|  آخر تحديث يوليو 28, 2017 , 1:48 ص

#رنا_مروان | تكتب: يرجي عدم الأقتراب (الجزء الثالث)


#رنا_مروان | تكتب: يرجي عدم الأقتراب (الجزء الثالث)



كنت ُ مدركاً لكلِّ هذه الأمور ولا شكَّ بأنّي كنت أسترجعها في عقلي خلال سيري إلى العمل هذا الصباح مما أدّى إلى تشيت إنتباهي ومخالفتي للسير وقواعدة أكثر من ثلات مرّات لكوني كنت في عالم ٍ آخر تماماً عن الذي وضعت فيه! فقد كنتُ أنا من كتب عن الإكتئا وأعراضه وكيفية التخلص منه في صحيفة ٍ محليّة هنا الشهر الماضي ولكن يبدوا أن خيالي الواسع وإستنباطي لشخصية مسيو دبريشن جعلا مسيو دبريشن يزوروني لينتقم منّي ربمّا أو ليشكرني على ما تفوهت ُ به تجاهه مما جعله شخصية ً مشهورةً على ضرار ما كان يعتقد، أو لعلّ فيما كتبت توليفة ً لكلمات ٍ سحريّة جذبته إليّ وإن كنّا على فراق ٍ تام ٍ أنا وإيّاه خلال الأعوام الخمس الماضية، حقّاً لا أعلم أيُّ باب ٍ هذا الذي نسيته غير مؤصد ٍ في وجهه خاصّةً بعد أن تعلمت جيّداً كيفية إقفال أبواب الإكتئاب باباً تلو الآخر عاماً بعد عام!

 

 

وبإرتفاع أصوات ( نعيق السيارات ) أي زواميرها ولكنني أفضل تسميتها بالنعيق فهي صفةٌ فضلى أكثر لتطلَق عليها اكتشفتُ أنّي أعيق السير منذ حوالي ربع ساعة والسيارات متراكمةٌ ورائي وكأنه يوم الحشر أمّا عن تجهّم أصحابها في وجهي فهو أمرٌ لا شكَّ وأنه زاد من فرصة تغلغل مسيو دبريشن في نفسيتي مما أدّى إلى اضطرابي فخرجتُ من سيّارتي محاولاً الإعتذار بلغة الإشارة والكلام لعلّهم يسامحونني ولكنَّ أحدهم بسق كلامه وصراخه ُ في وجهي قائلاً: هيّا أيتّها المعتوهه، ما الذي تظنين نفسك ِ تفعلينه، سأشتكيك إلى شرطة السير أو لعلّي سأشتكي ذاك الذي منحك رخصة القيادة بلا شك، تبّاً لك ولأمثالك! وبدون أيّ ردة ِ فعل ٍ منّي عدتُ إلى سيارتي وأخذت نفساً عميقاً ومشيتُ متجاهلاً ارتفاع أبواق السيارات مرّة أخرى وصراخ أصحابها في وجهي ونعتهم لي بصفات ٍ مؤذيه خاصّةً بعدما بدأؤو بتجاوزي واحداً تلو الآخر، حتّى اختفوا تماماً من ورائي وأصبحوا جميعهم أمامي وأنا في مؤخرتهم تتباطأ سرعتي بالتدريج إلى أن قررت التوقف في مصفٍّ فارغٍ كان على الطريق لأستوعب ما الذي جرى معي ولأتفاهم مع مسيو دبريشن على هذا الموقف التافه الذي وضعني فيه بلا أدنى شفقة ٍ كالمعتاد، شعرتُ حينَ توقفي والسيارات بأجمعها تتناغم أمامي مصطفة ٌ بإنتظام وأنا في مؤخرتهم وكأنني قائدٌ لقطيع أغنام؛ نام على حين غفلة فضجرت ماشيته وتشتت فأيقظته بإستيائها إلى أن قادها ووجهها إلى طريقها من جديد!
كانت تلك الفكرة مضحكةً نوعاً ما إذا ما تجاهلنا نعيق أبواق السيارات وطريقة صراخ أصحابها ولكنّها فكرةٌ تعني لي الرثاء قليلاً وبضعاً من المواساة!

 

يُعاني المكتئب من صداعٍ سيءٍ شبه مستمر مما يجعله ُ في حالةٍ ماثلةٍ للنوم في أيِّ وقت، يقطن المكتئبون كوكباً خاصاً بهم خلقته ُ لهم مُخيّلاتهم ولدى هذا الكوكب شققاً صغيرة تحتوي كلَّ مكتئبٍ على حدى! يودُّ المكتئبون لو يصمت العالم المتأجج الذي يعتاشونه لتتسنى لهم فرصةُ سماع صراعاتهم الداخلية بشكل أوضح، أو لعلّهم في حالة إنصات ٍ لها بشكلٍ كليٍّ ودائم غير منقطعين أبدا مما يجعلهم أكثر عرضةً للصمت والسكون وذلك لسماع ما تمليه عليهم دواخلهم بشكل ٍ أكثر دقّة!

