|  آخر تحديث أكتوبر 10, 2016 , 0:30 ص

« حتي تكون قمراً »


« حتي تكون قمراً »



القمـر .. هذا الجرم السماوي المضيء بحب بغير ذاته
وصنع الله الذي أتقن خلق كل شيء والقمر بنوره وضيائه
هذا النور المتكوّر ضيائه في سماء أرواحنا كلما لامسنا قربه ووجوده
هذا الحب المتلألئ وجوده في عتمة آلام قلوبنا وهمومنا
هذا العطاء المتدفق من السماء ليرسم البِشر َ في قلوبنا، مُقلنا وذلك الجانب الروحي منّا
وأثر النور النقي الذي يتركه كبريق ٍ يتهاوى كأنجم السماء من ملامحنا وابتساماتنا
القمـر .. تلك البهجة التي تحتوينا برؤيته مرافقا مشرقا لكل أحلامنا وآمانينا
وذلك الإطمئنان الذي يتملكنا بوجوده كلّما لهجت ضمائرنا بلهفة ٍ إلى خالقنا وبارينا
وتلك المودة التي يغلفها كل ليلة من السماء ويرسلَها الينا لتشاركنا قسوة ليالينا
قدرة الله في بديع الخلق والصنع، وحكمته في جميع صوره وأطواره
القمر .. هذه النعمة التي أهديت إلينا من رب الأرض والسماء؛ لتنير الأرض والسماء وكل حلم وأمنية في سماء كل نفس وقلب وروح ودعاء.
هذه النعمة التي أهديت من رب الأرض والسماء؛ لتطرب أفئدتنا كلمّا رايناه شكرا ً وحبا ً لخالقه وخالقهما.

