بقلم: محمد عبدالمجيد – (مصر)
نستقبل اليوم العام الجديد.. عام 2018.. «عام زايد»، بكل الحب والتفاؤل والعمل بالمزيد من الحرص على تعزيز اللحمة الوطنية والتلاحم الوطني والالتفاف حول القيادة وإعلاء شأن الوطن ورفع رايته عالياً في ساحات الشرف ومنصات التتويج بالمزيد من المنجزات والمكتسبات، هكذا علمنا القائد المؤسس المغفور له باذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. وتلك كانت غاية قائد مسيرة الخير صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عندما أمر بأن يكون عامنا الجديد،« عام زايد» لنحتفي بمئوية قائد حكيم شهد لحكمته الكون، وفي كل يوم يستشعر المرء ويستحضر قبسات من تلك الحكمة والرؤى التي جعلت خلال أقل من خمسة عقود هذا الوطن دولة عصرية بكل المقاييس وشعبها من أسعد شعوب الأرض. رؤية رسمت للإمارات نهجا هو للخير عنوان، حملت مع ذلك النهج رسالة التزام بنشر الخير والحب والعطاء في كل مكان، ولإسعاد الإنسان أينما كان من دون تفرقة أو تمييز بسبب لون أو عرق أو معتقد.
حيث رسخ المغفور له بأذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان اللبنة الأولى لنهج سياسة الدولة الخارجية، حيث أكد أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات تستهدف نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق والمثل الدولية.
وكرّس على مدار أكثر من ثلاثة عقود كل جهوده من أجل تحقيق الوفاق بين الأشقاء، وحل الخلافات العربية بالتفاهم والتسامح، وقد تحلت مواقفه بالحكمة والصراحة والشجاعة والوقوف بصلابة إلى جانب الحق والعدل والتسامح من أجل إرساء القيم الإنسانية في العلاقات الدولية.
وتتبنى دولة الإمارات منذ تأسيسها سياسة خارجية ناجحة ونشطة قوامها التوازن والاعتدال؛ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وذلك من منطلق إدراك القيادة الرشيدة أن للدولة موقعاً مسؤولاً على الصعد العربية والإقليمية والدولية كافة.
وتقوم ركائز السياسة الخارجية للدولة على مبادئ العدالة والمساواة ومراعاة حقوق الإنسان، كما أن دولة الإمارات قد عقدت العزم على إحداث فرق إيجابي على الصعيد العالمي من خلال العمل البناء لدعم تنفيذ مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأممية.
وعلى صعيد علاقة الدولة بأشقائها ..واصلت الدبلوماسية الإماراتية التعبير عن مواقف الدولة التاريخية القائمة على دعم قضايا الدول العربية الشقيقة والوقوف معهم ودفع الظلم عنهم وسطرت في سبيل ذلك أروع البطولات، وجادت بكوكبة من شهدائها البواسل الذين سطروا الأمجاد والملاحم بدمائهم الغالية.
وعملت دولة الإمارات مع أشقائها سواء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية أم جامعة الدول العربية، أو المجموعات الدولية الأخرى على مساندة كل المساعي؛ والجهود الدبلوماسية الممكنة من أجل احتواء بؤر التوتر والصراعات في منطقة الشرق الأوسط وسط مبدأ التأكيد على ضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية، والعمل على تعزيز تدابير بناء الثقة القائمة على أساس احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وذلك انطلاقاً من إدراكها لمسؤوليتها في العمل من أجل الحفاظ على متطلبات الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي.
وأرسى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نهج العطاء الإنساني لدولة الإمارات وواصلت الدولة نهجها الإنساني في تقديم المساعدات التنموية والإنسانية والخيرية لمختلف مناطق العالم وشعوبها وتبرهن لغة الأرقام على الدور الإنساني الإماراتي منذ عام 1971 حتى عام 2015، حيث قدمت دولة الإمارات أكثر من 174 مليار درهم توزعت على 178 دولة استفادت من مشروعات الجهات المانحة الإماراتية وبرامجها بدعم واهتمام من القيادة الرشيدة وبسخاء من الإنسان الإماراتي الأصيل، ولذا حازت الإمارات على المرتبة الأولى عالمياً في حجم المساعدات الإنمائية الرسمية مقارنة بالدخل القومي الإجمالي لعدة أعوام متتالية.
وضمن مشاركة الدولة في جلسات “قمة أهداف التنمية المستدامة 2015” بنيويورك على هامش الاجتماع السبعين للجمعية العمومية العادية للأمم المتحدة تعهدت الإمارات رسمياً “بعدم تجاهل أي دولة تتخلف عن مسيرة التنمية وبمساعدة العالم للانتقال إلى مسار يدعم الاستدامة والمرونة”، وذلك في إطار جهودها الحثيثة نحو تنفيذ “الأهداف الإنمائية للألفية” وتحقيق مستهدفات خطة التنمية 2030 للأمم المتحدة.
وفي مجال مكافحة الإرهاب والتطرف..حرصت دولة الإمارات على سن القوانين التي تحاصر الإرهاب ومسبباته مثل “قانون مكافحة التمييز والكراهية” والقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2013 لإنشاء مركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، إضافة إلى إصدار مرسوم بقانون يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية وتجريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين، أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل.
