في شهر آب من عام 1947 احتفلت باكستان بإستقلالها عن بريطانيا ولحقتها الهند في اليوم الثاني بالاستقلال عن التاج البريطاني وذلك بعد انسحاب بريطانيا من بلد تعتبره درة تاجها الامبراطوري وخلفت وراءها دولتين مستقلات هما الهند العلمانية ذات الاغلبية الهندوسية وباكستان الاسلامية، ومن هنا نبدأ بالعودة للجذور التاريخية بين البلدين في عام 1858 تم اخضاع الهند للحكم البريطاني وكان عام 1920 عاماً تم فيها اندلاع حركة استقلال الهند بزعامة غاندي وهذا الحركة قامت على دعوة غاندي الهنود من جميع طبقات المجتمع الهندي والاديان الى الاحتجاج غير العنيف وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطاني والذي تضمن مقاطعة البضائع البريطانية ورداً على ذلك اعتقل البريطانيون غاندي بتهمة التحريض وإثارة الفتنة ، وبعد ذلك سافر غاندي في عام 1931 الى لندن لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة كممثل وحيد للمؤتمر الوطني الهندي وقدم صورة قوية عن بلاده ووقتها لم تكن بريطانيا مستعدة لمنح الهند استقلالها ولم يدعم كثير من المسلمين والسيخ رؤية غاندي الخاصة بالهند كبلد واحد وعلى هذا الاساس قدم غاندي استقالته من حزب المؤتمر واعتزل الحياة السياسية لكنه بقي مواصل في حملته من أجل المساواة الاجتماعية لصالح “الداليت” وهي الطبقة المعروفة باسم “المنبوذين”، وأجبرت قدرته على تعبئة الجماهير ونهجه السلمي الثابت السلطات البريطانية على التفاوض ،اذ تحققت أهداف غاندي عندما أضعفت الحرب العالمية الثانية قبضة بريطانيا على إمبراطوريته والتي قررت إنهاء وجودها في شبه القارة الهندية وتسليم السلطة إلى إدارة هندية ، وكانت الخلافات مهيمنة آنذاك بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح، كان نهرو زعيم حزب المؤتمر وكان معارض لمبدأ تقسيم البلاد على أسُس دينية لكن محمد علي جناح زعيم عصبة مسلمي الهند والذي أصبح حاكماً عاماً لباكستان عقب التقسيم كان مصرًا على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم، وبعد ان تأكد جناح ان هناك تهميش ضد المسلمين من قبل حزب المؤتمر الذي يؤكد على قيمة العلمانية فقرر محمد جناح ان ينفصل عن حزب المؤتمر بعد ان كان عضواً فيه وتشكيل العصبة الاسلامي، واصبح هناك خلافات ومواجهات بين الحزب والعصبة وبنائاً على ذلك بعثت بريطانية وفداً لحل الازمة بينهم ونقل السلطة الى إدارة هندية واحدة حيث حمل الوفد وقتها خطة تقترح اتحاداً فيدرالياً من 3 مستويات يتمثل في حكومة مركزية في دلهي تقتصر اعمالها على الشؤون الخارجية والاتصالات والدفاع والشؤون المالية المطلوبة لرعاية وتقسيم شبه القارة الهندية إلى 3 مجموعات رئيسية من المقاطعات المجموعة تشمل المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية والمقاطعات الوسطى والمناطق التي شكلت الهند حاليا، ومجموعة تشمل المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة في البنجاب والسند والحدود الشمالية الغربية وبلوشستان المناطق التي شكلت باكستان حالياً، ومجموعة ثالثة تشمل البنغال ذات الأغلبية المسلمة التي اصبحت باكستان الشرقية وفي عام 1971 استقلت باسم دولة بنغلاديش ،وقد وافق محمد علي جناح وقادة مؤتمر حزب المؤتمر الهندي على مقترحات الوفد البريطاني، لكن سرعان ما أعلن نهرو في أول مؤتمر صحفي له لدى إعادة انتخابه رئيسا لحزب المؤتمر أنه لا يمكن لأي جمعية دستورية أن تكون ملزمة بأي ترتيبات دستورية مسبقة ،وقد قرأ جناح ملاحظات نهرو على أنها رفض كامل للخطة والتي كان لابد من قبولها بالكامل من أجل نجاحها وقد عقد جناح بعد ذلك مؤتمرا للعصبة التي سحبت موافقتها السابقة على خطة الاتحاد الفيدرالي وبدلا من ذلك دعت لقيام “الأمة الإسلامية وإطلاق التحرك مباشر في منتصف أب من عام 1946 لتحقيق هذا الهدف، وبذلك بدأت حرب أهلية دموية في الهند حيث أدت أعمال الشغب والقتل بين الهندوس والمسلمين التي بدأت في كالكوتا إلى إرسال شرارات قاتلة من الغضب والجنون والخوف إلى كل ركن من أركان شبه القارة الهندية ،وجدت بريطانيا ان لا خيار سوى تقسيم البلاد بدلاً من المخاطرة بمزيد من المفاوضات السياسية كما قرر أنه من الأفضل أن تتم عملية انسحاب القوات البريطانية من الهند بسرعة، وقد أقر البرلمان البريطاني عام 1947 قانون استقلال الهند وأمر بترسيم حدود الهند وباكستان وتم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين، وهكذا تم تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم التي تم دمجها بطرق لا تعد ولا تحصى لأكثر من قرن.
