|  آخر تحديث يونيو 22, 2017 , 20:39 م

#روان سالم | تكتب: “لننتظر حتى تصفو العقول”


" روانيات "

#روان سالم | تكتب: “لننتظر حتى تصفو العقول”



اعتاد الكثير منا على خيبات الأمل المتتالية في حياته , سقطنا كثيرا , تعثرنا أحيانا , واستطعنا الصمود احيانا أخرى , هذه هي الحياة بتقلباتها وتغيراتها , وعلينا ان نعيشها بالطريقة التي نختارها نحن , ونشكلها بالطريقة التي تلائم حياتنا نحن لا حياة الآخرين . مقالتي اليوم هي بمثابة صفعة جائت لتوقظ الكثير منا من سباته العميق , ومن محاولاته الدؤوبة في أخذ القرارات السريعة التي غالبا ما تكون خاطئة بكل المقاييس . أولا انا مدركة تماما ان الحياة التي نعيشها ليست جنة , واننا حتما سنواجه العديد من المشكلات والسقطات التي لم تكن في الحسبان , والسؤال هنا , كيف نواجه هذه الحياة بتقلباتها المستمرة , وكيف لنا ان نعيش في خضم هذا العالم السريع المخيف وتحت ظل هذه السيوف القاطعة المسلطة على رقاب علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية ؟

 

سأسرد عليكم قصة رمزية أسطورية توضح معنى كلامي وتبين كيفية التعامل مع ضغوطات الحياة ومشاكلها . يحكى ان حكيما كان مسافرا مع جمع من أصفيائه وأتباعه من مكان لآخر , وبعدما ساروا لفترة من الوقت قرروا أخذ استراحة لبعض الوقت , وبالقرب من مكان الاستراحة بحيرة صغيرة فقال الحكيم لأحد الأتباع : اذهب الى البحيرة واملأ هذه القرب بالماء واحضرها لنشرب ونطبخ منها , فذهب الرجل الى البحيرة والكثير من الأغنام والأبقار تشرب من ذات البحيرة على مقربة ووجد الماء وقد غدا موحلا جدا , فعاد الرجل ليخبر الحكيم واصحابه ان الماء موحل جدا وغير صالح للشرب بالمرة . طلب الحكيم من الرجل ان يجلس ويستريح لبعض الوقت , وبعد ساعة او اثنين طلب منه ان يذهب مجددا الى البحيرة ذاتها وان يحضر الماء للشرب والطبخ , فذهب الرجل مسرعا , وحين أقبل كانت الشمس على وشك الغروب , وأمسى المكان هادئا جدا , فكانت المياه ساكنة وصافية هذه المرة بعد عودة الاغنام والابقار الى مئواها , واستقر الوحل والطين في قاعها , ليصير الماء صالحا للشرب , فملأ الرجل قربه بالماء وعاد الى سيده الحكيم وأصحابه . ملأ الحكيم كوبا من الماء ونظر اليه قبل أن يشربه فوجده صافيا للغاية فقال لأصحابه : هل رأيتم ما حصل ؟ لم يكن صاحبنا بحاجة لعمل أي شئ كي يصفو الماء , كل ما كان بحاجة إليه أن يجلس ليستريح بعض الوقت , وان يترك البحيرة ليصفو ماؤها وحده , وعقولكم كذلك تماما , حين تتعكر بضغوط الحياة ومشاكلها وحين يعصف بها الإحباط والقلق , وحين يشتعل بها الغضب من أمر ما اعترض سبيلكم , فمن الخطأ كل الخطأ أن يحاول الانسان ان يعمل شئ حينها , أو حتى ان يتخذ قرارا , كل ما يحتاجه في تلك اللحظة ان يعطي نفسه فترة من الراحة ليصفو عقله وتهدأ نفسه , وبعد حين ستنجلي الغمة وسيتمكن من الرؤية واتخاذ القرارات بشكل أفضل . هذه هي الحياة اما ان نعيشها بطريقة عقلاتية غاية في الدقة , اما ستهزمنا وتدهس علينا شيئا فشيئا حتى نختفي تماما. وهذه القصة تنطبق وبشدة على الحاصل في شبكات التواصل الاجتماعي هذه الايام , والتي تؤثر بشكل او بآخر على علاقاتنا الإجتماعية , بل قطعها أحيانا مع كل ” مسج “و تغريدة وايميل وتدوينة على الانترنت قد نقترفها دون حساب للعواقب ودون تمحيص وبلا تأن وتمهل , فإننا صرنا في حاجة لوقفة , بل لوقفات كثيرة للمراجعة , واتخاذ القرارات الصحيحة والتفكير مليا قبل الإقدام على اي خطوة خاصة في ظل هذا العالم شديد السرعة , وهذا الواقع الافتراضي الذي مازال في طور تقدمه وتطوره . نحن اليوم في أمس الحاجة الى ان يركد هذا الطين العالق في العقول وفي النفوس , حينها فقط سنصبح أكثر سعادة وأكثر راحة من ذي قبل , فلننتظر حتى تصفو العقول .


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com