نظم جناح الشارقة المشارك في “معرض باريس للكتاب” ضمن سلسلة فعاليات اختيار الإمارة ضيفاً مميزاً على المعرض، مساء أمس الأول (السبت)، جلسة نقاشية بعنوان “مواكبات إعلامية” شارك فيها كلٌ من: محمد إبراهيم الحمادي، رئيس تحرير جريدة “الاتحاد”، ورائد البرقاوي، رئيس التحرير التنفيذي في صحيفة الخليج، وكريستيان شينو، كبير مراسلي مؤسسة “فرانس راديو”، وأوليس غوسيه، مدير القسم الدولي في تلفزيون “بي أف أم” الفرنسي.
وتناولت الجلسة دور الإعلام وتأثيره فيما يشهده العالم اليوم من مواجهة مع الجماعات الإرهابية في مختلف بلدان العالم، حيث طرح مدير الجلسة الإعلامي مصطفى الزرعوني، سلسلة من التساؤلات حول ما يمكن أن يقدمه الإعلام، وجهود المؤسسات الصحفية في رفع وعي المجتمعات بخطورة الأفكار الظلامية، والهدامة، فاستهل الندوة بسؤال وجهه إلى الإعلامي الفرنسي كريستيان شينو، قال فيه: ما دور الإعلام في تحييد الأفكار المتطرفة؟
وأجاب سينو : “برهنت أحداث السنوات الأخيرة أن الإعلام وجد صعوبة في إنتاج خطاب مضاد، خصوصاً مع معضلات مثل التشدّد الديني، وانتماء شباب فرنسيين إلى تنظيمات إرهابية أو عودتهم من مناطق القتال، وهو سؤال كبير ليس فقط على الإعلام، وإنما على كل المجتمع الفرنسي”.
وأضاف: “هذا السؤال يخفي سؤالاً آخر: أين الخلل؟ كيف يذهب الفرنسيون إلى ما بعد الحقوق الحمراء؟، حيث تظهر المسألة أكثر تعقيداً ولا نملك حتى اليوم -رغم حجم ما يحصل- عليها إجابات حاسمة.
من جهته، تحدّث محمد الحمادي حول واقع الإعلام اليوم في ظل متغيّرات السنوات الأخيرة، بقوله: “من المثير أننا نتكلم عن موضوع الإرهاب في فرنسا, فالإرهاب لم يعد له دين أو مكان، وإنما أصبح كالمارد الذي انطلق ويريد أن يرعب كل العالم”.
وأضاف: “بات الإرهاب يعرف كيف يستخدم الإعلام، ويعرف كيف يغنّي على وتر الحريات، وهو ما نلاحظه حين نرى أن الجماعات المتطرفة قد استعملت كل ما هو متاح على مستوى الإعلام، حيث صاروا يحضرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقبلها عبر التلفزيونات الفضائية، وقبل ذلك من خلال أشرطة (الكاسيت)”.
واعتبر الحمادي أن تعدد منافذ الجهات المتطرفة والإرهابية، يفرض على الإعلام البقاء على وعي ويقظة، لافتاً إلى أن الإعلام المضاد لهذه الأفكار لم يكن واعيا بهذه الأمور سابقاً، وتزايد الأمر حين وجدت شخصية مثل أسامة بن لادن منصّة مجانية لها من خلال (قناة الجزيرة)، بحجة تقديم الرأي والرأي الآخر.
من جهته قال رائد برقاوي: “الإعلام جزء من مؤسسات المجتمع المدني، وهو يعبّر عن المجتمع برمته، فلا يمكن الحديث عن إعلام مقسّم بين يمين ويسار، ومع وضد السلطة، إذ حين يكون الجميع أمام خطر جسيم، فالجميع مدعو أن يكون واعياً لما يمكن أن يصيب المجتمع ويمسّ سلامته”.
وأضاف برقاوي: “في هذا الوضع يختلف مفهوم الحرية، حيث يصبح من اللازم علينا الحديث عن حرية مسؤولة، إذ أحياناً يحدث اصطدام بين أداء إعلام عربي وآخر غربي يطالب بأكثر من الحريات. لكن في الغالب هناك مصالح عامة تفرض شكلاً موحداً في التعامل مع الأحداث”.
وفي رده على سؤال وجهه الزرعوني لأوليس غوسيه حول إمكانية أن يبث تسجيلاً للبغدادي على قناته الإعلامية، قال غوسية: “الإعلام والإرهاب من أبرز المحاور التي شغلت التفكير في القرن الجديد، ودائماً كان العالم يعيش في حروب وأزمات غير أن ما تغيّر اليوم هو الإعلام المعاصر، والذي لم يعد كما كان، حيث وجد نفسه وقد تجاوزته أشكال أخرى أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذا الوضع أصبح الإعلام نفسه أسلحة في أيدي الإرهابيين، وهؤلاء يعرفون أثره في الناس ويستعملونه. ومن هنا، فإننا في “بي أف أم” لدينا سياسة حذر عُليا حين نمرّر أي فيديو، حيث نفكّر بشكل جماعي في المضامين التي يريد تمريرها من خلالنا”.
