قاطع شرودي صوت والدي ذي الحجرجة المؤلمة وهو ينادي بي لتناول أدويتي فقد كنت ُ أعاني من بضع آلام ٍ في حنجرتي, أمسكت يد َ أبي وأجلسته إلى جانبي ووضعت وسادة أمي في حضنينا لنستشعر دفئها وقلت ُ له أتعلم يا أبي! أعلم بأنك كنت تحب ُّ أمي قدرا ً عظيما ً تشعر الآن في قلبك بأنه لم يكن بذلك المقدار الكبير الذي يمنعها من مغادرة الحياة تاركة ً إياك وحدك في منتصف الطريق, تُصارع الأسى والحزن محاولاً الثبّات والصمود رغم العاصفة التي تعتصر في جوفك, وأعلم كم تحاول جاهدا ً مواراة حزنك عنّي حتى لا أضعف بضعفك, أخبرتني أمي يوما ً أنك بكيت عندما علمت بقدومي ورؤيتك لي لأول مرّه وأوصتني بأن أرعاك َ جيّدا ً إذا ما رأيتك تغلق باب عينيك أمام دموعك لكي لا تسبب تلك الدموع الثمينة بإشعال نار الضعف واليأس في قلبي, أجبتها حينها بأنني آمل ُ بأن لا أرى أبي حزينا ً ذات يوم ٍ يا أمي فأنا لا أعلم إن كان لدي ّ من المقدرة حدّا ً أستطيع به مواساة حزنه ومساعدته, فقالت لي بل إن لديك من المقدرة حدّا يفوق قدراتي فأنت َ فلذّة كبدِه؛ هيّا اذهب واطبع على جبينه المثقل بالتعب قبلة دافئة وانظر كيف سينجلي ذلك التعب وكيف ستشرق الحياة مجددا ً من عينيه ِ ووجنتيه, وبالفعل ما إن قبلتك َ وقتها حتى استيقظت وآخذتني إلى حضنك وقلت لي حينها: أنت السند لهذا السند يا آدم لقد كنت أسترق السمع لحديثك مع والدتك, أما زلت ُ كذلك بنظرك يا أبي؟! أما زال بأمكاني مواراة ضعفك؟! ضمّني والدي بشدّة ٍ وقال لي: وكيف لك أن لا تكون بعد هذا الكلام الرقيق منك يا صغيري, أنت هدية الله لي ونعمته التي أفاخر الدنيا بوجودها في حياتي, أنت ابن تلك المرأة التي أحببت, ووليد ُ جوفها الطاهر, أنت تذكرة ٌ لي من أمك التي استطاعت بأن تفتح عهدا ً جديدا ً في حياتي إذ قبلت بي زوجا لها, أنت ابن المرأة التي قبلت بي بكامل علّاتي وزادتني جمالا, المرأة التي كانت لي صديقة ً قبل أن تكون لي نِعم الزوجة, المرأة التي احتضنت ضعفي بحب ٍّ كما كانت تفعل به أمي, المرأة التي عند كل عثرة ٍ لي في حياتي كانت تبرق لي في عيناها لأرى فيهما أوتاد جبل ٍ لا رجل فأتحدى العالم أجمع مقابل أن لا أخسر تلك النظرة منها أبدا, أنت قطعة ٌ من كل خصلة جمال فيها, كيف لك أن لا تكون سندا ً لي وأنت تملك ذات النظرة القويّة, وذات لون العيون الآخّاذ, أتعلم!! لطالما تجادلنا أنا وأمك على ملامحك وصفاتك لأي ٍّ منّا ستميل أكثر؟ وماذا ستأخذ من كلانا لتصير لنا طفلا ً وابنا ً؟ وكعادتها أمك كان لكلامها سحرا يُسكتني بكل رضى إذ كانت تمسك بيدي وتضع يداها فوقهما لنضعهما عليك نستشعر نبضك ودائرية حركتك وتقول لي: أتشعر يا عزيزي كيف أن لنبضه دفئٌ كنبض قلبك, نبض سيحبني دوما ً ويحبك, آمل أن يكون قوي البنية مثلك فأقاطعها أنا قائلا ً أبيضا ً كلون قلبك, فتكمل هي َ طويل القامة وشعره بني ٌّ بلون شعرك فأكمل أنا متمنيا ً بأن تحمل لون البحر في عينيك كما كانت تحمله هي َ, فقد كانت مرجان ولها من اسمها كامل النصيب إذ أن للون عيناها من لون البحر زرقة ً تميل إلى