كثيرة هي الأفكار التي تزاحم يومياتِ حياتنا، تريدُ أن تنبت كشجرةٍ أو وردةٍ في سجلِّ شخصيتنا، تنتظرُ منا حركة وجهدًا من هنا وقليلَ همة من هناك، لتنير الطريقَ لنا، أو ربّما لمتعثرٍ أو منتظرٍ لشعلة أملٍ، ونحن نحاولُ بين فينةٍ وأخرى أن نترك العَنان لها؛ لتأخذ حظها في عقولِ الناس، وفي سطور الكتب، أو بين الأمور الإبداعية في حياتنا، وتارة يحولُ صخبُ الحياة بيننا وتحقيق ذلك!! ونحاول – عبثًا – أن نقنع أنفسنا بأنَّ الغدَ سيكونُ فيه المزيدَ من الوقتِ لإنجازِ ما نريد!
وللأسف فإنّنا جميعًا نقف في لحظة فاصلة من حياتنا لنواجه الحقيقة التي تخبرنا بأنّ الأمس ذهب بكلّ ما فيه، ولن يعود ثانية، ولنا فقط السّاعة الّتي نحن فيها، كما قال الشاعر:
ما مضى فات والمؤملُ غيبٌ
ولكَ الساعة التي أنت فيها
وإذا وقفنا على سيرة الكثير من العظماء الذين تركوا أثرًا خلفهم إنّما وصلوا لما كانوا عليه بصدق عملٍ وثقة مطلقة بأنفسهم وإيمانًا منهم بضرورة العمل حتى الرمق الأخير من حياتهم، فربّما كان آخر عمل ينجزونه فيه الخير للبشريّة جمعاء، أو نجاة لحياة مجتمعهم.
ولعلّ هذا ينسجم مع حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم:” إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل”.
فالإنسان الذي أكرمه المولى بكياسة عقلٍ عليه أن يقتنص الفرصَ ويسعى دون كللٍ؛ لتحقيق ما يصبو إليه، منطلقًا من أنّ لدى كلِّ واحدٍ فينا قدرات كامنة، لا تظهر إلاّ حين تتزاحم الضغوطات، ويدرك أنّ عليه أن يفارق الحياة وقد حقق أغلب ما يريده، فكم من فلاسفة وعقلاء تكاسوا عن كتابة أفكارهم فجاء الموتُ وذهب معهم الكثير والكثير من أمور، كان لها أن تغيّر مجرى الأحداث!
عودة على بدْءٍ والعنوان إذا أنّه مقتبسٌ من عنوانٍ لكتاب اسمه” مت فارغًا” من تأليف “تود هنري” ويتحدث فيه أنّ أغنى مكان في الدنيا القبور نظرًا لما تحتويه من عقول وأفكار لأناسٍ لم يترجموا ما فكّروا فيه، فبقيت حبيسة عقولهم وماتت معهم، لذا يجب على الإنسان ألّا يموتَ إلاّ وقد كتب وأنجز كلّ أو أغلب ما لديه من أفكارٍ، وإبداعاتٍ.
ختامًا: كم هو جميل أن يموت الإنسان فارغًا؛ ولكن بالمعنى الإيجابي للعبارة، فيكون قد أنجز أغلب ما يمكن فعله، وقد ملأ وقته بكلّ خيرٍ ونفع، أن يموت فارغًا من الشر، فارغًا من كلّ أذى، وقبل كلّ شيء أن يموت لا له ولا عليه.
بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى
كاتب وأكاديمي