أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الإمارات وفرنسا حين وضعتا يداً في يد من أجل إنشاء متحف اللوفر أبوظبي، أرادتا أن ترسلا معاً رسالة عالمية لثقافة البلدين الثرية خاصة لوجود جسر قوي يربط البلدين الصديقين.
وعبر الرئيس الفرنسي عن إعجابه بالنموذج الذي باتت تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة في العالم اليوم، واصفاً إياها بنقطة التقاء العالمين الغربي والعربي وملتقى الشعوب والحضارات والصديق الأقرب لأوروبا، مؤكداً أن الإمارات نجحت وبشكل كبير في تحقيق توازن استراتيجي في علاقتها بالقارات الأوروبية والإفريقية والآسيوية.
وعبر في كلمة خلال الحفل عن اعتزازه بعلاقة الصداقة التي تربطه بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، واصفاً سموه بالأخ والصديق المقرب الذي يشكره بحرارة على دعوته له لحضور حفل افتتاح المتحف.
وأضاف موجهاً كلامه لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «اسمحوا لي يا صاحب السمو أن أقول لكم إن فرنسا ستكون دائماً إلى جانبكم في مواجهة كل التحديات وستساندكم في السراء والضراء وستؤازركم باستمرار».
وقال الرئيس الفرنسي إن ميلاد صرح ثقافي عالمي في العاصمة الإماراتية هو أكبر رد على أولئك الذين يريدون تدمير الإنسانية لأنه يمثل جسراً للجمال الفني الذي يوصل قارات العالم والأجيال البشرية ببعضها البعض، واصفاً المتحف الجديد بـ«الخيالي الذي يعرض أوجه الحضارة الإنسانية عبر عصور التاريخ».
وأضاف ماكرون «تستحضرني هناك شخصية روائي روسي معروف هو الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي وعبارته الجريئة (الجمال سينقذ العالم) التي تجسد جوهر فلسفته في الحياة، ونحن بالجمال والثقافة والحضارة يمكننا فعلاً إنقاذ العالم، الجمال هو قلب الثقافة وأساس التعليم ويتشخص في عدة أشكال وعدة تعابير وهو بحث مستمر، وهذا الجمال هو الذي يجمعنا في هذا المكان هنا في أبوظبي».
وأشاد ماكرون بحكمة السياسة الدولية لدولة الإمارات وحسن مواقفها وهي الموجودة في قلب منطقة ساخنة تشغل بال العالم بأسره، معبراً عن إعجابه بقدرة دولة الإمارات على تقديم نموذج فريد في العالم تعيش على أرضه ديانات وأصول وأجناس مختلفة.
وقال «إن الإمارات تقدم لنا اليوم قصة نجاح في مجالات عدة، فهي لم تنجح فقط فيما قلته، بل أيضاً نجحت أيضاً في مواجهة عدة تحديات بينها تحدي التغيرات المناخية التي تواجهنا». وأشاد الرئيس ماكرون بالعمل الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي مصمم متحف «اللوفر أبوظبي» جان نوفيل وفريقه من خلال تصميمه لمكان سيجمع العالم بأسره في أبوظبي، معبراً عن إعجابه بمدينة أبوظبي وطبيعتها الخلابة الجزرية.
ووصف الرئيس الفرنسي متحف اللوفر أبوظبي بالمدينة الأثرية المتكاملة لوجوده في جزيرة جميلة هي جزيرة السعديات، حيث يبدو المكان مغلقاً وهو في الواقع مفتوح من كل النواحي، موجهاً كلامه للمصمم الفرنسي قائلاً «لقد صممت عزيزي جان نوفيل هنا معبداً للجمال يضم تحفاً نادرة واستثنائية».
وعبر ماكرون عن سعادته وسعادة حكومته والشعب الفرنسي بميلاد هذا المشروع الثقافي والحضاري الكبير في الإمارات، مؤكداً أنه يعني الشيء الكثير لفرنسا كما لدولة الإمارات العربية المتحدة التي وصفها بالشريك الاستراتيجي، مشيداً في الوقت نفسه بالتعاون الطويل بين البلدين في المجالات كافة بينها الثقافة.
وجدد الرئيس الفرنسي دعمه لدولة الإمارات العربية المتحدة في كل خطواتها، مؤكداً وقوف بلاده إلى جانبها في كل قراراتها التي وصفها بالشجاعة. وأعلن ماكرون أن متحف اللوفر أبوظبي سيضم في معروضاته قطعاً نادرة تنتمي للحقبة العربية ومن العمارة الإسلامية وتنتمي لعدة مناطق وبلدان بينها دولة الإمارات والصين وفرنسا والمملكة المغربية، واصفاً ذلك بمفتاح الجمال العالمي.
وقال «هذا المتحف هو ثمرة تعاون بين بلدينا رأى النور لأول مرة عام 2007.. مشيداً بالعلاقات التاريخية التي تربط فرنسا والإمارات منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك».
وأبرز ماكرون أن متحف اللوفر أبوظبي هو أيضاً ثمرة رؤية حكيمة وثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، نهلها من حكمة ورؤية والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله. وأكد أن فرنسا والإمارات حين وضعتا يداً في يد من أجل إنشاء متحف اللوفر أبوظبي، أرادتا أن ترسلا معاً رسالة عالمية لثقافة البلدين الثرية خاصة لوجود جسر قوي يربط البلدين الصديقين.
إلى ذلك، قام ضيوف المتحف بجولة تفقدية شملت القاعات الداخلية التي تضم مجموعة واسعة من المقتنيات والتحف الفريدة من مختلف الحقب التاريخية التي مرت بها البشرية بدءاً من القطع الأثرية القديمة وصولاً إلى الأعمال المعاصرة المصممة خصيصاً للمتحف والتي تسلط الضوء على محاور وأفكار عالمية تعكس أوجه التشابه بين مختلف الثقافات والحضارات حول العالم.
وتضمنت جولة المتحف أقدم التحف والقطع الفنية منها قناع جنائزي برونزي ذهبي من شمال الصين 907-1152 ق م) وتمثالا حجرياً برأسين يبلغ عمره 8000 عام من دائرة الآثار العامة الأردنية ويسمى تمثال «عين غزال» و«نصل فأس» من متحف العين الوطني يعود تاريخه إلى 1600 ق م ) وتمثال لرمسيس الثاني فرعون مصر (1279-1213 قبل الميلاد) وتنين مجنح من شمال الصين 450-250 قبل الميلاد.
أما الأديان العالمية وطرق التجارة العالمية الناشئة فتمثلت بقطع وتحف فنية مثل كتاب مقدس قوطي في مجلدين (1250-1280) وأسد «ماري-تشا» من جنوب إسبانيا أو جنوب إيطاليا (1000-1200).
وتشمل مجموعة الأعمال المعارة من المتاحف الفرنسية لوحة «جميلة الحداد» للفنان العالمي ليوناردو دافينشي من متحف اللوفر و«صراع بين كروغاس وداموكسين (1797-1803) للفنان أنطونيو كانوفا ونابليون بونابرت القنصل الأول عابرا جبال الألب للفنان جاك لوي دافيد من المتحف الوطني لقصر فيرساي وتريانون. وتوضح هذه الأعمال وجهات النظر المتغيرة عن العالم والفن الحديث الذي ظهر في القرن الثامن عشر.
وتضمنت القطع الفنية المعروضة في المجموعات الحديثة والعصرية «أمير شاب أثناء الدراسة» للرسام التركي عثمان حمدي باي (1878) و«صورة ذاتية»لـفينسنت فان غوخ المستعارة من متحف أورسيه و«فتية يتصارعون» للرسام بول غوغان و«المشي رقم 2» وهي مجموعة من الصور فوتوغرافية لعرض من (1983) للفنان الإماراتي حسن شريف.
وتضمن الاحتفال عزفا لفرقة أوركسترا إنسولا الفرنسية شملت مقتطفات من أوبرا «أورفيوس ويوريديس» والتي ألفها الموسيقار الراحل كريستوف ويليبالد غلوك في سنة 1774 ورافق الأوركسترا عزف منفرد على العود والناي والقانون وتأسست أوركسترا إنسولا الفرنسية في سنة 2012 بدعم من الحكومة الفرنسية وتؤدي معزوفاتها خلال الفعاليات الفرنسية والعالمية الكبرى وتشمل أعمالها العصر الكلاسيكي وحتى العصر الرومانسي وبالتالي تركز على موسيقى «موتسارت» و«شوبرت» و«ويبر».
ويعد متحف اللوفر أبوظبي بهندسته المعمارية أول متحف من نوعه في العالم العربي، حيث يقدم منظوراً جديداً لتاريخ الفنون ويحتوي روائع المقتنيات التي تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى عصرنا الحاضر.
ويعد المتحف ثمرة للتعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا، ويجسد روح الانفتاح والحوار بين الثقافات بالنظر إلى ما يعرضه من مجموعة مختارة من الأعمال التي تتميز بأهميتها التاريخية وقيمتها الثقافية والفنية من مختلف الحقب التاريخية والحضارات البشرية.
يشار إلى أن المتحف صمم من قبل المعماري الشهير جان نوفيل الحائز على جائزة بريتزكر العالمية، مستلهماً ملامحه من تقاليد الثقافة المعمارية العربية وتبلغ المساحة الإجمالية التي يشغلها نحو 97 ألف متر مربع. ويضم المتحف إلى جانب قاعات للمعارض المؤقتة متحفاً للأطفال ومقهى ومطعماً ومتجراً ومركزاً للبحوث ويعلو قاعات العرض 17 سقفاً زجاجياً مصنوعة من 18 نوعاً مختلفاً من الألواح الزجاجية، فيما يبلغ إجمالي القطع الزجاجية المفردة أكثر من 25 ألف قطعة.
وتبلغ المساحات الداخلية للوفر أبوظبي حوالي 8600 متر مربع وتصل مساحة قاعات العرض إلى 6400 متر مربع وتظلل القبة الساحة الخارجية وأبنية المتحف وتحميها من حرارة الشمس، كما تسهم في توفير الراحة للزوار والحد من استهلاك الطاقة.