كما عملت على تبني العديد من المبادرات المعنية بالاتصالات الاستراتيجية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ولعل أبرزها مركز صواب وهو مبادرة بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية للعمل على تسخير وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت من أجل تصويب الأفكار الخاطئة، وإتاحة مجال أوسع لإسماع الأصوات المعتدلة والذي يأتي ضمن إطار تعزيز جهود التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
وارتبطت الإنجازات الدبلوماسية للدولة على الدوام بسعادة المواطن بما يتسق مع رؤية المغفور له الشيخ زايد، فكان أحد أبرز هذه الإنجازات توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي في مايو 2015 بمجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل على اتفاقية ثنائية يعفى بموجبها مواطنو الدولة من تأشيرة “الشنغن” حيث كانت هذه الاتفاقية البداية لسلسلة من الاتفاقيات التي مكنت أبناء الدولة من الدخول إلى نحو 138 دولة حول العالم دون تأشيرة مسبقة.
وينطوي هذا الإنجاز على الكثير من المعاني والدلالات المهمة منها قوة دولة الإمارات على الساحة الدولية والصورة الإيجابية للمواطنين الإماراتيين في الخارج باعتبارهم يعبرون عن نموذج الإمارات في الانفتاح والتعايش المشترك والاندماج مع الثقافات والحضارات المختلفة لدول العالم.
وأطلقت وزارة الخارجية والتعاون الدولي مؤخراً مبادرة قوة جواز السفر الإماراتي بهدف وضع الجواز ضمن قائمة أقوى خمسة جوازات سفر في العالم بحلول عام 2021 بناء على توجيهات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي.
وحقق جواز السفر الإماراتي قفزة نوعية خلال العام 2017 ليحل في المرتبة الأولى عربيا والمرتبة الـ 22 عالميا من حيث القوة حسب التصنيف العالمي لعام 2017.
ويعكس هذا الإنجاز الكبير مدى نجاح الدبلوماسية الإماراتية خلال الفترة الماضية في تنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة إلى الانفتاح على جميع دول العالم كما يأتي نتاجا لجهود الدبلوماسية الإماراتية في إقامة علاقات وشراكات استراتيجية سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وتربوية وصحية ما يسهم في تعزيز مكانة الدولة في المجتمع الدولي.
وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي أن رؤية دولة الإمارات 2021 التي تهدف لأن تكون الدولة ضمن أفضل دول العالم بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد حفزت الوزارة على السعي نحو تعزيز مكانة الإمارات في الساحة الدولية، فارتأت أن تطلق مبادرة قوة الجواز الإماراتي لتمكن المواطن من دخول دول العالم دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة ما يزيد من سعادته.
واتساقاً مع رؤية الدولة الاستشرافية للمستقبل ..تعمل دولة الإمارات على بناء كادر وطني متخصص في مجالات العمل الدبلوماسي بطريقة علمية بحثية متطورة وبأسلوب التدريب التنفيذي، وبما يمكن الدولة من الاستمرار في توطيد وشائج العلاقات الإيجابية والمثمرة مع دول العالم.
وجاء تأسيس أكاديمية الإمارات الدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف وبشكل يجسد توجهات القيادة الرشيدة، وإيمانها بأن السياسة الخارجية هي جزء أصيل يسهم في رسم ملامح المستقبل وتعزيز مكانة دولة الإمارات على الساحة الدولية، حيث تعمل الأكاديمية على ترسيخ معايير جديدة قائمة على القراءة الدقيقة للواقع والاستشراف العلمي للمستقبل بما يلبي تطلعات الدبلوماسية الإماراتية، ويمكنها من مواصلة مسيرة الإنجازات على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
وتسعى الأكاديمية لتعزيز ركائز الدبلوماسية الإماراتية المبنية على أسس ونماذج علمية شاملة من خلال رفدها بالبحوث العلمية والدراسات الأكاديمية والتدريب التنفيذي؛ بما يضع بين يدي صانعي القرار الأدوات والمعايير التي تحقق الأثر الفعال في حاضر الوطن ومستقبله.
والمتتبع لمسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه لا يسعه سوى الإعجاب ببصيرة وشخصية ذلك القائد صاحب الإنجازات في شتى مناحي الحياة. فهو من رسخ مفهوم التسامح وحسن التعامل مع الثقافات المختلفة، وهو الذي أطلق مبدأ التوازن بين الجنسين، ومنح المرأة الإماراتية الفرصة لتشارك الرجل في مسيرة التنمية، وهو من حوّل البيئة الصحراوية لبيئة زراعية، وهو من وضع التشريعات لحماية البيئة بشكل عام، وهو من اهتم بالتعليم كأساس لبناء الدولة، وهو من وضع حجر الأساس للحياة النيابية، وقام بالتركيز على بناء جيش قوي يحمي تراب الدولة وغيرها من الإنجازات.
والخلاصة، أن ما صنعه «زايد الخير» لمواطني الإمارات والامة العربية والاسلامية لا يسعه عام لتكريمه وتخليده، ولذلك على كل مواطن غيور على تراب الإمارات أن يضع نصب عينيه يومياً ذكرى «زايد الخير» ليبقى دائماً في قلوبنا ما حيينا متلمسين خطاه محافظين على عهد الولاء ومستمرين في مسيرة البناء والتطور لتبقى راية الإمارات خفاقة في الآفاق.