بقلم : نبيل الكثيري
أستيقظ المحاسب الشاب أحمد الموظف بالشركة الدولية للإستيراد والتصدير بتمام السابعة من صباح يوم الجمعة على صوت المنبه وبينما كان ينهض من سريره راح يتذكر الليلة السابقة التي قضاها في بيت عمه والد خطيبته، ولكنه ترك كل ذلك وراه وهو يذهب نحو الحمام.
بعد أن أستحم أحمد وتوضى بالماء الدافي في حمامه الخاص بالفيلا التي تملكها الأسرة في منطقة الخالدية في ابوظبي والتي تضم والديه وأخوانه الثلاثة عبدالرحمن وراشد وعبدالعزيز وأخته الوحيدة حمدة طالبة الثانوية عاد إلى الغرفة ولبس ثيابه ثم صلى صلاة الفجر.
نزل أحمد إلى الطابق الأرضي للفيلا وأتجه بسرعة نحو غرفة الطعام ثم جلس ونادى على الشغالة والتي حضرت مسرعة وما أن رأته حتى أصفر وجهها ولم تتفوه بكلمة ولم تتحرك من مكانهاً.
نظر اليها لعدة ثوان وهي واقفة لا تتحرك ثم قال لها “ما بك يا سارة هل أنتِ مريضة اليوم؟
” لا بابا أنا تمام الحمد لله بس أنت ما في معلوم اليوم جم………..”.
قاطعها أحمد قائلاً لها “بما إنك على ما يرام اسرعي وأحضري الريوق حتى لا أتأخر على عملي، هيا تحركي، لماذا أراكي ساكنة ومترددة، هيا تحركي قبل أن أغضب منك” هيا أيتها الكسولة تحركي.
أنطلقت الشغالة تركض ناحية المطبخ وهي تتمتم بلغتها الاندونيسية ثم عادت بعد عدة دقائق ووضعت صينية الفطار على الطاولة وهي تقول” تفضل بابا بس أنا يريد قول اليوم جم…….”.
قاطعها أحمد مرة أخرى قائلاً لها “سارة، سارة ليس الأن، بعدين، بعدين، إذا كنت تريدين شيئاً مني فأجلي ذلك لحين عودتي من العمل بعد الظهر، والأن دعيني أفطر بسلام.
أنصرفت سارة وهي تقول لنفسها “بابا اليوم مخ خربان، خلي ولي أنا يريد خبر هو، بس هو قول بعدين، بعدين، مسكين بابا ممكن هذا مدام مال هو سوي مخ مال هو خراب على طول.
بعد أن أنتهى من تناول وجبة الإفطار شرب أحمد قليلاً من الشاي ثم غادر الفيلا وهو مندهش لأن أحد من أخوته لم يصحى حتى الأن ليذهبوا إلى كلياتهم ومدارسهم.
لكنه لم يهتم كثيراً بذلك لأنه لا يريد التأخر عن عمله وهو يعلم ما هو مدى زحمة السير التي سيلاقيها بعد قليل.
أنطلق أحمد بسيارته الكورولا الصغيرة، وبعد أن تجاوز الإشارة الأولى والثانية بشارع الشيخ زايد الثاني متجهاً نحو مقر الشركة الرئيسي في شارع الميناء أندهش بسبب إنسيابية غير عادية لحركة المرور كما لاحظ قلة عدد السيارات في الشارع، ولكنه لم يهتم لذلك وعادت به الذاكرة رويداً رويداً لليلة الماضية حيث بدأ والد خطيبته بوضع الشروط التعجيزية، ومثل كل مرة كان يؤجل موعد حفل الزفاف والدخلة لكي يزيد من طلباته متعللاً بزيادة الأسعار مرة وبسبب الأزمة المالية العالمية مرة أخرى وبسبب ازدياد أسعار البترول مرة ثالثة، وبسبب الضريبة المضافة مؤخرا.
قال أحمد لنفسه “هذا الرجل الأناني كل مرة يخسر عدة ألاف في البورصة يريد أن يعوضها على حسابي أنا فمرة يريد مضاعفة المهر ومرة يريدني أن أشتري سيارة مرسيدس تليق بمقام إبنته، والطامة الكبرى هي أنه يريدني أن أستأجر فيلا وليس شقة لنعيش فيها أنا ونادية قبل أن الديوان بيت شعبي خاص بنا، هو بكل تأكيد يريد أن يدمر حياتي، ولكنني يجب أن افشل هذه الخطوبة المنحوسة باي طريقة، لولا والدتي وزعلها لكنت انتهيت منها منذ زمن.