اشتعلت الأمور في كشمير وانطلقت الشرارة التي التهم لهيبها فيما بعد المنطقة كلها في ثلاثة حروب دامية، لجأ هاري سينغ إلى الهند للقضاء على التمرد المسلح مقابل وعد الانضمام ودعمت باكستان في المقابل المتمردين أملاً في الاستيلاء على كشمير، ومن هنا رسمت خطوط المواجهة بين الدولتين في الإقليم ذا الجمال الطبيعي والموقع الاستراتيجي، إذ أدخلت باكستان قواتها الرسمية ومسلحون بشتون إلى كشمير، فيما تولت القوات الهندية مهمة الحفاظ على حكم المهراجا، ومع انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الهدنة بين الجانبين كانت المناطق الشرقية والشمالية، والتي تشمل غيلغت وبلتستان وميربور تحت سيطرة القوات الموالية لباكستان، بينما نجحت الهند في الحفاظ على جامو ولداخ وأجزاء كبيرة من وادي كشمير.
ميدان كشمير مستعر دائماً
هدأت الأوضاع في كشمير موقتاً، وجلس القادة على طاولة الحوار، صمتت البنادق وبقيت مشاعر الغضب مكتومة في قلوب الكشميريين. في الأعوام المقبلة ومع امتناع الهند عن قبول قرارات الأمم المتحدة بإجراء استفتاء شعبي حول مستقبل المنطقة، عادت التوترات مجدداً، لا سيما في ظل محاولات باكستانية طامحة لاسترداد المناطق التي تقع تحت سيطرة الهند عام 1965 مستفيدة من حال الانهاك التي أصابت دلهي بعد حربها مع الصين عام 1962.
باءت محاولات باكستان بالفشل، وبدأت الهند حملة انتقامية شرسة على طول الحدود الباكستانية لتبدأ حرب أخرى بين الدولتين استمرت 17 يوماً وانتهت بمقتل آلاف الجنود من الجانبين. حرب 1965 لم تكن مختلفة عن حرب 1948 في عدم حسمها لقضية كشمير التي بقيت عالقة بين دعاوى الطرفين.
المفارقة العجيبة هي أن كشمير الباكستانية كانت أكثر استقراراً من الناحية الأمنية والسياسية على رغم التغييرات المتكررة في الحكومة المركزية في باكستان، بخلاف كشمير الهندية التي شهدت تحولات سياسية وانقلابات وخلافات الأحزاب المحلية مع الحكومة المركزية على رغم استمرارية النظام السياسي في الهند.
إحدى نتائج الاضطرابات الداخلية في كشمير الهندية كانت صعود المطالبين بالاستقلال وضلوعهم في أعمال عسكرية ضد أفراد الأمن، لا سيما بعد شبهات حول تزوير الانتخابات الإقليمية بكشمير عام 1987 ضد الجماعات الإسلامية، ومع انتشار حال التمرد هناك بدأت باكستان بتسليح ودعم تلك الجهات ضد الإدارة الهندية.