أن تكون قمراً منيراً ليس بالأمر المستحيل
أن تكون جُرما صغيرا قد انطوت فيك جُل ُّ العوالم الكبيرة ليست بالأمنية البعيدة
أن تكون جُرما أرضيا مضيئا ً بسلام بغير ذاتك ومصدر نورك والهامك هو الله ليس بالحلم الخيالي المبالغ فيه
أن تكون قمرا ً, نورا ً، بِشرا ً، ضياءا ً، حُبا ً ، قنديل عطاء ٍ وشعلة أمل لك ولغيرك بل للجميع ليس أبدا بالأمر المستحيل
فحتى تكون قمرا ً لا بُد َّ من أن تجعل من روحك روحا تقطن القمر
والقمر مُختزل ٌ جوفها وكافة أجنُحها
أن تكون قمرا يعني أن تكون جُرم خير ٍ يمنح الحب للآخرين
أن تكون نورا ً يضيء عتمة آلام المحبين
أن تكون بِشرا يتلألى وسامه في ملامح الضعفاء والمساكين
أن تكون تكون ضياءاً يهتدي به من هم في الظلام تائهين
أن تكون أسوة ً حسنة ً لك ولغيرك من المحسنين
القمر لا يعلوا السماء ويزينها وحسب
القمر مخلوق كمثلك
القمر لا يكبُر النجوم ويضاهيها ضياءا ً وجمالا ً وحسب
القمر لا يدخل في مجال الأرض والشمس مستديرا ً مكتملا ً تارة ً ومُنتصفا ً تارة ً أخرى عن عبث ٍ وعدم دراية؛ ففي كل مخلوق آيه ولأطوار القمر المختلفة ألف حكمة وغاية
فالقمر يعلّمنا أن لا شيء يبقى على حاله؛ حتى في ذاته وضيائه, واكتماله ونقصانه وحتى في اختفائه .. وان لا شيء يدوم للأبد؛ فحتى نوره يتوارى أياماً تارِكا إيّانا من جديد على أمل رؤية بدره وهلاله
أجمل ما في القمر وأجمل ما بإمكانه تعليمنا إيّاه هو أنه يتغير ويتبدَّل
وتختلف أطواره ُ يوما عن الآخرويقل أو يزيد في ضيائه حسْب َ الحاجة والقدر وحسب موقعه بين الشمس والأرض ويبقى مع كل ذلك في كل طور ٍ متربّعا تحت مسمّى القمر.
يعلّمنا بأن الحب لا يفنى ولكنه ليس كقواعد الفيزياء فإنه كذات القمر يتغيّر, يتحوّل من شكل الى آخر وتتبدل أحواله من طور ٍ إلى آخر؛ كحاله ِ وهو َ تارة ً مُحاقاً ,هلالاً, أحدباً وبدراً
كحال البذور إن أحسنت زراعتها أسعدتك بعطائها
كحال الغيوم الماطرة ؛ ما إن امتلأت بكثيف بخارها حتى أمطرت عليك فيضا ً من خيرها
وكذلك القمر؛ يبقى قمرا مهما تبدلت أحواله وتغيّرت أطواره , ساكنا ً لا يتنازل عن سمّو موضعه ومكانه  وغير متناقص في جمالياته
كما الإنسان القمر
الذي مهما تبدل وتغيرحسب المواقف وأحوال الغير المختلفة والغير متزنه تراه في كل حال ٍ يتملّكها في ذات المستوى من جمال الأخلاق ورفعة الآداب
ومهما تقافزت النجوم من حوله علّوا تارة وانخفاضا تارة أخرى تراه لا يأبه الا بإتزانه وسمو ذاته؛ لتيقنه بأن ضيائه وجماله لا يعتمد عليها وأنها مهما اعتلت عليه يبقى هو مُجمِّلها وأجملها
وأنها بعد برهة من الزمان سينقضي نورها وسيختفي من فوره بريقها ولمعانها
وأن النجوم مهما بالغت في عدم اتزانها يبقى في اتزانه مرجعا مركزيا لها
هذا هو القمر! وهذا هو الإنسان القمر!
فأن تكون قمرا لا يعني أبدا بأن تكون قنديلا يقطن الأعالي يضيء بوقود الآخرين ساكنا في موضعه لا يسأل بضياء من حوله ولا يبالي،
فلطالما فُتنت أبصارنا بضوء القمر ولطالما ما تمنينا أن نكون مكانه أو نكون مثله في جمال ذاته
وبالفعل لا شـيء أجمل من أن يكون الإنسـان قمـراً منيـراً في سمـاء أحبّائه
وضيـاءاً لامِعـاً فـي قلوب أعزّائِـه..
وبِشـراً ينشـر الأمـل والسعادة بيـن أرواح الآخرين..
ثـابت ٌ في اتزانه لا يتبدَّل ولا يختل مستواه!
ويبقـى مهما تبدّلت أطواره قمراً مشرقاً جميلاً في جميع ِحالاته!
وليـس لحالة ٍ له تفضيل عن الأخـرى سوى أنه يتبدَّل من جميلها إلى أجملها وأروعهـا..
عذباً في كلامـه..
دافئـاً صادقاً في معاملاته..
حسَناً في حضوره وغيابـه..
متزناً شامخاً بأخلاقه وصفاتـه..
متواضعـاً مهما اعتلا بموضعه وكبريائـه..
مُطيعـاً نائباً دوماً لخالقه الذي سخّـر له ضيـاءاً يستضيء عليه ويضيء به ذوات الآخرين ممن يستضيؤون به وذاته..
قمـراً ذا قلب ٍ نيّـرٍ بالحب؛ لا ينطق الا بالحب ولا ينظر الا بحب!
ومـا إن ذُكـر في مجلس ٍ بين خلّانه حتى فاحت من بين أجنبهم عبق ورائحة البِشر والحب!
الإنسـان ذا قلب القمـر؛ هو إنسـان الخير وفطرة السعادة..
حتّـى في غيابه وإن كان محاقاً في طوره؛ فمـا طور ُ مُحاقه ِ الا طور ُ إختفاء ٍ يسير ٍ يستضيء به بذاته من نور خالقه ويشحـن به همته ُ ليعود َ هلالاً كَ سابق عهده وحياته، ليعـود َ نقـاءاً منيـراً الى حيـاة كل من ينظر اليه كل ليلة عند كل مسـاء على أمل انسجام أرواحهم وذواتهم برونقه وذاته
فأن تكون قمرا ليس بالأمر المستحيل ولكن ..
ولكنه أمر ٌ يتطلب الكثيـر من حب الذات والسمو والرفعه، والكثير أيضاً من الصبر والحكمة، والإتزان والقدرة على منح النور والضياء بذلك القدْر الذي يتطلبه كل موقف ٍ وأمر
القمر لم يخلق فقط لمنح النور
القمر خلق أيضا لإدخال السعادة الى النفوس والصدور
خلق القمر لنتدبر, لنتيقن ولتهدي به الأفئدة والعقول
خُلق القمر ليجعل منّا بشرا لا يهتدون الا بنور الله
ولا يثقون الا بما خلق وأبدع الله
خُلق القمر لنتفكّر, لنحبِّ أنفسنا ولنضيئها ولنكون دوما بحال أجمل وأفضل
ولنتذكّر بأن لا شيء يبقى على حاله فكل شيء يتغير
وأنه وبالرغم من ذلك بإمكاننا وبكل حالاتنا أن نكون مضيئين كالقمر؛ الأرقى والأجمل دوماً.

 

بقلم الكاتبة: رنا مروان – ( الأردن )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com