ابتكر الدكتور أحمد صالح المرزوقي رئيس قسم الشريعة بمجموعة شركات موارد للتمويل أخيراً أول قناة تمويلية رقمية ذكية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، تُمَكِّن المتعامل من الحصول على احتياجاته التمويلية عبر تطبيق هاتفي ذكي، في غضون دقيقتين من الوقت فقط.
وقال الدكتور المرزوقي في تصريحات خاصة للبيان الاقتصادي إن النمو الهائل لسوق التجارة الإلكترونية في الدولة الذي بلغ حجمه في 5.1 مليارات دولار في العام الماضي جعل للتجارة الإلكترونية مركزاَ اقتصادياً عالمياً، ودفع المصارف للتنافس عن منتجات تمويلية تخدم ما عليه الناس اليوم من نمط حياة إلكترونية، وفي الوقت ذاته توفر رافداً ربحياً للمصارف، مشيراً إلى أن التطبيق يصب مباشرة في المعيار الرقمي، أحد ركائز مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، كما أنه يدعم توجه حكومة دولة الإمارات اليوم نحو التحول إلى الحكومة الذكية.
وتوقع المرزوقي أن يتم إصدار التطبيق الذي لايزال في مرحلة التجربة – بشكل تجاري قابل للتطبيق في المصارف الإسلامية قاطبة – قبل نهاية العام الحالي وذلك بعد التأكد من قيامه بمهامه المحددة بشكل مثالي. وأضاف: «تم تصميم التطبيق ليكون ملائماً للمنتجات التمويلية القائمة على صيغتي المرابحة والإجارة المعينة، التي تشكل أكثر من 80% من المنتجات التمويلية، وعليه يمكن من خلال التطبيق تلبية حاجات الناس كالسيارات والبضائع، والخدمات والمنافع الأخرى كالسفر والعلاج والدراسة والسكن، وما يميز التطبيق كذلك أنه قابل للتطوير ليشمل جميع الصيغ الشرعية الأخرى متى وجدت الآلية الصحيحة لتطبيقها رقمياً.
وأضاف المرزوقي:«يعتبر التمويل الرقمي عبر التطبيق الهاتفي نمط تمويل عصري يلائم واقع حال الناس اليوم ويواكب تطور أسلوب حياتهم، فلابد للقطاع المالي المصرفي أن يجاري هذا التوجه بتقديم كافة الخدمات المصرفية الرقمية وعدم الاكتفاء فقط بتحويل الأموال ودفع الفواتير!، وأطمح حقيقة إلى إيجاد شراكة حقيقة بين شركة موارد للتمويل ومركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي وواحة دبي للسيليكون، والمركز العالمي للاقتصاد الإسلامي بدبي والتي ترعاه سلطة المنطقة الحرة بمطار دبي، إلى جانب مركز الشارقة الإسلامي لبحوث ودراسات التمويل والاقتصاد».
وأشار الدكتور المرزوقي إلى أن المتابع لعالم المصارف، يلاحظ أن التنافس اليوم يتركز حول ابتكار منتجات تمويلية تضمن سرعة حصول المتعامل على التمويل اللازم، لافتاً إلى أن هناك بنوكاً تسوّق لمنتجاتها التمويلية، بأنها تلبي حاجة المتعامل خلال يوم عمل واحد فقط، فيما تأتي مصارف أخرى لتطرح منتجات تمويلية، تلبي تلك الحاجة خلال ستين دقيقة، مؤكداً أن الدراسة التي حصل بها على درجة الدكتوراه تضمنت تطبيقات واقعية لتجارب تمويلية تتم خلال أقل من دقيقتين.
وأضاف:«إن الرسالة تصب في حقل التجارة الإلكترونية، حيث تعتبر دولة الإمارات الأولى خليجياً في حجم التجارة الإلكترونية، كما أن الدراسة جاءت لتدعم المعيار الرقمي، الذي تتبناه حكومة دبي كأحد المعايير السبعة التي أطلقها مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، وذلك ضمن مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، وذلك أن التطبيق يعرض نظاماً مصرفياً إسلامياً، يعكس إمكانية استغلال الأجهزة الهاتفية الحديثة لتكون مصرفاً للمتعامل يحمله في جيبه أينما ذهب ويلبي حاجته التمويلية متى ظهرت، وهذه الدراسة تعطي هذا المعيار واقعاً عملياً يمكن أن تتميز به دبي عن منافسيها من العواصم الاقتصادية الأخرى».
وحول أهم الإشكاليات الشرعية التي يجب معالجتها عند طرح مثل هذا النوع من المنتجات، قال المرزوقي من الضروري التأكد من الفصل بين ضمان المصرف وضمان المتعامل الوكيل في حال توكيله وذلك بتخلل مدة بين تنفيذ الوكالة وإبرام العقد مع المصرف، كما يجب تحديد لحظة انتقال ضمان محل التمويل من المؤسسة التمويلية إلى المتعامل وذلك بشكل دقيق دفعاً لأي نزاع مستقبلاً وتأكيداً لحقيقة العملية التمويلية وعدم صوريتها، ومن الإشكالات الشرعية التي تطرأ على التمويل الرقمي كذلك أن تحتوي قائمة المشتريات المطلوب تمويلها على سلع محرمة حتى لا يدخل المصرف في إشكاليات شرعية قد تتطلب إنهاء التعاقد أو صرف أرباح العملية للخيرات، ومن الإشكالات كذلك أن يكون محل التمويل سلعة تم استهلاكها أو ديناً في ذمة المتعامل لجهة معينة يريد سداده».
وحول الكيفية التي عالجت فيها المصارف تلك الإشكالات، أشارالمرزوقي إلى أن المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامي تنبهت لتلك الإشكالات الشرعية واتخذت إجراءات من شأنها ضبط تلك المنتجات التمويل ومنع الخطأ فيها، فقامت بتصميم منتجات التمويل الرقمي بحيث تضمن التسلسل الصحيح للعملية مع منع التلاعب فيها، إضافة إلى ضبط العملية من خلال صياغة إجراءات المنتج بشكل دقيق، وضبط العلاقة بين المصرف وشركائه في المنتج التمويلي سواء كانوا أفراداً أو شركات، أضف إلى ذلك طريقة ضبط القناة التمويلية بما يمنع التلاعب فيها وبما يضمن التسلسل الصحيح للعملية.
وقال: «أي منتج مالي إسلامي يقوم على أعمدة ثلاثة هي الجانب المحاسبي والقانوني والشرعي وعند الحديث عن التطبيق الرقمي فإن هناك ركنين آخرين هما الجانب التقني والأمني، فالتكامل بين هذه المنظومة لابد منه حتى يظهر المنتج بالصورة الصحيحة بعيداً عن أي ثغرات، وبما أنني ركزت ابتداء عند ابتكار المنتج على ضبط المنتج من الجانب الشرعي، فإن المنتج يخضع حالياً للتطوير من الجوانب الأخرى تلافياً لأي عيوب قد تظهر لاسيما الجانب الأمني، فوجود نظام أمني ذو كفاءة عالية لابد منه قبل طرح المنتج للجمهور».
حصل المرزوقي أخيراً، على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة الشارقة، وذلك عن أطروحته بعنوان «التمويل الرقمي دراسة نظرية تطبيقية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية»، والتي تناولت التمويل الرقمي باعتباره نمطًا تمويليًا جديدًا تنافست المصارف الإسلامية على طرحه، استجابة للتطور المستمر الذي تشهده حياة الناس، وتماشيًا مع التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي. وتكونت لجنة المناقشة من الدكاترة علي الموسى، ومحمد سلطان العلماء، وإسماعيل العيساوي، وحسن الرفاعي.