يُصادف يوم السبت 8 يوليو مرور 500 يوم بالضبط على بداية الحرب في أوكرانيا. خلال 500 يوم من الحرب، وفقاً لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 9083 مدنياً أوكرانيا. ومع ذلك، وفقا للأمم المتحدة، يمكن أن يكون العدد الحقيقي للقتلى أعلى من ذلك بكثير، وأُصيب 15779 مدنياً بجروح، وفقا لمكتب المدعي العام الأوكراني ، توفي 494 طفلاً أوكرانيا منذ بداية الحرب( وفقا للأمم المتحدة توفي أكثر من 500 طفل ) .

عانى معظم الأطفال في مناطق دونيتسك وخاركييف وكييف وخيرسون و زابوروجي و ميكولايف و دنيبروبتروفسك و تشرنيهيف و لوغانسك. هذه البيانات ليست نهائية ، نحن نتحدث فقط عن الضحايا الذين تم تأكيد أسمائهم، وأكدوا في كييف منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، أصبح حوالي 6.3 مليون أوكراني لاجئين. تقدر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في أوكرانيا بنحو 143 مليار دولار. في الوقت الحالي، تسيطر روسيا على أقل من 20% من أراضي أوكرانيا.

– إحصاء القتلى الروس…. حكاية اثنين من المجندين:
توفي الرقيب نيكيتا لوبوريتس، قائد مجموعة من القوات الخاصة الروسية، في 20 مايو / أيار من العام الماضي في قرية في شرق أوكرانيا، كان عمره 21 عاماً . بعد ما يقرب من عام ، علم أقارب ألكسندر زوبكوف بوفاة الأخير أثناء القتال في باخموت ، كان يبلغ من العمر 34 عاماً ويقضي عقوبة سجن لمدة تسع سنوات بتهمة الإتجار بالمخدرات، وقد انضم إلى مجموعة فاغنر، التي تقاتل في أوكرانيا نيابة عن روسيا، على أمل نيل حريته .
هذان اثنان فقط من بين 25 ألف قتيل تم التعرف عليهم ، يمثلان هذان الرجلان معاً الوجه المتغير للجيش الروسي منذ بداية غزو أوكرانيا، حيث بات قوة قتالية تزداد تقدما في السن وأقل تدريباً مع تزايد عدد القتلى .
عندما بدأت الحرب ، كان المقاتل الروسي النموذجي يبلغ من العمر حوالي 21 عاماً ، وكان جندياً محترفاً من رتبة منخفضة- تماما مثل الرقيب نيكيتا لوبوريتس. وفقا لرواية والده ، كونستانتين، كان لوبوريتس يريد أن يصبح جندياً مظلياً حتى قبل أن يترك المدرسة في بريانسك، المدينة التي تبعد 60 ميلاً أي حوالي 100 كيلومتر عن الحدود مع أوكرانيا. بدأ في دراسة فنون الدفاع عن النفس وتعلم كيفية القفز بالمظلة قبل التخرج، وفاز بمكان في مدرسة ريازان العليا للقوات المحمولة جواً ، وهي أكاديمية تدريب المظليين الروس ، قبل الإنضمام إلى لواء القوات الخاصة في المخابرات العسكرية الروسية.

بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب ، وقع الرقيب لوبوريتس ووحدة صغيرة من الجنود الروس في كمين قرب قرية شمال خاركييف وقُتل، على حد قول والده، ودُفن في ” زقاق الأبطال ” في مقبرة مدينته، وحصل بعد وفاته على وسام الشجاعة.

كانت هناك آلاف القصص المشابهة في الأشهر الأولى من الحرب ، لكن بعد مرور عام ، أصبحت أقل شيوعاً . في الأشهر الأخيرة ، بات الجندي الروسي النموذجي الذي يُقتل في أوكرانيا في سن ال 34 عاما ، تم تجنيده من السجن مثل ألكسندر زوبكوف. وُلد زوبكوف- وهو من السجناء الذين قاتلوا في وحدات فاغنر بلا رتبة عسكرية- في سيفيرودفينسك، وهي مدينة على البحر الأبيض على الساحل الشمالي الغربي لروسيا وتضم حوض بناء سفن رئيسي للبحرية الروسية.