الأرجواني العتيق, لونا ً احتضن كامل المرجان في اسمها وكل ّ الحب في قلبها وجل ّ النقاء في روحها ليستقّر فيك لتكون لنا أجمل معجزة, لتكون لي من بعد قلبها موطنا ً فأنا أعلم أيضا ً بأنها الآن هناك, سأحملها أنا في قلبي وعيناها ستبرقان ِ لي ما حييت وسأقطن في قلبك كما تفعل هي الآن لأكون معها, لكي لا أفارقها واوفي لها بالعهد الذي قطعته لها بأن لا أيأس َ يوما ً أو أمل َّ من إمساك يديها واحتوائها. فأتسمح ُ أنت الآن بذلك يا بني؟! قبّلت ُ أبي بعد وابل الدموع الذي اجتاح عيناي من جديد وقلت له ما هذا السؤال يا أبي! لطالما حملتك أنت وأمي في قلبي فهل لي بإخراجكما منه يوما ً وأنتما له نبضا ً, روحا ً وحياة!! ستبقيان في قلبي نبضا يمنحه الحياة والإشراق وأضف على عهدك لأمي عهدا ً جديدا ً بأن لا تفارقني وأن لا يترك دفىء قلبك نبض قلبي. قبّلني أبي على جبهتي بأي نعم, أنا عند هذا الوعد يا صغيري و تركني ليقوم بواجبه تجاه كل الأصحاب والأحباب اللذين جاءوا من شتّى المسافات ليكونوا إلى جانبنا في شدّتنا هذه ِ بل مصيبة قلوبنا وفاجعتِها الأكبر, ونمت ُ أنا على السرير موضع نوم أمي وعانقت الدفىء في رائحتها التي عشقها بيتنا كما تعشقتها كل زاوية من زوايا روحي ونمت ُ دون أن أفكر بفتح تلك الرسالة التي وضعها أبي على الطاولة أمام ناظري؛ فقد كنت أدرك بأن علي ّ أن أستوعب َ فكرة غياب أمي أولا ً حتى تكون لي القدرة لأدرك سبب ذهابها, أو لعلّه يأس ٌ ما دب َّ في جوفي بأن ما من فائدة لأعرف أسباب نتيجة ٍ جائتني على عجالة ٍ وها أنا ذا أعتاشها الآن وبكل ألم !!
كانَ بيتنا لا يخلوا من الأصدقاء اللذين تهافتوا على منزلنا طيلة شهر ٍ كامل, فأحباب أمي ومعارفها كانوا يفوقون ذلك العدد الذي أعرفهم به شخصيّاً فلقآتي كانت تقتصر على المقرّبين منها بصفة خاصّة واللذين نادراً ما فارقوا وجودهم إلى جانبي أنا وأبي طيلة هذا الشهر لمساندتنا, وخلال كل تلك الأيام ما كنت ُ لأتحرّك من مكاني من على سرير أمي إلا لألقي التحيّة على كل من كان يذهبُ ويأتي لزيارتنا والإطمئنان علينا وغالباً ما كنت ُ أنساهم أو أتجاهلهم لولا فضيلة البرِّ والإحترام التي ربّتني عليها حبيبتي خلال تلك الأعوام القلائل التي عشتها في حضرتها, كانت أيّاماً بلا نكهة مليئة ٌ بالذكريات التي إن تغافلت ُ عليها أنا سمعت ُ الزائرين يتّذكرونها فيما بينهم مُتهامسين, كانت الدنيا تبدوا في عينيَّ وكأنها فلم من زمن ٍ بعيد باللونين الأبيض والأسود, الكلام فيها نمطيُّ للغاية والجميع فيها يردد نفس العبارات بطريقة ٍ مُختلفة والقلائل من الأقرباء اللذين كانوا يحاولون تغيير نظام بيتنا كما يشاؤون من بعد أن فسُدَ نظامة ومعاييرة من بعد أمي, كان كل ِّ شيءٍ يُشبهها يُختفي شيئاً فشيئاً وكأنه سراب والواحة التي اعتدنا الإرتواء منها بوجودها جفّت ولازم قلوبنا من بعدها الجفاء وكانت هكذا الساعات تمضي بلا معنى أو هدف, حتّى النظر إلى عقارب الساعة وهي تمضي كان أمرا مزعجا للغاية؛ فعقارب الساعة وكأنما حُمِّلت بالأثقال المتوانية عن حملها وهي تجري.
كان أبي يزور أمي في قبرها في الأسبوع مرّتين وفي كل ِّ مرّة ٍ كنت أراه يبتاع ُ لها نوع الزهور المفضّل لديها ذي اللون الأبيض والأرجواني وكنت أراه وهو يبتسم لنفسه وفي عينيه ِ تصبُّ الدموع وكأنه كان يتذكّر لقآته معها أيّام خطبتهما ثم يُعاود الإلتفات إلى الواقع ليجد بأنها قد ذهبت وما بقي منه ليفعل لها غير َ زيارتها في قبرها, كان يفقد من وقته ساعة كاملة وهو يحاول إقناعي لإصطحابي معه لزيارتها ولكن َّ الأمر كان أصعب عليَّ من حمل جبال الألب على كتفي َّ والسير بها حافي القدمين كل الدنيا؛ كنت ُ ضعيفا ً لدرجة أنني ما كنت ُ أقوى بعد ُ على تقبّل أمر غيابها بيني وبين نفسي ولطالما وجدوني على المرآة أتكلّم إليها أو بين الأزهار في حديقتها التي تركتها لي من بعد ذهابها خاوية ٌ لا يقطنها إلا الذكريات والمشاعر أتحدث معها وكأنها تجلس أمامي أصاحبها وهي ترتشف فنجان قهوتها حتّى أن الكثير من الزائرين نصحوا أبي بفكرة إيجاد معالج نفسّي مناسب لوضعي. كان أمرا ً مزعجا ً بالنسبة إليَّ أن أبي تقبّل غيابها هكذا بعد مضي هذا الوقت القصير ولكن ما كنت لأشاركة ُ هذا الرأي أبدا ً لكي لا أفقد بسمته ُ هو الآخر بمجادلتي له, ما يمكنني قوله بأني من بعد فراق أمي ورؤيتي لها في تابوتها مُكممة باللون الأبيض ما عدت أنا نفسي التي اعتدت ُ عليها, أكاد أصدق بيني وبين نفسي أحيانا أن أمي أخذت معها ذلك الشخص الذي اعتدته مني معها, أكاد أجزم بأن في تابوتها إلى جانبها كانت تتمدد نفسي والآن هي مدفونة إلى جانبها في قبرها الضيق تحت الأرض ومن فوقهما طبقات قاسية من الأرض التي ضاقت عليها وما قويت بعد ُ عن حملها عليها يوما آخر بعد, كان يصيبني الإعياء والمرض بشدّة وقد أكّد طبيب العائلة بأنّي على مشارف فقر دم ٍ تام إذا ما انتبهت ُ جيّدا على صحتي وطبيعة غذائي, لا أحد يفهمني؛ أخبرهم بأنّي ما عدت قادرا على مضغ الطعام كما السابق فشيءٌ ما يقف عالقا ً في صدري يحول دون وصول الطعام هنيئأ إلى معدتي.
وبعد شهر ٍ كامل من الضجة الحزينة عم َّ بيتنا هدوء غامض وانطفئت الأنوار التي نادراً ما استغنوا عنها في الأيام الماضية وودعنَا الأحباب والأقارب بعد فشلهم في محاولة إيجاد نظام جديد لهذه العائلة المؤلفة من أب ٍ عاشق لكل مكنونات زوجتة وطفل ٌ لا يرى في عينيه إلا صورة وجه أمه وجدران ٍ تأبى بأن يتبدّل حالها خاصة بعدما ارتوت بوجود أمي يوما ما بين كنفاتها. وهكذا وبعد أن دوّت برعب ٍ هذه العاصفة سكن الحزن في ملامحنا واستقر فيها وتهادلت أوسمته ُ من على زوايا المنزل أجمع وركد في دواخلنا السكون كما يركد الحصى في قاع شلالات المنحدرات العاليّة, حتى لأننا أصبحنا ذواتا ً لأشياء لم نعتد عليها من روتين وملل وحزن!! قام أبي باستدعاء مساعدة لتقوم بتنظيف البيت من بعد هذه الجلبة فقدِمت وعملت بالكثير أعانها الله إلى أن وجدت أثناء ترتيبها ظرف الرسالة التي تركتها لي أمي مُلقى ً وراء منضدة غرفة النوم حيث تركها لي أبي من قبل شهر ٍ تقريبا ً فقدّمته إلى أبي قائلة ً: لقد وجدته ملقى ً خلف المنضدة يا سيدي وفكّرت في أن أعطيك إيّاه قبل أن يضيع بين الأشياء الكثيرة لا بد َّ أنه مهم ٌّ لحضرتك فهو لم يُفتح إطلاقاً, هذا ما يبدوا عليه من كثرة الغبار المتراكم على حوافِّه, فشكرها أبي وانصرفت وقال في نفسه: نعم إنّه لشخص ٍ لم يقوى بعد على النظر إلى الذكرى الأخيرة من أمّه, ظانّا ً منّي بأني لم أسمعه ولكنني سمعته وكأن في لهجته ِ شيئا ً ما من العِتاب الحنون ثم َّ ترك لي أبي الظرف على الطاولة وقال: ضعه ُ في مكان ٍ يليق ُ به على الأقل إن كنت لا تنوي فتحه ُ وانصرَف!!
لطالما كنت أفكّر بذلك الظرف منذ أن أعطاني إيّاه أبي ولكنني صدقا ً ما كنت أقوى على فتحه رُغم فضولي القاتل لأعرف ماذا في جوفه وما هو الشيء المهم الذي تركته لي أمي قبل ذهابها الأخير ولعلَّ السبب المُقنع الذي كان يحثني أحيانا على فتحه هو معرفة ذلك السبب الذي أودى بأمي إلى عالم الملكوت في الآخرة, فقررت ُ حينها أن أتركه في غرفتي إلى أن أستجمع كامل قوّتي لمواجهة ما بداخلِه. وبينما كنت ُ شاردا ً في عالمي قاطع شرودي صوت ُ أبي وهوه يتكلّم مع أحد ٍ ما في الغرفة المجاورة, استرقت ُ النظر لأرى من هذا الذي اخترق عالمنا الحزين وقدِم إلينا من شقٍّ صغير ٍ في زاوية الباب وإذ به ِ طبيب العائلة يتحدّث إلى أبي بسريّة ٍ تامّة وكأنما يحاول إخباره ُ أسرار الدولة العليا التي لا يجوز من الآخرين سماعها, كنت قادراً على سماع ِ تمتمته ِ ولكنني لم أكن قادرا ً لأدرك ما كان يقوله حرفيا ً فافترضت بأنه يُخبر أبي عن مدى سوء صحتي في الآونة الأخيرة التي كان يُفترض بي ونتيجة وعدي التي اتخذته لأبي أن أهتم َّ بها فهممت ُ بالمغادرة إلى أن سمعت الطبيب يقول لأبي بصوت واضح نوعا ما: أن كان الله في عونك سيّد ريان, أنصحك بأن تستشير طبيبا ً نفسيا ً قبل مصارحة طفلك بالأمر لنتولى نحن بعد ذلك مباشرة علاجه بإذن الله, لم ينبسَّ أبي بطرف كلمة واحدة سوى كلمة إلى اللقاء التي ودّع بها الطبيب بصوت ذا حشرجة ٍ مؤلمة وصوت أنين الباب الذي كان أبي يقفله رويداً رويداً وكأنه لا يقوى على قفله بعد الثقل الذي ألقاه ُ الطبيب على عاتقه ِ إلى أن قررت ُ إختراق ذلك التوتر في تلك الغرفة وخاطبت ُ أبي بطريقة ٍ متسرعة بعض الشي قائلا ً: ما بك َ يا أبي؟ لم كل ذلك التوتر يعتلي وجهك؟ أحالتي الصحية بذلك السوء الذي جعلك لا تقوى على إقفال الباب جيّدا؟ وكنت ما زلت ُ أرى الشرود َ في ملامح أبي إلى أن شددته من يده وأنا أنادي: أبي, أبي هل تسمعني؟! عاد أبي إلى رُشده ِ شيئا ً فشيئاً وعاودت ُ أنا تكرير ذات الأسئلة عليه فضمنّي إلى صدره وقال: لا يا بني, ليس هناك ما يدعوا للقلق؛ فقط صحتك الآن في وضع لا يسمح لنا بالتغاضي عنها إطلاقاً لذا سأعتبر وعدك السابق لي مجرّد حكاية مُنتظرا ً منك وعدا ً صادقا ً آخربأن تنتبه جيّداً إلى صحتك وأن لا تجبرني للوقوع بمثل هكذا موقف مرّة أخرى, أعدك يا أبي للمرّة الأخيرة بأن لا أُرهقك َ وأن أحاول الإهتمام أكثر بنفسي شريطة أن لا أراك بهذا الحال من جديد, قبّلني أبي وقال: هيّا اغسل يديك واسبقني إلى مائدة العشاء أنا قادم!!
