دبي – صحيفة نبض الإمارات
برعاية وحضور نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات العربية المتّحدة، أطلقت مؤسّسة الفكر العربي التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية بعنوان “الابتكار أو الاندثار- البحث العلميّ العربيّ: واقعه وتحدّياته وآفاقه”، وذلك في حفل خاصّ أقيم في دبي، بحضور صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسّسة الفكر العربي، وصاحب السموّ الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل، والبروفسور هنري العَويط مدير عامّ مؤسسة الفكر العربي، ونبيه شقم وزير الثقافة الأردني، ومحمد علي الحكيم وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة والأمين التنفيذي للإسكوا ، والعالِم المصري فاروق الباز، وأعضاء مجلسي الأمناء والإدارة، وشخصيات ثقافية وأكاديمية وعلمية ودبلوماسية.
وألقى صاحب السموّ الأمير خالد الفيصل كلمة استهلّها بالشكر والتقدير لدولة الإمارات العربية المتّحدة بصفة عامّة ودبي بصفة خاصّة، على الاستقبال وكرم الضيافة، وعلى كلّ ما وجدناه ولقيناه في هذه الأيام المباركة من إكبار للثقافة والفكر في الوطن العربي، من قِبل إنسان هذه الدولة التي أصبحت في هذا الوقت مضرب الأمثال للدولة الفتيّة التي لا تعرف للنجاح حدوداً، وهي في كلّ يوم، تضرب مثلاً جديداً للتقدّم والازدهار وسبل المعرفة في كل توجّه. كما خصّ بالشكرمعالي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة نورة الكعبي على حضورها ومشاركتنا تقديم التقرير العربيّ العاشر لمؤسّسة الفكر العربي.
وقال سموه: “تقدّم مؤسّسة الفكر العربي للعام العاشر على التوالي تقريرها العربي للتنمية الثقافية، فيما يشهدُ الوطن العربي مزيداً من الحروب والنزاعات والخلافات السياسية، وما ينتج عنها من أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية، تتزامن مع مشكلات بيئيّة، كالتصحّر وتراجع المساحات الحرجية وندرة المياه وتلوّثها. ويستعرض التقرير العاشر هذه المشكلات كلّها موضوعياً وبالأرقام، ويركّز هذا العام على أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار ودورها في التنمية الشاملة والمستدامة، ليعكس إيماننا بدور الفكر والعلم والثقافة في النهوض من مرارات هذا الواقع”.
وأكّد سموّه أن “التركيز على أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار وعلاقتها بالتنمية الشاملة والمُستدامة، ما هو إلّا حاجة علمية تقتضيها مفاهيم العصر ومتطلّباته، هذا العصر القائم على المعرفة، وعلى اقتصاد المعرفة، حيث تنشأ علاقة عضوية بين عمليّة إنتاج المعرفة واستثمارها من جهة، والنموّ الاقتصادي من جهة أخرى، وحيث تحتلّ تقنيّة المعلومات في هذا الإطار موقعاً محورياً ورئيساً”.
ورأى سموّه أنّه في الألفيّة الثالثة هذه، ومفاهيمها التنموية الجديدة، لم يعُد تحسين نوعيّة الحياة ورفع مستوى المعيشة قائمَين على النموّ الاقتصادي أو مشروطَين به فحسب، بل على المعرفة بشكل عام ومصادرها العلمية والتكنولوجية بشكل خاص. وأضاف: “المجتمع المعرفي هو المجتمع الذي يولّد المعرفة وينشرها ويستثمرها من أجل ازدهار الأوطان ورفاهيّة مُواطنيها. وبالتالي، لا يجوز بعد اليوم، بحسب ما يُطلعنا التقرير أن تُنفق الدول العربية على التعليم من ناتجها المحلي الإجمالي أكثر مما تنفقه دول نامية كثيرة، في حين تبقى معدّلات النمو الاقتصادي لديها أقل ممّا هي عليه في غيرها من هذه الدول”.
واعتبر سموّه أنّ “التقرير يُسهم إسهاماً كبيراً في توفير قاعدة من المعارف العلمية، والبيانات المنضبطة، والإحصاءات الدقيقة في المجالات العلمية المختلفة، كخطوة أولى لا غنى عنها لاقتراح التوصيات والرؤى التي تسمح للمخطّط وللباحث ولصانع القرار، كلّ بحسب دوره، برسم السبل الكفيلة بإخراجنا من أزماتنا، لافتاً إلى أن “التقرير يحثّنا على إيلاء عناية خاصّة باستراتيجيات البحوث المستقبليّة والمخصّصات المكرّسة لتمويلها، وكأنّه يدقّ بذلك ناقوس الخطر، فيحذّرنا من تفويت فرصة اللحاق بالثورة المعرفيّة الرابعة، لأن الفرصة لا تزال متاحة أمامنا، والقرار يعود إلينا، فإمّا مواجهة التحدّيات المصيريّة من فقر وبطالة، وهجرات، وتوتّرات سياسيّة، واضطرابات مجتمعيّة، مستعينين بمنظومة كاملة ومتكاملة تبدأ بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار، وصولاً إلى التنمية الشاملة والمُستدامة، أو نبقى أسرى تبعيّة تكون الثقافة العلمية فيها ضحيّة تقاعسنا”.
وشكر سموّه جميع الذين أسهموا في إنجاز هذا التقرير، منسّقين وهيئة استشاريين ومفكّرين وخبراء وأكاديميين وفنّيين من داخل مؤسّسة الفكر العربي وخارجها، معرباً عن أمله بأن يكون قد قدّم الفائدة المرجوة للقرّاء والباحثين وصنّاع القرار العرب، ترجمة لرسالة مؤسّستنا وتجسيداً لالتزامها في خدمة الوطن العربي، بما يُسهم في بناء نهضته وتحقيق تنميته الشاملة والمُستدامة.
وألقت معالي الوزيرة نورة الكعبي كلمةأكّدت فيها على الدور المحوري الذي تقوم به مؤسّسة الفكر العربيّ في تطوير وتشجيع العمل الثقافي المشترك في الدول العربية، وإصدارها هذا التقرير السنوي الذي يرصد بالبحث والتحليل واقع التنمية الثقافية في 22 دولة عربية، ويتطرّق إلى إشكالات مسيرة التنمية. ورأت أنّ التقرير يستمدّ أهمّيته من القضايا العلمية المتنوّعة التي يتطرّق لها بما يعطيه طابعاً شمولياً ريادياً يسدّ نقصاً في المكتبة العربية، حيث اعتمد على منهجيات متعدّدة جمعت بين تشخيص الواقع بصورة دقيقة من خلال عرض المعطيات والأرقام والإحصاءات وبين استشراف المستقبل عبر تقديم مجموعة من التوصيات والاقتراحات.
وأكدّت معاليها أن “البحث العلمي في الدول العربية دون مستوى الطموحات، ودون مستوى الموارد التي تزخر بها هذه الدول، والناظر للواقع يجد الفجوة الكبيرة بين البحث العلمي العربي ونظيره العالمي”. وركّزت في كلمتها على دور المعرفة التي أصبحت مورداً استراتيجياً في الحياة الاقتصادية، فهي الثروة التي لا تنضب، بل يزداد حجمها يوماً بعد آخر. ورأت معاليها أنّ “الابتكار الثقافي والفنّي نشاط ضروري لتشكيل مجتمع المعرفة وبناء الصناعات الإبداعية والثقافية التي تقوم على الإنتاج الثقافي والفكري، وهو جزء مما يتناوله التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية الذي يقدّم تشخيصاً دقيقاً لأنشطة البحث العلمي والتطوّر التكنولوجي والابتكار في الدول العربية”، مؤكدة على أنّ الإمارات أطلقت الاستراتيجية الوطنية للابتكار والتي تهدف لجعل الإمارات ضمن الدول الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم من خلال تعزيز دورها كمحرك رئيس للتطوير الحكومي ورافداً أساسياً للتنمية والنمو الاقتصادي.
ودعت الكعبي في كلمتها إلى أن يكون هذا التقرير خطوة مهمّة على طريق تعزيز التنمية الثقافية في بلادنا العربية من خلال تعميق الفهم والإدراك بأهمّية التحوّلات الدولية في البحث والتطوير والابتكار وخلق أنماط جديدة من التكامل بين المراكز البحثية والعربية والعالمية.
وشكرت معاليها في ختام كلمتها مؤسّسة الفكر العربيّ على اختيار دولة الإمارات العربية المتّحدة لإطلاق التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، الذي يتزامن مع احتفالات الإمارات بعام زايد، القائد الذي أدرك أهمّية الثقافة والمعرفة كمقوّمات أساسية للدولة القويّة، وأسّس صروحاً ومشاريع ثقافية يُشار لها بالبنان، ووفّر الإمكانات لدفع عجلة التنمية، لتصبح الإمارات اليوم واحة للفكر والثقافة والفنّ.
من جانبه، أشار البروفسور هنري العَويط، مدير عامّ مؤسّسة الفكر العربي، في كلمته إلى ثلاث نقاط تتعلّق بالتقرير، وخصائِصِه وسِماته، وأبرز استنتاجاتِه وتوصياته. وأوضح أنّ دواعي تخصيص هذا التقرير للبحث العلمي وأنشطة التكنولوجيا والابتكار في الدول العربية، مُرتبطة بصورة أساسيّة، من جهة، بما حفلت به في السنوات القليلة الفائتة أنشطة البحث العلمي والابتكار من تطوّرات عميقة واكتشافات مذهلة على الصعيد العالمي، ومن جهة ثانية، بافتقار المكتبة العربية إلى تقرير متكامل يعرِضُ واقعَها الحالي في وطننا العربي، ويُبرز تحدّياتِها، ويستشرف آفاقَها ومآلاتِها.
ولفت العويط إلى أنّ المؤسّسة لا تدّعي احتكار المبادرة إلى دراسة واقع البحث العلمي في الوطن العربي، فقد وُضِعَتْ في ما مضى مجموعة من التقارير لتشخيص أوضاع منظومات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار في الدول العربية، والسعيِ للنهوض بها. وأكّد على الحاجة بصورةٍ دورية إلى إصدار تقاريرَ عربية تعالج قضايا البحث العلمي، نظراً إلى تطوّر مفاهيم البحوث العلمية وعلاقتِها بمختلف القطاعات، وقدرتِها على مجابهة التحدّيات التي تواجهها الدول.
وركّز العَويط على مجموعة الخصائص والمزايا التي يتّسمُ بها التقرير كي يلبي تطلعات مجتمعاتِنا ويعكس الخِدمات التي يطمح إلى تقديمها، وهي بأمسّ الحاجةِ إليها. ومن أبرزِ هذه الخصائص طابَعُه الشموليّ، وهو يتجلّى أوّلاً في فصولِه الخمسة التي تتناول: البحوث العلمية والتعليم العالي، رافعة الابتكار والتنمية؛ الثقافة والتوجّهات العلمية المُتاحة؛ الابتكار والتطوير التكنولوجي؛ آليات بناء اقتصاد المعرفة؛ البحوث في خدمة المجتمع. ويتجلّى ثانياً في تعدّد الموضوعات التي عالجَها كُتّاب التقرير في أوراقهم البحثية، وقد بلغَ عددُها خمساً وعشرين ورقة، امتدّت على أكثر من خمسمئة صفحة، وغطّت مختلف الجوانب المرتبطة بالبحث العلمي وأنشطة التكنولوجيا والابتكار. ويتجلّى ثالثاً في مداه الاستقصائي الجغرافي الذي لم يستثنِ أيّ بلدٍ عربي، في المشرقِ والمغرب. ويتجلّى رابعاً في جنسيّات المشاركين في تأليفِه، الذين يمثلون مختلف أنحاء الوطن العربي.
ولفت العويط إلى وفرة ما يشتمل عليه التقرير من موضوعات تمتاز بجدّتها، ومن بينها البحوث العلمية العربية في مَحاور العلوم الاجتماعية والإنسانية، والمبادئ الأخلاقية في البحث العلمي وصدقيّة أنشطتِه، والثقافة العلمية العربية، ودَور اللّغة العربية في قيامِ مجتمعٍ معرفيٍّ عربي، والعِلمُ المفتوح والمشاع الإبداعي، والمردود التنموي لمنظومة البحث والابتكار، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وأنماط التعاون العربي والأوروبي، والمرأة وعلوم التكنولوجيا وإنتاج المعارف، والإعلام والنشر العلمي، وغيرُها من الموضوعات الجديدة التي لم تتطرّق إليها الإصدارات العربية ذات الصلة، أو قلّما حظيت فيها بالمكانة التي تستحقّها.
وأكّد العويط أنه من أبرزِ مزايا التقرير الموقع المحوري الذي تحتلّه الأهداف التنموية المرسومة لتلبية حاجات الدول العربية. ولفت إلى أنّ التقرير يستجيب في توجّهه هذا للمبادرة التي أَطلَقَتها منظّمة الأمم المتّحدة في مطلع العام 2016 لتحقيقِ خطّة التنمية المُستدامة 2030، كما أنّه يشدّد على ضرورة أن تكونَ هذه التنمية المُستدامة أيضاً شاملة، بكلّ ما لهذه الصفة من أبعاد، داعياً الدول العربية إلى اعتمادِ آليّات عملٍ ملائمة وفعّالة لربط البحث العلمي والتطوير التكنولوجي بأولويّات هذه التنمية.
كما أوضح العَويط أنّ هذا التقرير يمثّل محاولة لتحليل أداء البلدان العربية في سعيِها لتكوين منظومات وطنية ناشطة ضمن مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، على ضوء أهداف التنمية المستدامة.
وخلص إلى الاستنتاجات والتوصيات التي توصّل إليها التقرير وتحديد آليات تنفيذها، وذلك بالعودة إلى تجارب دولٍ متقدّمة ونامية أجرَت مراجعاتٍ شاملة لمنظومات العلوم والتكنولوجيا القائمة لديها، أبرزها ما يتّصل بتعزيز مساهمات الحكومات المركزية وبلوغ مستويات أرفع وأوثق من التعاون مع القطاع الخاصّ، وضرورةَ تنمية القدرات العلمية والتكنولوجية وتحفيز الابتكار على الصُعُد المحلية، وضمن تخصّصات محدّدة، وبذل عناية فائقة بالتعليم والتربية في جميع مراحلهما. وتبنّي أساليب مبتكرَة للتعاون العربي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، ترتكز على أسس متينة من السياسات والتشريعات، وتولّد مبادرات خلّاقة تسمح للمؤسّسات العربية بالاستفادة من العلميّين والمبتكرين العرب في بلدان الانتشار.