نبض الامارات – الرباط
شهدت مدينة الرباط بالمملكة المغربية صباح السبت الماضي الموافق 11/4/2017، ندوة فكرية حول ” مستقبل المجتمع العربي في ظل التحولات الراهنة، والذي تنظمه مؤسسة الحرية الثقافية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية ومؤسسة هانا سايدل الألمانية بالمغرب.
افتتح الندوة كلا من الدكتور محمد سبيلا المدير الأكاديمي للمركز العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، والدكتور خالد عزب رئيس قطاع الخدمات والمشروعات المركزية بمكتبة الإسكندرية.
بدأ الدكتور محمد سبيلا كلمته مؤكدا علي أن الخلفية الأساسية لهذا اللقاء هو تعميق التفكير في المجتمع المدني من حيث تكوينه وأدواره وأدواته، حيث أن هناك تحول عميق نحو الفاعليات المجتمعية المتنوعة بعيدا عن الأشكال النمطية للهيئات الكبرى ومؤسسات الدولة، فالمجتمعات المدنية بالوطن العربي تواجه اختبارا محوريا بالنسبة إليّ دورها وتأثيرها، فيجب أن يكون لديها دائما تصورا شاملا من خلال تبنيها دورا تشكيليا وفعالا في أدوارها علي المستوي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فالأبعاد الكبرى والأساسية للمجتمعات المدنية تعد رافدا أساسيا للتحديث والنمو والتطور في مختلف المستويات، ودورها يعد أساسيا في منافسة الدولة من خلال تفعيل المجتمع وتوجيه الثقافة ودعم الاقتصاد.
وقد بدأ الدكتور خالد عزب مؤكدا علي أن هناك تاريخ طويل من العلاقات الوطيدة والقوية بين الشعبين المصري والمغربي، مستشهدا علي ذلك بأن أكثر من ستون بالمئة من سكان حي السيدة زينب بالقاهرة كانوا من العائلات المغربية، وما يقارب من خمسون بالمئة من سكان الإسكندرية القديمة كانوا من المغرب، بالإضافة إليّ أن هناك تأثرا قوية بالثقافة المغربية بمحافظة كفر الشيخ وصل حد التأثر بالمطبخ المغربي في الطعام، وذلك كله تناوله المؤلف القدير أسامة أنور عكاشة في بعض من أعماله الفنية.
كما أضاف أن المجتمع المدني كان له دوره الفعّال والرئيسي للحياة داخل المجتمع، فقد نشأت منذ القدم بعض العادات والأعراف عند المصريين ومثلت جزءا أساسيا من حياتهم ومنظما لها، كالقضاء العرفي والذي دائما ما يكون أنجز من القضاء العام في البت والفصل بين النزاعات والمشكلات التي كانت تنشأ بين الأفراد داخل المجتمع، والجمعية وهي عبارة عن التزام عدد من الأشخاص بدفع مبلغ محدد كل فترة محددة علي أن يتحصل كل فرد منهم علي تلك الأموال في دوره الذي تم الاتفاق عليه فيما بينهم، بالإضافة إليّ نقطة العروسين وهي تلك الأموال التي يقدمها الأهل الأقارب كمساندة مادية لهم في بداية حياتهم سويا.
واختتم حديثه مشيرا إليّ أنه يتم فرض النموذج الغربي للمجتمع المدني علي مجتمعات الوطن العربي علي الرغم من أن المجتمع المدني العربي يعد هو الأوقع والأفضل.
وقد بدأ الدكتور عبد الرحيم المغربي؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد عبد الله بفاس بالمملكة المغربية كلمته مؤكدا علي أن المجتمع المدني العربي يعيش ربيعا علي غرار الربيع العربي، وأكمل حديثه سائلا هل هناك موقف أكثر ارتباكا مما نحن فيه الآن؟ وهل المجتمع المدني الذي نتصوره ونتمناه هو الذي نعيشه اليوم أم المجتمع المدني لدينا يعيش لحظات البناء؟ ولماذا نحن في حاجة إليّ لقراءة المجتمع المدني؟ وهل هي مشروطة بالتربية؟ وأي دور ينتظر من المجتمع المدني اليوم؟.
كما أضاف أن هناك خمسة عتبات لابد وأن يخطوها المجتمع المدني من أجل التطور والفعالية وهم بالترتيب عتبة الإستشكال ثم الفهوم ثم العلاقة ثم التأويل ثم الإستجماع، فنحن نعيش الآن في صلب التحولات الكبرى داخل مجتمعاتنا العربية، ولابد من تخطي تلك العتبات لكي نتوصل إليّ مجتمع مدني قوي وفعال ومؤثر.
وأكمل حديثه مؤكدا علي أن المجتمع المدني هو الذي سيقوم بالأدوار التي لا تستطيع الدولة القيام بها، ويعتبر المجتمع المدني هي تلك المؤسسات الوسيطية التي تمنع عن الفرد شطط الدولة.
كما تطرق في حديثة للحديث عن الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وكيف حققت هذا التميز؟، وهل هذا التميز مرتبط بأجهزتها العسكرية والأمنية أم بالمجتمعات المدنية؟، مؤكدا علي أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في مجتمعاتها المدنية، ومن هنا يمكننا القول أنه لابد أن تكون قوة المجتمع المدني تفوق قوة السلطة أو توازيها علي أقل تقدير حتي تحدث تأثيرا ملحوظا في القرار.
