آه ٍ منك أيّها الجنيُّ المشؤوم همهمت ُ أنا في نفسي، متى ستنسى أواصرك طرق الوصول إليّ أنا لا أعلم ولكن أرجوا أن يكون ذلك في القريب العاجل فقد سئمتُ منك فعلاً! واصل نومه بشخير ٍ مزعج ٍ يسبب ( توتر حالة الإكتئاب المشهورة ) فغسلتُ أسناني ورحت ُ أُناظره وهو ونائم ٌ ينفث ُ بأنفاسه ِالبؤس واليأس على ملامحي دون أدنى رحمة وقررتُ الخروج َ إلى عملي متاجهلاً وجوده وشخيره وهالة الشؤم خاصّته لعله يتركني وشأني.
فتحتُ الثلاجة لأتناول كوباً من عصير البرتقال المفضّل لدي، متحاشياً فكرة الإفطار وذلك لإنخفاض مستوى شهيتي إلى الحضيض كما المعتاد فوجدت ُ العلبة فارغة، فقلتُ في نفسي: آه ٍ منك أيّها الجني حتماً إنه أنت، ستقلب الأمور في وجهي هذا اليوم كما المعتاد أليس كذلك! لم أكلف نفسي عناء النظر إلى الساعة فبالتأكيد قد تأخرت على عملي، لا محالة من ذلك في ضوء وجود جنيِّ الإكتئاب فوق رأسي ولنتفق على تسميته ( مسيو دبريشن ) رغم أنني أفضل أن أنعته بالمعتوه أحياناً إلا أنه لا بأس من اسمه هذا ( مسيو دبريشن ) أخذت ُ أضع بعضاً من مساحيق التجميل التي ابتكروها لإخفاء جميع العيوب الظاهرة في الوجه من هالات ٍ سوداء وعلامات إرهاق ٍ وما إلى ذلك، إلا أنهم لم يعلموا أبداً كيفية تطويرها لإخفاء هالات مسيو دبريشن المرضية التي يسببها لملامح الوجه الحزينة من ضمور ٍ في العينين وإنقباض ٍ بين الحاجبين وذبول ٍ في الإبتسامة، حتّى لإنَّ أفضل ماركات ( الكونسيلر ) والذي يستخدم لإخفاء إرهاق ما تحت العينين لم يستطع إخفاء ما ألقاه مسيو دبريشن من مسحوق الإكتئاب القاتم أسفل عينيَّ فتجاهلت ذلك مرتدياً نظّارتي وخرجت، وبالتأكيد وجدت ُ كعب حذائي مكسوراً وحقيبة يدي متسخّه ومخزون سيّارتي من الوقود قد نفذ!! صرخت بصوت ٍ مسموع ٍ هذه المرّه قائلة ً له وصوت شخيره يعلوا: لقد اخترقتني فعلياً ونجحت في تحطيمي نفسيّاً ما الذي تريده من حذائي وحقيبتي وسيّارتي! أم أنّ جميعها طرق ٌ لتلقيني البؤس ملعقة ً ملعقةً!! أرجوك الرحمة مسيو دبريشن!! الرحمة!!!
عدت إلى المنزل مرّة أخرى وهو أمرٌ لا بدّ منه من اللجوء إلى المنزل عند أدنى ضعف ٍ وهذا الجنيّ فوق رأسك، تناولت ُ علبة الوقود الإحتياطية من أسفل خزانة المطبخ فارتطم رأسي في سقف الخزانة وفسدت تسريحة شعري وأصابني الدوار لبرهة ٍ ثمّ قررت ُ أن لا وقت لتسريحة ٍ جديدة فنثرت شعري على بعثرته وخرجت إلا أنَّ هذه المرّة أخذت نفسي بالإستسلام ورأيت ُ قلبي وروحي الجميلين وقد علّقا على أبوابهما عبارة ً تقول ” يُرجى عدم الإقتراب ” فلدينا اليوم جنيُّ الإكتئاب! سقطت من عينيّ دمعة لإستسلامهما السريع هذا وأدركتُ بأن باقي اليوم لن يكون طبيعياً ولا جميلاً وإنما بائساً باللونين الأبيض والأسود بعد أن أغلق كلاً من روحي وقلبي أبوابهما عن الحياة وأعلنا حالة الإكتئاب ” يُرجى عدم الإقتراب ” أفرغت علبة الوقود تحت أشعة الشمس الحارقة هذا اليوم تحديداً، وتحاشيت ُ النظر إلى نفسي في مرآة السيارة الأمامية، فبلا شك ٍّ بدأت بالإزدياد والتكاثر هالات الإكتئاب المرضية في ملامح وجهي التي ما كانت إلا لتكون متفتحةً ورديّة، مفعمة ً بالأمل، بالحبِّ للحياة، متفجرة بالعطاء والنقاء لولا مسيو دبريشن وزيارته المباختة لها هذا الصباح.