في عام 2014 أظهرت سجلات المحكمة أنه كان عاطلاً عن العمل وأباً لطفل وحيد، أُدين بجريمة قتل وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات وستة أشهر . أطلق سراحه من السجن بشروط في عام 2020 لكنه عاد إلى السجن بتهمة تجارة المخدرات في العام التالي، حكمت عليه المحكمة بالسجن تسع سنوات أخرى ، وحسب السجلات هو مطلق ولديه طفل صغير وأخت معاقة يساعد في رعايتها ، عندما بدأت مجموعة فاغنر التجنيد من السجون ، انضم إليها زوبكوف في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي مع وعد بمنحه 100 ألف روبل له ، ما يعادل 1250 دولاراً شهريا ، وإذا أكمل ستة أشهر من الخدمة ، يمكن أن يتوقع إطلاق سراحه . لكن زوبكوف توفي بعد خمسة أشهر، خلال قتال فاغنر للاستيلاء على مدينة باخموت بشرق أوكرانيا- وهي أكثر المعارك دموية في الحرب حتى الآن. ودُفن في مسقط رأسه في 28 إبريل/ نيسان.
يقول الدكتور ” جاك واتلينغ ” خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث دفاعي :
إن زوبكوف وأمثاله يستخدمون تقريبا ” كقوات يمكن التضحية بها ” ” إنهم يرسلونهم إلى الأمام متوقعين تعرضهم للقتل ، لذلك فإن الجيش الروسي يستهلك هذه القوات بمعدل كبير ” .
فقدت روسيا أعداداً كبيرة من الجنود المحترفين في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب . لكن في الأشهر الماضية يموت الجنود غير المحترفين بأعداد أكبر .
ويقول الدكتور واتلينغ إن روسيا تعمد إلى حماية الجنود المهنيين المتبقين لديها ، وتستخدمهم للاحتفاظ بالأرض وتنفيذ هجمات القناصة، وتنفيذ هجمات نادرة عندما تكون الظروف مناسبة .
وقُتل أكثر من 2100 ضابط عسكري روسي ، لأن روسيا تعتمد على صغار الضباط في قيادة المعارك أكثر من الدول الغربية ، ما يعرضهم للخطر ، كان من بينهم 242 على الأقل برتبة مقدم أو أعلى ، كما قُتل ما لا يقل عن 159 طياراً حربياً حسب الاحصاءات، لا يمكن التعويض عنهم خلال فترة قصيرة حيث يستغرق تدريبهم سبع سنوات على الأقل وملايين الدولارات.

أجبرت هذه الخسائر قدامى المحاربين على العودة من التقاعد مثل الميجور جنرال كانامات بوتاشيف، انتهت مسيرة بوتاشيف العسكرية في عام 2012 عندما استعار طائرة مقاتلة من طراز سوخوي 27 دون إذن وحطمها، في مايو /أيار من العام الماضي، كان يبلغ من العمر 63 عاما ويقود طائرة هجوم أرضي من طراز سوخوي 25 عندما تم إسقاطها فوق لوغانسك في شرق أوكرانيا.

لم يكن هو أكبر شخص في إحصاءات الموتى ، تطوع ميخائيل شوفالوف، وهو عامل متقاعد في محطة توليد كهرباء، عن عمر يناهز 71 عاما ، وتقول تقارير وسائل الإعلام إنه رُفض في البداية، لكنه ذهب في النهاية إلى خط المواجهة وقُتل في 10 ديسمبر/ كانون الأول.