وصل أحمد إلى مقر الشركة وهو يحمد الله ويشكره كثيراً على سلامته ونجاته حيث كاد قبل دقائق فقط أن يتسبب بحادث كبير عندما كان على وشك تجاوز إحدى الإشارات الحمراء، ولكن ألله نجاه لأنه أفاق من سرحانه وتوقف بالوقت المناسب.
أوقف أحمد سيارته أمام برج السحاب حيث مقر الشركة التي يعمل بها وترجل منها وتوجه نحو المدخل الرئيسي ولكنه توقف بمنتصف الطريق بعد أن لأحظ بأن المواقف تكاد تكون خالية إلا من بضع سيارات متفرقة هنا وهناك.
واصل أحمد سيره وهو يقول لنفسه “الساعة تكاد تصل للثامنة والنصف والمواقف خالية، هذا شيء غريب جداً مع أنه في هذا الوقت من الصعب أن أجد موقف بسهولة ولكن ما عليا من ذلك المهم أنني وجدت موقف.
دخل بهو البرج وأندهش عندما لم يجد الحرس ولكنه تقدم ودخل المصعد الذي أوصله للطابق التاسع وخرج منه وما أن وصل إلى باب الشركة حاول دفعه للأمام ولكنه وجده مغلقاً.
أزداد إندهاشه فحاول أن يرى إن كان أحداً في الداخل ولكنه لم يرى أحد من الباب الزجاجي وعندها نظر لساعة يده فوجدها الثامنة والنصف فراح يحدث نفسه بصوت عال جداً هذه المرة قائلاً “ما هذا الذي يحصل هنا؟ وأين فراش المكتب الذي من المفروض أن يكون هنا منذ نصف ساعة على الأقل؟.
ضغط أحمد على جرس المكتب ولكن دون فائدة وعندها أخرج هاتفه المحمول من جيبه وأتصل بصديقه راشد الذي يعمل معه في نفس الشركة بقسم العلاقات العامة، بعد أن رن الهاتف مطولاً ولم يتلقى إجابة أراد أن ينصرف ولكنه قرر المحاولة مرة أخرى وأصابت محاولته هذه المرة ورد صديقه راشد قائلاً له “صباح الخير يا أحمد، هل أنت مريض؟ لماذا تتصل في مثل هذا المبكر.
“صباح الخير يا صديقي ألا تزال نائماً والساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف والشركة مغلقة الأبواب وأنا لم أجد أحداً والفراش غير موجود، فهل أعطونا إجازة لسبب ما وأنا لا أعلم ذلك.
ضحك راشد في الطرف الأخر حتى أنه بكي من كثرة الضحك وأحمد ما زال مندهشاً تماماً من ضحك صديقه راشد على الطرف الأخر، وبعد أن توقف راشد عن الضحك قال له “صديقي العزيز هيا عد إلى المنزل وحاول أن تنام قليلاً وبعدها جهز نفسك لأنني سأمر عليك في الحادية عشر والنصف لكي نذهب لأداء صلاة الجمعة في مسجد الشيخ زايد رحمة أللة عليه حسب ما أتفقنا قبل يومين، ثم واصل الضحك.
ضحك أحمد قليلاً من هول المفاجأة وبعدها أكفهر وجهه وقال لنفسه “كل هذه اللخبطة التي تحصل في حياتي بسبب ذلك الوغد الطماع الذي يريد أن يأكلني حياً ولكن ذلك لن يحصل أبداً، واليوم سأنتهي من اي التزام تجاه ابنته مع علمي بأنه ليس لها ذنب.
غادر أحمد الشركة وهو يقول لنفسه “كل همي ألا تزعل مني والدتي التي ستغضب مني كثيراً لأنها هي التي أختارتها لي من البداية بسبب صداقتها مع والدتها ولكن لا مفر من ذلك حتى أنجو بحياتي من المصير المظلم الذي كدت أن أدخل فيه وغداً صباحاً انشاء الله سأذهب بنفسي للبنك وسألغي طلب القرض الذي تقدمت به بالأمس قبل أن تأتي الموافقة عليه.
بعد دخوله غرفته توضى وصلى ركعتين شكر لله لأنه نجاه من المصير الذي وقع في الكثيرون من الشباب بسبب المغالأة في المهور وحفلات الزواج والسيارات وديون البنوك وكانت نهايتهم السجون ونوى امرا في نفسه سينفذه ان اراد الله.