وأضاف أن هناك ضروريات قصوي للمجتمع المدني داخل الوطن العربي كالضرورة إنسانية والضرورة التنموية والضرورة التنسيقية والضرورة الترافعية، مختتما كلمته مؤكدا علي أهمية القيم الإنسانية كالحرية والمساواة والمشاركة ودورها في تطور وفعالية المجتمع المدني، مؤكدا أيضا علي أنه لا ينبغي أن ننسى بأن الاجماع يقتل الديمقراطية، فنحن في حاجة إلى ثقافة الاختلاف وثقافة الممانعة وليس إلى ثقافة التواطؤ.
وأكد الدكتور خالد عزب خلال كلمته الثانية عن الوقف والمجتمع المدني في العالم العربي علي أن السلطة في المجتمعات العربية ليست سلطة واحدة وإنما ثلاث سلطات، أولاهم سلطة الدولة التي تعتبر هي المسئولة عن الأمن والأسواق وتوفير الخدمات والصناعات، ثم تليها سلطة المجتمع والتي تعتبر هي المسئولة عن الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والتي أيضا كانت تنطلق من منطلق الحرص علي سلامة وكرامة الفرد أيا كانت ديانته أو عرقه، وأخيرا سلطة الحارة وتلك هي التي تناولها نجيب محفوظ في فيلمه الفتوة، من خلال طرحه لفساد سلطة الفتوة داخل المجتمع وكيف ثار المواطنون عليه وعلي ظلمه واستبداده.
كما أضاف أن مؤسسة الوقف تقوم علي وقف منشأ أو أرض زراعية أو ريع تجاري، وقد أعطي العلماء المسلمين قوة لتلك الأوقاف، واعتبروا أن هذا الوقف مثل النص المقدس لا يجوز المساس به، فالوقف بهذا المعني يعتبر شخص اعتباري عام، مع التأكيد علي أن الواقف يخضع لرقابة صارمة من قبل القضاء، فالأزهر والقرويين عاشوا قرونا بدون الحاجة إليّ الدولة، فقد كان استقلال الأزهر حافزا كي يشغل دورا في الحياة السياسية المصرية وان يقف أمام الولاة بل يصل الأمر إلى عزل بعض الولاة عن الحكم، وكيف تطور المجتمع المدني من خلال الوقفيات في مصر، في العصر المملوكي، إلى أن أصبح يساهم في اتخاذ القرار.
كما تحدث عن المجتمع المدني قديما وكيف كان يعتبر أنه من العيب يدفع المريض مالا نظير دخوله للعلاج داخل المستشفى، وكان أيضا يهتم بشأنين مهمين هم التعليم الطبي والبحث العلمي، فالمستشفى القلووني كانت من مهامها الرئيسية دراسة الأمراض دراسة دقيقة وعميقة بحثا عن علاجا لها، فكانت تعتبر أول مستشفى في المنطقة العربية للعلاج الكيميائي، وكانت تلك بمثابة نقلة عربية في مجال الطب، بالإضافة إليّ أن الواقف قديما كان يأمر بإرسال الطعام للمريض بمنزله مجانا استكمالا لعلاجه، حيث أنه اعتبر الطعام جزءا من العلاج، كما أنه خلال تلك الحقبة الزمنية تعددت التخصصات الطبية كتخصص الأمراض العصبية وأمراض قرنية العين والأمراض الباطنة والجراحات الدقيقة.
كما أضاف أن مدينة فاس المغربية لطالما كانت مثالا أعلي للوقف في الحضارة الإسلامية، وتمثل ذلك في عدة أشكال مثل وقف العروسة اليتيمة ووقف دار الشيوخ ووقف المطلقات ووقف المطابخ العامة.
واختتم كلمته مؤكدا علي أنه قديما كانت سلطة المجتمع تمتلك قدرا كبيرا من القوة والتأثير وهو ما أهلها لمشاركة السلطة في اتخاذ القرار، وكان ذلك بمثابة تحول نوعي في نقل السلطة.
وقد بدأ الدكتور حسن طارق؛ أستاذ العلوم السياسية حديثه مؤكدا علي أن أحداث 2011 هي أحداث مفصلية في تاريخ المجتمعات العربية، وما نعيشه اليوم عبارة عن ارتدادات لما وقع، فالتغييرات المدنية التي بدأت في العالم العربي منذ انهيار جدار برلين ساهمت في انفجارات وتحولات وثورات 2011.
كما أكد علي أن الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان مقولات أنتجت في ظل دينامية المجتمع المدني العربي، وساهمت في أن توصل الساحات العامة العربية إلى تبني وتملك هذه المفاهيم، وما حدث سنة 2011 هو نتيجة حضور مدني على وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيمات حقوق الانسان وديناميات مدنية مثل حركة كفاية ونقابية مثل الاتحاد العام للشغالين بتونس.
كما أضاف أنه من الأسباب الرئيسية لهشاشة الثورات العربية هو أن كثير ممن يتحدثون اليوم باسم المجتمع المدني هم عبارة عن امتدادات للسلطة كآلية تابعة لها في تنفيذ مشاريعها وبرامجها، مما أضعف دور المجتمعات المدنية وأفقدها فاعليتها حيث أصبحت تابعة لأجندات محددة من قبل السلطة.