واستشهد غوسيه بعبارة المفكر الفرنسي الراحل ريمون أرون حين قال: “الإرهاب لا يريد أن يقتل كثيرين وإنما يريد أن يعرف الناس ما اقترفه من جرائم”. وأضاف: “ليس الإعلام وحده أمام هذا التحدي بل أيضا مجتمعات بأسرها، فنحن في فرنسا بالذات واجهنا هذه الصدمة، ومن المهم أن نفكر مع زملائنا من العالم العربي وفضاءات أخرى من العالم”.
وفي المحور الثاني من الجلسة النقاشية، قال كريسيتان شينو: “اليوم، أصبح لأي كان إمكانية أن يكون صحافيا وهو ما يخلق تحدّيا كبيراً للصحافي التقليدية، غير أنني أعتقد أن الظروف قد دفعت نحو العودة إلى هذا النوع من الصحافة باعتباره ضمانة أمام طوفان غير مراقب على وسائل التواصل الاجتماعي، والتحدي في ظل ذلك هو الحذر من تحول الصحافي إلى ساعي بريد للإرهابيين”.
وفي رده على سؤال إن كان من الضروري وضع تشريعات جديدة للإعلام في تعامله مع الإرهاب؟ قال: “في فرنسا، يوجد نوع من التنظيم الداخلي في المؤسسات الإعلامية، وهناك تفاهم فيما بينها، من نوع عدم البث أو حذف الأسماء، أو قص بعض الصور”، محذّراً من الطرف النقيض في هذه المعادلة، بالقول: “إذا كنا رسميين جداً، سيكون هناك إشكال آخر يتمثّل في نفور المتابعين وذهابهم إلى شبكات التواصل الاجتماعي حيث يجدون كل شيء، وبذلك نكون تركنا مساحة كبيرة للتأثير يستغلها الإرهابيون”.
من جانبه تساءل الحمادي : “في زمن بات فيه الجميع صحفيين وإعلاميين، هل يتحلى الجميع بالمسؤولية في نشر المعلومة والتدقيق في الخبر قبل نشره؟”. وتابع: “المفارقة أن الإعلام العادي يواجه تحدياً بوجود الإعلام الرقمي، فعليه أن يظل منضبطاً وخاضعا للتشريعات وأعراف المجتمع وهي أمور لا يراعيها الشكل البديل من الإعلام”.
وأضاف: “الإرهاب ليس مشكلة عربية أو إسلامية فقط، بل هو وحش كاسر يريد أن يرعب الجميع، وأن المسألة لا يمكن طرحها فقط على مستوى الإعلام، فهذا الأخير له دور مكمّل لأدوار مؤسسات المجتمع كلها ومنها الحكومات”.
واعتبر رائد برقاوي أن الإعلام في العالم العربي وحتى في العالم بشكل عام، عليه أن يبدأ بتغيير نخبويته، وينزل إلى الشرائح الحاضنة لفكر الإرهاب أو تلك التي يمكن استغلالها، من خلال الاقتراب منها والتفاعل معها ومعرفة ما تحتاجه وما تنتظره.
وقال: “الأجيال الجديدة الآن تغادر مرحلة الطفولة مبكراً عما تعودنا، بفعل التقنيات واتساع مساحة الوعي، وبالتالي من نتصور من أبنائنا أن وعيهم قاصر عن فهم الرسائل الإعلامية أصبحوا مهيئين لتلقيها من وسائط أخرى، أي أننا نتركهم فريسة لأفكار متطرفة تتسلل إليهم بين الألعاب والصور الجاذبة ثم نفاجأ بأن منهم من يميل للإرهاب أو يكاد”.
وأضاف برقاوي: “نحتاج دراسة جديدة للفئات التي نخاطبها وأدوات الخطاب حتى لا نصحوا على كوارث بين الجيل الجديد. نحتاج أيضاً إلى حالة من التكامل أو التعاون في المعالجات الإعلامية، سواء على مستوى البلد الواحد أو الإقليم أو حتى العالم”.
واختتمت الجلسة بكلمة لأوليس غوسيه، رد فيها على تساؤل الزرعوني الذي أشار إلى قضية اتهام فرنسا برعاية التطرف والإرهاب بحجة الحرية، قائلاً: “سواء التنوير أو الظلامية كلاهما يمكن أن يمرّ عبر الإعلام. وباريس هي مدينة النور، وستبقى كذلك، لأنها تقبل النقد ضدّها وهي ليست فوق النقد، ووسائل الإعلام تقع في الخط الأول من هذا النقد”، معتبراً أن هذا الوضع يزيد من مسؤولية وسائل الإعلام، كقنوات للمعلومة أولاً، وأيضاً للتوعية.