شعرت ُ بعد مغادرة أبي للغرفة وكأن َّ ضمتَّه ُ لي كانت شبيهة ً بتلك التي بادلتني إيّاها أمي قبل وفاتها, لم أكترث للأمر كثيرا ً فقد كانت روحي وكأنمّا تم َّ تخديرها بالأحزان إلى أن ما عاد أي حزن ٍ يؤثر عليها وغسلت ُ يداي وجلست ُ إلى جانب أبي محاولا تناول كميّة الطعام التي وضعها أمامي كخطوة ٍ مبدئية لتنفيذ ذلك الوعد الذي قطعته ُ له قبل قليل. سألني أبي ما إن كنت ُ قد عرفت محتويات الظرف الذي تركته ُ لي أمي فأجبته ُ برأسي أي لا!! فاعتذر أبي ما إن كان قد أزعجني عندما بدا معاتبا ً لي لعدم فتحه والإهتمام بمحتوياته فهمهت ُ له أن لا عليك لم يحصل شيء فأيّا ً كان السبب الذي جعل أمي تغيب عن هذه المائدة فها هو قد أخذها ورحل وانتهى الأمر بنا بلا نكهة ٍ للحياة لا للطعام وحسب!! فقال أبي: رحمها الله يا بني, المهم أن لا تجبر نفسك على فتحه وإن شئت فاتركه ُ في غرفتي إلى أن تصبح جاهزا ً لفتحه, أحسست ُ وكأن أبي يحاول أخذه مني بطريقة ٍ أو بأخرى, وكأنه بين كلماته كلماتٌ أخرى تقول لا تفتحه, أرجوك اتركه وحسب!! في تلك الليلة أذكر بأني نمت وأنا أتأمل ذلك الظرف الذي كان يرقد على الطاولة بجانبي, هادىءٌ, ساكن ٌ وأبيض كأمي حال موتها, بلا روح ٍ ولكن مليءٍ بالأسرار إلى أن غفوت. وخلال نومي جائتني أمي في منامي ووضعت يدها اليمنى على رأسي واليد الأخرى على صدري موضع قلبي وبدت وكأنها تهمم بكلمات ٍ تذكر فيها أدعية ً للشفاء وما ذلك كحالتها المُعتادة عندما كنت أمرض وهي موجودة, حاولت ُ النظر إليها ولكنها كانت تغلق عينيَّ بكفيّها عند كل محاولة وتهمس في أذني, لا تنظر إليَّ يا صغيري لا تكن مثلي أرجوك, عش طويلاً, عش بسلام ٍ يا ملاكي الجميل ورحلت أمي واستيقظت ُ أنا فزعا ً من عدم تمكّني من استراق النظر إليها أبداً, استيقظت من نومي وأشعلت ُ ضوء الغرفة وجلست على السرير وفي يدي ذلك الظرف الذي بدا وكأنه ُ يهتّز من وهل ما شاهدته ُ أنا في منامي وقررت ُ في نفسي أن أقوم بفتحه ِ والإطلاع على ما يحتويه ِ الآن فورا ً خاصّة ً بعد ذلك المنام المُربك الذي شاهدته للتو من أمي.
بقلم: رنا مروان – ( الأردن )