( يُرجى عدم الإقتراب ) هي حالة ٌ تعلنها النفس بالإتفاق مع الروح والقلب والجسد رغماً عنها وذلك عند أقصى درجات الإكتئاب التي تدبُّ في المرء نتيجة حصيلة ٍ من الأسباب المتراكمة، ويحصل ذلك بالتأكيد عند زيارة جنّي الإكتئاب لها نتيجة َ ضعف ٍ ما في لحظة ٍ معينة، أو تقصير ٍ في أمر ٍ روحيٍّ مهم أو إبتعاد ٍ عن النفس لفترة ٍ طويلة وإهمالها؛ فكل هذه أبواب ٌ مهمشّه تُساعد مسيو دبريشن على إختراقها بكل سهوله مُعاقباً الشخص المكتئب على تقصيره وإهماله تجاهها، أمّا عن سبب إعلان ِ هذه الحالة بالذات فهو نتيجة الأعراض المتواطئة التي يُسببها الإكتئاب من حبٍّ للإنعزال وفقدانٍ للقدرة على ترتيب الكلام وضمور في العلاقات الإجتماعية بسبب هيمنة الإكتئاب على ذلك الجانب تحديداً في العقل، فضلاً عن فقدان ٍ للشهية لا عن الطعام فحسب وإنما عن الحياة بأكملها، فإن كان في الطعام غذاءٌ للأعضاء ووظائفها في الجسد ففي الإبتسامة أيضاً والتواصل الإجتماعي والتعبير عن النفس وممارسة النشاطات اليومية والإهتمام بالذات غذاءٌ للروح أيضاً ودافعاً مهمّاً لها لمواصلة تأدية واجباتها على أكمل وجه، وكل هذه الأمور تُصاب بالتشنج في حالة الإكتئاب مع الأسف، ناهيك عن دموع العين المتحجرّة على عتباب القلب ورغبة ٍ متواترة في الصراخ مع شحوب ٍ شديد ٍ في الوجه واضطراب ٍ في المعدة وجعلها في حالة متأهبة للتقيؤ في أي لحظة، والفاجعة الكبرى أنّ لكل هذه الأعراض القدرة على التأثير في النفس دون أن تسمح لها بالتعبير عنها مما يسبب للشخص المكتئب مشاكل مع كل من يلتقي به وذلك لعدم قدرته على الإفصاح عمّا لديه، مما يدفعه إلى ترجمة هذه الإضطرابات على هيئة إمّا كلام ٍ جارح أو أفعال ٍ غير مقصودة ولذلك يفضّل المكتئب الإنعزال بنفسه حتى يكون أثرها السلبي منها وعليها دونَ أن يمسَّ الأخرين ممن يحبونه بأيِّ أذىً مهما كان مفتعَلاً عن غير قصد!
يرى المكتئب نفسه إنساناً غير عادي، ويبدأ بتثاقل إتمام المسؤوليات التي تقع على عاتقه بإعتبارها أموراً لم يكن من الواجب عليه إتمامها، وأنها قدمت إليه لأنه البائس وعديم الحظ الوحيد في هذه العالم! والتي وإن قام بها كانت فاقدة ً للروح وللحياة إطلاقاً وغير مكتملة ٍ في كثير من الأحيان. يتجنب المكتئب النظر إلى المرآة وذلك لأنه في قرارة نفسه يكره تلك الملامح التي تعلو وجهه دون أن تشبهه أيٌّ منها! يبدأ المكتئب وخلال فترة إنعزاله بمقارنة نفسه مع الآخرين وإخراج عيوب ٍ في نفسه قد تكون موجودة ً وقد لا تكون، كما ويبدأ بإحصاء عدد المرّات التي قلل فيها الناس من شأنه، وعن كمية التجريح الذي تعرّض له في حياته وذلك في محاولة لمسيو دبريشن ( جنيّ الإكتئاب ) من جعله يتندم على خلقه ووجوده على هذه الأرض وتمنيه بالزوال عنها في أيّة لحظة! فقد يرى فقدان نظاراته أو كسرها فاجعة ٌ كبرى في حين ٍ أنّ صديقاً له لم يفقد نظاراته ولم يكسرها، وقد يتهيأ له بأن تلك السيارة التي أمامه أفضل من سيارته ولذلك فقد تجاوزت الإشارة وهي خضراء بينما توقفّت سيارته عند الإشارة الحمراء! وقد يرى بقعة القهوة على قميصه أمر في غاية الإرباك! وفي الواقع إنها أمورٌ تحدث طبيعياً مع أيٍّ منّا دون تمييز! ينسى المكتئب نفسه وروحه الجميلة وكيف يحب الناس من حوله إبتسامته وحضوره ووجوده، ويتناسى بأن لديه روحاً مفعمة ً بالحياة احتبستها هالة الإكتئاب السوداء وأن عليه النهوض بها ومساعدتها لتتغلب على تلك الهالة وتبديد ظلامها إلى نور، يعيش ُ المكتئب حالة كوكب الأرض الذي تغلفه طبقة الأوزون وذلك لتحميها من الإشعاعات الضارة والمؤذية، في حين أن المكتئب يفقد طبقة الأوزون الخاصة به متأثراً بكل ما يتعرض له، سواء أكان ذلك قولاً أو فعلاً أو حتّى رمشة عين له خاطفة!!
بقلم: رنا مروان – ( الأردن )
1 التعليقات
Ali Abdul Azeez
2017-09-08 at 11:18 م (UTC 4) رابط التعليق
( يرجى عدم الاقتراب )،
(0) (0)لافتة سيُعلّقها مسيو دبريشن حول عُنقهِ لو قرأ كلماتكِ
ولو أبصر حجم قوتكِ ومقاومتكِ له
وشعر بلطافة قلبكِ وروحكِ الجميلين،
لكن لا ترحميه ابداً.
متشوق لبقية الاجزاء ..