– كيسان أو ثلاثة أكياس من شظايا العظام ” ربما أخي هناك ! كيف لم يتمكن أقارب الجنود الروس الذين قتلوا في أوكرانيا من التعرف عليهم لعدة أشهر؟ :
لا تستطيع عائلات الجنود الروس الذين قاتلوا في الحرب في أوكرانيا دائما التعرف على الجثث التي تم إحضارها من الجبهة، خبراء الطب الشرعي غير قادرين على استخراج الحمض النووي من البقايا المتفحمة، ونقص الكواشف الناجمة عن العقوبات يعقد إجراءات فحص الأجزاء الباقية، أخبر أقارب الجيش كيف يقضون شهوراً في تحديد الهوية ، ولماذا لا يوافقون دائما على دفن الرفات المقدمة .
ولد ألكسندر كازاييف في تالمنكا، وهي مستوطنة يبلغ عدد سكانها 18000 نسمة بين بارناول ونوفوسيبيرسك، تخرج من كلية زراعية وانتقل على الفور إلى الجيش، في عام 2016 ، وقع كازاييف عقداً مع الوحدة العسكرية رقم 90600 في منطقة سامارا- ذكرت مصادر أن هذا هو لواء حفظ السلام الوحيد في روسيا، الذي تتمثل مهمته في ” الحفاظ على السلام الدولي ” ، خدم كازاييف في قاعدة عسكرية في طاجيكستان، طارت أول طائرة إلى ناغورنو كاراباخ مع بدء الصراع الأذربيجاني الأرمني في عام 2020 في فبراير 2022 ، تم إرسال بعضهم إلى أوكرانيا.
كان مهتما برحلات العمل ، لأنهم دفعوا أكثر هناك ، يذهبون للخدمة بموجب عقد وليس من حياة جيدة ، حصل على أموال جيدة نسبيا ، فهناك 15 ألفا في الشهر هي الأفضل، واشترى منزلا لوالدته. تعرضت فصيلة كازاييف لإطلاق النار في 29 مارس 2022 في قرية نوفايا باسان، عندما كانت القوات الروسية تسحب وحدات فردية من كييف ، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن القصف المدفعي الأوكراني قصف القرية لأكثر من ساعتين.
تم اصطحابهم إلى الحلبة ، وخرج عدد قليل جدا من الناس هناك ، يقولون إن شركتهم وفرت غطاء للقوات الرئيسية، ذهب ساشا ليضرب الدبابة ولم يعد ، تلقينا ” جنازة ” توفي في 3 إبريل/ نيسان، لكن كما يقول الناجون لم يكن هناك أحد في 29 مارس/ آذار. قُتل ما لا يقل عن ثلاثين جنديا متعاقداً من الوحدة 90600 في نافايا باسان، بعدها دفنت القوات الأوكرانية جثث الجيش الروسي في مقبرة جماعية في نفس القرية ، في سبتمبر/ أيلول استخرجت سلطات التحقيق الأوكرانية الجثث وأجرت تبادل الجثث، لذلك ، عشية عام 2023 ، تمت إعادة رفات 15 من ” حفظة السلام ” بما في ذلك جثة ” بيتربوبشو ” إلى روسيا، تعرفت زوجة بويشو على زوجها في أحد مقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية، يوجد كيسان أو ثلاثة أكياس شظايا عظام مختلفة ، ربما أخي هناك !!! ، أعلم أن ساشا كان يحترق ، تم نقل جثث الجنود الروس الذين لقوا حتفهم في أوكرانيا إلى المشرحة، لكن لن يتم منحهم شهادة وفاة بدون جثة ! .

يشرح سيفر عالم الطب الشرعي الواقعي يفغيني، الذي يعمل في أحد المختبرات الروسية، أن درجة الحرارة والوقت هما العاملان الرئيسيان اللذان يضران البقايا ويعقدان إجراءات تحديد الحمض النووي. يتخثر البروتين في درجات حرارة عالية ، لذلك اذا اشتعلت النيران في الجسم، فقد يكون من المستحيل التعرف عليه .

– تُعد الأزمة الأوكرانية الروسية من أبرز الأزمات الجيوسياسية المعقدة التي تواجه أوروبا بعد الحرب الباردة، لسعي كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي لمحاصرة روسيا جغرافياً عن طريق جمهورياتها السابقة ، ورغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استعادة نفوذه ومكانته، حيث يقصد من السيطرة على أوكرانيا حماية مصالح روسيا الحيوية، في الوقت الذي يسعى الغرب لاحتواء أوكرانيا عن طريق التوسع الأورو- أطلسي .
لذلك لم يجد بوتين سبيل من الخيارات غير القسرية لوقف اندماج أوكرانيا في المؤسسات الغربية، ولجأ إلى استخدام القوى العسكرية لاجبار الغرب على تقليل التزامه تجاه أوكرانيا بما في ذلك من ضم شبه جزيرة القرم واحتلال إقليم دونباس والقضاء على قدرة الدولة الأوكرانية على عرقلة روسيا .
– فقدت روسيا أربعة أضعاف عدد جنود الولايات المتحدة في فيتنام خلال ثماني سنوات:
وفقاً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، خلال 500 يوم من الغزو الروسي لأوكرانيا، تم القضاء على حوالي 233000 من الغزاة ، هذا هو 1.3 مرة أكثر مما خسره الإتحاد السوفييتي في الحرب السوفييتية الفنلندية، عندما مات حوالي 167 ألف جندي من الجيش الأحمر.