تتهم نيودلهي إسلام آباد بالوقوف خلف الهجمات الإرهابية في كشمير. وعلى رغم تراجع باكستان عن سياسة تسليح ودعم الانفصاليين في كشمير بعد ضلوعهم في هجمات على رؤساء باكستان مطلع القرن الواحد والعشرين إلا أن الهند ما زالت تحشد الدعم الدولي ضد جارتها وتتهمها بدعم العمليات العسكرية الإرهابية العابرة للحدود.
هجوم بولواما وإلغاء الحكم الذاتي
في ظل محاولات الحكومة الهندية لتسوية القضية لصالحها، حدث هجوم كبير على قوات الشرطة الاحتياط في مقاطعة بولواما في كشمير الهندية، وكاد الهجوم أن يتحول إلى حرب أخرى بين باكستان والهند، لكن الأطراف الدولية تدخلت لتهدئة الأوضاع بعد غارات هندية داخل الأراضي الباكستانية من جهة وإسقاط باكستان لطائرة حربية هندية وأسر طيارها من جهة أخرى.
وبعد تهدئة الأوضاع استمرت الهند في سياستها لخلق واقع جديد ينهي أي نقاش حول علاقة كشمير بالهند وألغت في خطوة غير مسبوقة الحكم الذاتي لإقليم كشمير في 5 فبراير (شباط) 2019 واعتقلت في اليوم نفسه جميع القادة السياسيين في كشمير الهندية وأغلقت الإنترنت والهواتف المحمولة وخطوط الهاتف الثابت.
الهجوم الأخير على السائحين جاء في هذا السياق، إذ مثل تمزيقاً للحالة الطبيعية التي رسمتها الهند في أعقاب إلغاء الحكم الذاتي في المنطقة. واتهمت الهند هذه المرة أيضاً إسلام آباد بالوقوف خلف الهجوم وأعلنت تعليق العمل بمعاهدة تقسيم مياه الأنهار التي حافظ عليها الجانبان حتى أثناء الحروب، كما خفضت تمثيلها الدبلوماسي وألغت تأشيرات الزائرين الباكستانيين.
من جانب آخر ردت الحكومة الباكستانية بإجراءات مماثلة وأعلنت أن قطع المياه ستعدها إسلام آباد إعلان حرب، كما أغلقت حدودها الجوية أمام الطائرات الهندية.
نوصل إلى أن قضية كشمير تعتبر قضية من بين القضايا المتنازعة عليها في القارة الآسيوية بين الهند وباكستان والتي دارت حولها العديد من الصراعات منذ ظهورها عقب استقلال شبة القارة الهندية عن التاج البريطاني والذي أعطى الامارات التي كان يحكمها في تلك الرقعة الجغرافية حق تقرير مصيرها بحسب رغبة الشعب بالانضمام إما للهند أو لباكستان، لكن هذا الإقليم قدر له أن يقاسي الويلات بسبب تضارب الرأي بين حاكم المنطقة والشعب الأمر الذي أقحمها في صراعات غير متناهية منذ سنة 1947م ، والتي شهدت فيها أول حرب ومروراً بالتجارب النووية التي قامت بها الهند وباكستان إلى الفترة الراهنة، فهي تعد أول قضية رفعت إلى هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها وتسارعت هذه الأخيرة للبحث عن حلول لتسوية النزاع حولها بين الأطراف المتنازعة بشأنها، غير أن استمرار الموقف الهندي في الرفض لجميع الاقتراحات التي قدمتها وكذلك جهود الوسطاء الدوليين بما فيها إجراء الاستفتاء الشعبي الذي من خلاله سيقرر شعبها مصيره جعل المسألة تظل معلقة وبدون حل، وفي مقابل ذلك ترى الهند بأن هذه القضية يجب أن تحل بينها وبين باكستان في إطار اتفاقية ثنائية ولا حاجة لتدخل طرف ثالث في القضية. ،اذ ان كل هذه المبررات التي تقدمها الهند تنذر بأن المنطقة سوف تشهد العديد من الحروب خاصة النووية في المستقبل إذا لم يحسم في تسوية النزاع حولها.
بقلم: فاتن الحوسني
ماجستير في الشؤون الدولية
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية