات المتخصصة المتزامنة تتمحور الأولى حول ” الفوضى: جذورها وأسبابها ومظاهرها ونتائجها “، والثانية حول “صناعة الاستقرار: مساهمات القطاعات المؤثرة”.
وفي اليوم الأخير.. تعقد ندوة حول أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار في الدول العربية، وإسهامها في التنمية الشاملة والمستدامة وصناعة الاستقرار.. ويختتم المؤتمر بجلسة تحت عنوان “نحو إنسان عربي جديد”.
يشار إلى أن المؤتمر يشهد مشاركة أكثر من 600 من كبار الشخصيات، ونخبة من صناع القرار والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والباحثين والخبراء وممثلين عن الاتحادات والمنظمات الدولية والمجالس الوزارية ومراكز الدراسات والأبحاث والهيئات الإعلامية والشباب العربي.
ويسعى المؤتمر إلى توفير فرصة استراتيجية للمشاركين من أجل التحاور والتبادل العميق للأفكار والخبرات، في محاولة للتصدي للتحديات الراهنة التي تواجه الوطن العربي، وكذلك لبحث السياسات البناءة اللازمة لإيجاد الحلول ورسم خطة عمل مستقبلية، تسهم في بناء الاستقرار في المجتمعات.