هذا أيضا أكثر بكثير من الخسائر الأمريكية في العديد من أكبر الحروب في القرن العشرين، وهكذا مات 116.5 ألف أمريكي في الحرب العالمية الأولى( منهم 53.4 ألف خسائر قتالية، و 63.1 ألف خسائر غير قتالية ، ويرجع ذلك أساسا إلى وباء الانفلونزا في أوروبا ) . وفي السنوات الثماني من المشاركة في حرب فيتنام، خسرت الولايات المتحدة ما يقرب من أربع مرات أقل من روسيا في أوكرانيا. استمرت حرب فيتنام 20 عاماً ، من نوفمبر 1955 إلى إبريل 1975 ، قامت الولايات المتحدة بدور نشط في الأعمال العدائية من عام 1965 إلى عام 1973 ، حيث فقد الجيش الأمريكي خلالها حوالي 58.3 ألف جندي في هذه الحرب ( بما في ذلك 47.4 ألف خسارة قتالية مباشرة ) .
– الحرب الروسية الأوكرانية لا تعد حرباً بين روسيا وأوكرانيا بالفعل ، بل هي حرب بين روسيا والغرب، ولكن تدار على الأراضي الأوكرانية.

– تغيرت خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط لصالح الصين على حساب الولايات المتحدة الأمريكية: فبعد أن كانت الولايات المتحدة أهم فاعل في المنطقة وأكبر حلفائها تراجع ذلك التحالف بعد توتر العلاقات بينها وبين دول المنطقة بسبب مواقفهم تجاه الحرب لتفسح المجال لدول كالصين و روسيا للقيام بدور الحليف وراعي المصالح الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية شاغراً .

– إن ” نزع النازية ” عن أوكرانيا هو في الواقع السبب الرسمي للغزو الروسي، لم تخترع السلطات الروسية هذه الكلمة ، فقد سمعت لأول مرة في مؤتمر بوتسدام في صيف عام 1945 ، حيث قرر الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى مصير ألمانيا ما بعد الحرب . ثم اتفقت الأطراف على ثلاث ” نزع ” رئيسية: نزع النازية و نزع السلاح( استخدمت السلطات الروسية هذه الكلمة لأوكرانيا ) وإرساء الديمقراطية( لم تتحدث السلطات الروسية عن أوكرانيا حول هذا الموضوع ) .

لذا يتوجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات جادة لإنهاء الحرب في أوكرانيا عن طريق الوساطة أو الحلول السلمية لأن يوميا يرتفع سقف الخسائر الإنسانية ، وبدأت تنهار اقتصادات دول العالم أجمع على حافة كساد اقتصادي بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والنفط ومشتقاته مما أنتج أزمة غذائية وأزمة طاقة وانتشار التضخم وإفلاس البنوك حول العالم بسبب تلك الحرب .

ختاماً …
لا أحد يريد حرباً عالمية ثالثة، ولا يزال هذا هو الاتجاه العام في مواقف معلنة في واشنطن وعواصم أوروبية منذ بدأ هجوم القوات الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 ، كما أن عبارة الحرب العالمية في حد ذاتها مخيفة وتنذر بأهوال حربين أكل كل منها الأخضر واليابس في أوروبا.
بإختصار، قام بعض الجيوسياسيين في الولايات المتحدة بجر زيلينيسكي إلى صراع عسكري بلا ربح ضد روسيا المسلحة نووياً ، الآن، عندما يصبح تحقيق السلام مستحيلا أكثر فأكثر، يمكن أن تتطور الأحداث في أوكرانيا وفقاً لسيناريوهين…. إما أن الولايات المتحدة وحلفائها سيخلقون معجزة في أوكرانيا، أو سوف يسحق الروس أوكرانيا ثم يكسرون ظهر حلف شمال الأطلسي، وهكذا، سينتهي الموقع الاستراتيجي للولايات المتحدة في أوروبا، وربما سيولد نظام عالمي جديد بمراكز قوة متعددة إلى جانب أمريكا.

بقلم: فاتن الحوسني
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية