بعد فترة غياب ليست بالطويلة، أعود اليوم بمقالة جديدة تحكي قصة شعب صامد وقوي، يحب وطنه لأبعد الحدود، بل ويزداد كل يوم عزيمة واصرارا ليعيش حياة أفضل قدر المستطاع، بالرغم من ما يعانيه من ظروف أكثر من سيئة على كافة الأصعدة. ها انا اليوم اكسر حاجز الخوف بداخلي واقرر ان اكتب مقالتي عن وطني الغالي الحبيب “سيناء” بصفتي كاتبة من أرض الفيروز الحبيبة، وتحديدا من من مدينة العريش الباسلة أرض الأنبياء والشهداء والبطولات. لن اتطرق اليوم الى تاريخ سيناء، وبطولات وانتصارات ابطالها وشعبها العظيم، لاننا جميعا نعي الثمن الذي ندفعه نحن أبناء سيناء لنواجه الإرهاب الغاشم، فذلك الثمن هو ليس ثمنا رهين الصدفة ، او رهين بضعة شهور او سنين ، بل نحن ندفع ثمن السلام المحلي منذ عقود كثيرة، لنكون أول من يتلقى الضربات في عقر دارنا وفي كبد أسرنا وشبابنا، فليس الأمر وليد اليوم أو الأمس. فنحن شعب لا يهاب المواجهة، ولا نقبل الخسارة مهما كلفنا الأمر من عناء، وبالفعل كان ذلك الثمن غاليا جدا وهو أرواح زهقت بلا ذنب أو سبب. بعد حادث “مسجد الروضة” الدامي لم أستطع ان أمنع كلماتي الفقيرة من الخروج والتعبير عن كمية الألم التي بداخل كل بيت على أرض سيناء الحبيبة، تلك العروس التي طالما تزينت وعرفت بظهورها في أروع حلة على مدار العام، صيفها وجوها الرائع الذي لا مثيل له في العالم بشهادة الخبراء والمحللين والمسؤولين، وشتاءها الدافئ الذي رغم برودته يداعب أحاسيس كل من يقطنها ويكأنها تطلب منه أن لا يغادرها، وان غادر فلن يستطيع الابتعاد كثيرا وسيعود يوما ما، بنخيلها العالي – بحرها الذي لا مثيل له في زرقته ونقائه الأخاذ، اعذروني فلو بدأت بوصف سيناء فلن انتهي ولن تسعني صفحات مقالتي على ذلك ، لانها في الحقيقة جنة الله على الأرض . وهذه الجنة أصابها ما لم يكن في الحسبان، مئات من شبابها ذهبت أرواحهم سدا لنعيش نحن، وما كان منا سوى وضع شريطة سوداء أعلى قنوات التلفزيون وتسليم بضعة جنيهات مقابل أرواح طيبة ليس لها أي ذنب الا أنها أصرت على ان تصلي الصلاة في وقتها يوم الجمعة، ويعقب الصلاة جلسة طويلة مع الأهل ونقاشات طويلة لا نهاية لها، فيوم الجمعة في مدن سيناء هو يوم يكاد يكون يوما مقدسا، تجتمع فيه الأسرة ليشربوا القهوة او الشاي على الحطب السيناوي ذا الطعم الرائع. لنتبادل الأحاديث والأخبار، ثم نذهب لنقوم ببعض الزيارات العائلية التي لها نصيب الأسد هنا في سيناء، فنحن كقبائل سيناوية تقطن هذه الأرض العظيمة نعرف بعضنا البعض جيدا، ودائما نبادر بالمساعدة وقت الحزن قبل الفرح، هؤلاء الشهداء لم يمهلهم عمرهم تلك اللحظات، فتوفتهم المنية على يد الارهاب الغاشم دون اي ذنب يذكر.
أطفال رحلوا عن هذا العالم ودموعهم بللت أكفانهم , ويكأنها تغسل جسدهم الطاهر قبل أن تفارقه تلك الروح ذاهبة الى خالقها , فنعم , هم اليوم في مكان أفضل من هنا بكثير , مئات النساء أصبحن أرامل , مئات الأطفال فقدوا ذويهم جراء هذا الحادث الدامي، كل بيت في سيناء فقد أحد أركانه الهامة رافضا التصديق ان كل ما حدث قد حدث في بيت الله الطاهر. هنا في سيناء نعتبر أنفسنا منعزلين عن بقية المدن والمحافظات المصرية، على الرغم اننا من ندفع الثمن لتعيش هذه الارض في سلام، لقد سئمنا من هذا الوضع الدامي الذي لا نهاية له، وسئم أهل العريش من شح الاهتمام , بل العكس , فكل ما نتقاضاه مقابل رضانا وتكيفنا مع هذه الظروف الصعبة والتي لا يتحملها بشرا ايا من كان هو الإهمال في كل النواحي وعلى كافة الأصعدة، أي معاناة هذه التي نعيشها، لا شبكة اتصالات ولا خدمات ولا مقارنة لنا بأفقر المحافظات موارد على مستوى الجمهورية، وبالرغم من ان ارض سيناء تحمل في كبدها اغلى واثمن الثروات لكننا لا نقابلها سوى بالإهمال والقتل ، بل وبدلا من ان نسقي نخيلها الذي قد يصل عمر بعضه الى مئات السنين ، سقيناه بدماء سكانها حتى ارتوت الأرض وكادت تزهر ورودا تفوح عبيرا ومسكا كالذي كفنا به أجساد شهدائها قبل ان تصعد للرفيق الأعلى.
نحن نقف اليوم راجين من المولى ان يرحم شهدائنا ويتغمدهم فسيح جناته وان يلهمنا القدير الصبر والسلوان على ما حدث، كل عاد الى حياته، الشريطة السوداء قد ازيلت، عادت الاخبار لتبحث عن أخبار أكثر دسامة بل وطازجة عن ذلك الخبر القديم الذي أصبح عمره اربعة ايام، عاد الجميع لبيوتهم والوانهم، ومازلت صرخة أم الشهيد تعلوا السموات العلى، راجية المولى ان يلهمها الصبر على ما أصابها وراجية من الله ان تبعث روحها لتحتضن أبنها في الجنات العلى، تستغيث بخالقها و سيناء تستغيث.
بقلم: روان سالم – (مصر)