مسيو دبريشين! هلّا استيقظت من فضلك فلديّ ما سأقوله لك! هيّا استيقظ لو سمحت؛ فقد سحرتني بشخيرك حدّ الإشباع وسببت لي مشاكل مروريه بما فيه الكفاية، هيّا استجمع قواك العقلية وأنصت لي جيداً أيّها الجنيُّ الخرِف! اووووه، آاااه صباح الخير يا صغيرة، لمَ كل هذا الإزعاج؟ لم لا تتركيني وشأني؟ ألهذا القدر تحبيّن وجودي والكلام برفقتي! هيّا تفضلي قولي ما لديكِ فأنا أسمعك جيّداً، ولكن ها إلّاكِ والصراخ! لو سمحت ِ نحن في مكان عام! لا يرضيني أن ينعتك الناس بِـ ” مجنونة ” مع أنّك كذلك بعض الشيء إلا أنّ هذا الأمر بيني وبينك فقط! هيّا تفضلي أدلي عليّ بقولك يا صغيرتي، أولاً: لا تنعتني بصغيرتي مرّةً أخرى فأنا كبيرة بما فيه الكفاية على هذا اللقب؛ أكاد أقفز إلى مرحلة الشيخوخة بفضل هالاتك السوداء التي تلقيها ببؤسٍ أسفل عيني! ثانياً: ما الذي تعنيه بـ إيّاك والصراخ! هل منحتني حضرتك فرصة واحدة لأتكلم معك فيها بهدوء؟!فأنت بذاتك مصدر إزعاج يدعوا للصراخ بلا أدنى تفكير، ثالثاً: ما الذي تظن نفسك فاعلهُ عليك َ البؤس والشؤم! لقد أعميتُ فكرياً وقلبياً بسببك أيّها الخرِف! لقد تجاوزت إشارةً حمراء واحدة، وكدت أدهس مارّاً في الطريق بدون أن أنبس ببنت شفقه، وعملت على إعاقة حركة السير لمدة ربع ساعة كانت كفيلة بأن يشتمني كل من حولي وأن ينعتوني بالمجنونة أيّها الغبي فكيف يرضيك هذا الآن؟ أجبني يا وجه الشؤم هيا!

 

 

تململ مسيو دبريشن مثل طفلٍ صغير استغرق أكثر من نصف نهاره في النوم ثم استيقظ بتربيثٍ من حركات أمه على شعره وفتح ثغره مثل ثورٍ قبيح وراح يتثائب ببؤس أمام ناظريّ وأنا صامتةٌ مندهشة من فعله اللامبالي هذا، ثمَّ وبعد أن أنهى ململته نظر يمنةً ويسرَة وكأنه لدينا من يشاهدنا أو يسمعنا ثمّ اقترب من أذني واضعاً فمه على حافتها وراح يُهمهم برفقٍ بصوت ٍ يكاد أن يختفي ثمّ قال: أنتِ من فعلتِ هذا لنفسك يا صغيرة! اووه، أعتذر! فكلمة صغيرة ممنوعة لقد نسيتُ ذلك! ولكن أنتِ من فعلتِ ذلك لنفسك! حضرتك من كان يقود السيارة وليس أنا! المقود كان بيديكِ أنتِ لا يداي أنا من كانت تتحكم به! أن أقبع فوق رأسك لا يعني بأني سألتهم دماغك ِ أفهمتِ! أنتِ البائسة الوحيدة هنا في هذه القصة وليس أنا! فقد خُلقت لإتمام هذه المهمه وأنا فيها منذ الأزل ومهمتي هي أن أسبب الإكتئاب لا أن آكل العقول والأذهان! استيقظِ أنت من نومك ودعيني أرقد بسلام ٍ أيتها الكبيرة ذات العقل الصغير! ولكنك لا تفهم تفهوهت أنا! أنت من يسبب هوان العقل هذا الذي لديّ، من الممكن أن أكون أنا من فتح لك الباب إلى حياتي ولكنك أنت من تقوم بإغلاق جميع الأبواب الجميلة في وجهي، إنني أتدمر يوماً بعد يوم، إنّك لا تعي فكرَة أنّ الإكتئاب الذي تسببه حضرتك يُلغي وجودي من على وجه الأرض! أرجوك ارحل عنّي وغادر فؤادي، ما عاد لي طاقةٌ لك ولمضاعفات وجودك، أنا في حاجة ماسٌة ٍ للهدوء والرتابة أرجوك اسمح لي بهما فقد هلكتُ بالفعل!! راح مسيو دبريشن يدندن لكي لا يسمعني ثمّ أنهى سمفونيته واضعاً يديه على أذنيه ثمَّ قال: أنتِ من يتوجب عليك ِ إنهاء تذكرة وجودي في حياتك، فأنا آتي بإرادتكم أيّها البشر وأختفي بلمح البصر بإرادتكم أيضاً، أنا مسيّرٌ بكم أفهمتي! هيّا أكملي سيرك فقد تأخرتِ كثيراً على العمل، أيُّ مدير هذا الذي سيغفر مثل هذه الزلّة ثلاث مرّات خلال شهر واحد، من المؤكد أن دقيقة تأخيرٍ واحدة ستؤدي بك ِ إلى التقاعد لا محاله، هيا أسرعي، هيا!!

تجهمت في وجهه ووضعت حزام الأمان من جديد واتخذت قراراً هذه المرّه بأنّ عليّ التفكير بكيفية طرد هذا الجنّي الخرف من حياتي قبل أن يقضي عليها كلياً متجاهلاً إيّاه ولو طمس على قلبي بغطرسته وجنونه؛ وذلك بتطنيشه قدر المستطاع وإتمام بقيّة يومي كما المعتاد وكأنه غير موجودٍ إطلاقاً!

 

 
بقلم: رنا مروان – ( الأردن )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com