|  آخر تحديث مارس 29, 2023 , 18:27 م

في الذكرى الـ 20 للغزو الأمريكي للعراق


في الذكرى الـ 20 للغزو الأمريكي للعراق



قبل عشرين عاما بدأت الولايات المتحدة غزوها للعراق، بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، ظهر بعدها أنها لم تكن موجودة أصلاً ، حرب العراق خرق للقانون الدولي آثارها مازالت حتى اليوم ظاهرة للعيان في المنطقة والعالم .
لا نهاية للقتل ولا حتى بعد 20 عاماً ، في شباط / فبراير الماضي وحده قُتل ما لا يقل عن 52 مدنياً بإطلاق رصاص أو تمزقوا إرباً بانفجارات قنابل ، أعمال العنف التي تستمر حتى اليوم بدايتها مع الهجوم الذي بدأ ليلة 19/20 من آذار/مارس 2003 ، يومها أطلقت السفن الأمريكية 40 صاروخاً على المباني الحكومية في بغداد، عسكرياً ، لم يكن لدى العراق ما يمكن أن يواجه به الغزو الواسع النطاق من قبل تحالف ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وبولندا.

 

تمت الإطاحة ب ( صدام حسين ) بعد ثلاثة أسابيع، وبعد ستة أسابيع من بدء الحرب أعلن الرئيس جورج دبليو بوش نفسه منتصراً وانتهاء العمليات القتالية الرئيسية أمام خلفية عسكرية على حاملة الطائرات ابراهام لينكولن في الأول من أيار / مايو 2003 . حتى ذلك الوقت، كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد ألقى بالضبط 29166 قنبلة وصاروخاً ، بحسب دراسة عسكرية أمريكية، كان الكثير من البنية التحتية للبلاد في حالة خراب ، ووفقاً لمنظمة ” عراق بودي كاونت ” البريطانية غير الحكومية، فقد أكثر من 7000 مدني عراقي أرواحهم. عدد استمر في الارتفاع بشكل هائل ، إذ يتراوح العدد الإجمالي للقتلى في حرب العراق بين 200 ألف ومليون شخص حسب التقديرات ، المجلة الطبية الموثوقة ” لانسيت ” أعلنت بالفعل عدد القتلى بلغ أكثر من 650 ألف ” قتيل إضافي ” حتى عام 2006 .

 

فقد كانت حرب العراق لم تنته بعد في ذلك الوقت، ولم يكن من المفترض بالجنود الأمريكيين الإنسحاب حتى عام 2011 ، لكن الإنسحاب كان مؤقتاً ، إذ كان عليهم العودة لدعم العراق في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي ، الذي سيطر على ثلث العراق في عام 2014 ، وفي إطار التحالف الدولي لمقاتلة تنظيم داعش مازال هناك 120 جندياً ألمانياً يتمركزون في العراق حتى اليوم.

 

– خرق للقانون الدولي:

 

قبل كل شيء ، كان الهجوم على العراق ” استخداما للقوة في انتهاك للقانون الدولي وانتهاك لقوانين الأمم المتحدة ” ، لم يكن غزو العراق بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي، فكان الخيار الوحيد المتبقي هو تبرير استخدام القوة للدفاع عن النفس ، باستخدام المادة 51 من النظام الأساسي للأمم المتحدة، ومن الواضح أن الأمر لم يكن كذلك في هذه القضية.

 

– تعذيب وجرائم حرب :

تضررت سمعة أمريكا بشكل أكبر بسبب جرائم الحرب والتعذيب، ففي ربيع عام 2004 انتشر اسم ” أبو غريب ” حول العالم ، سجن سيء الصيت في عهد صدام حسين، تظهر فيه هذه المرة صور لجنود أمريكيين يعذبون أشخاصا آخرين ، بشكل متكرر كانت هناك مذابح ضد السكان المدنيين، كما في مدينة حديثة ، حيث قتلت قوات المارينز الأمريكية 24 مدنياً من العزل في 2005 ، أو كما حدث في عام 2007 في ساحة النسور المزدحمة ببغداد، حيث أطلق عناصر من مجموعة ” بلاك ووتر ” وهم قوات خاصة من المرتزقة، النار بشكل عشوائي على حشد من الناس مستخدمة بنادق هجومية ورشاشات، مما أسفر عن مقتل 17 شخصاً ، أو كما هو الحال في فيديو ” القتل الجماعي ” الذي نشرته ويكليكس: فيه تظهر طائرتا هيلكوبتر مسلحتان تطلقان النار على مدنيين غير مسلحين بمدافع عيار 30 ملم ، فقُتل لا يقل عن 12 شخصا ً .

– من حالة حرب إلى حالة فوضى :

وأثبت تاريخ الغزو وتداعياته أن الحرية التي تحققت في العراق تمثلت في فك القبضة الحديدية لنظام استبد طويلاً بالسلطة ومارس كل أصناف البطش بمواطنيه لعقود . ولا يزال العراقيون، رغم مرور عقدين على إزاحة نظام صدام حسين، غير آمنين على أرواحهم، ويرى معظمهم أن بلدهم، في أحسن الأحوال، خرج من حالة حرب وسقط في حالة فوضى لم ينهض منها بعد.
قُتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي على مدى السنوات العشرين الماضية ، في ذروة الصراع عام 2006 ، أودى الصراع بحياة 29027 شخصاً ، في أهدأ حالاته عام 2022 سجلت 740 حالة وفاة . وخلال هذه الفترة تعرضت فئات من العراقيين للإبادة الجماعية والإرهاب والفقر الشديد، وعندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتهاء الحرب رسمياً في العراق وسحب جنود بلاده عام 2011 ، كان العراق بلداً يعاني من صدمة عميقة سياسية واجتماعية واقتصادية.

 

– تكلفة عالية لقرار خاطيء:

كلفت ” عملية تحرير العراق ” خلال سنوات الغزو وما بعدها أكثر من تريليوني دولار أمريكي، وسجلت هذه الفترة فضائح كثيرة منها القتل بدم بارد لمواطنين عراقيين على يد جنود بريطانيين وعمليات تعذيب وإهانة لسجناء عراقيين في سجن أبو غريب على يد جنود أمريكيين، وبعد مرور سنوات، أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأً جسيماً .
ومن هؤلاء( جون ماكين ) السيناتور الجمهوري الراحل، الذي كان من أشد المدافعين عن تحرير العراق لسنوات، وفي مذكراته التي نشرها قبل وفاته عام 2018 تراجع ماكين عن موقفه وكتب قائلا : ” لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والإنسانية، سوى أنها خطأ….. خطأ خطير للغاية، وعلي أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك ” .

 

– عدالة غائبة ونزاعات وفساد :

ورغم انسحاب القوات الأمريكية لا تزال أوضاع حقوق الإنسان في العراق محل انتقاد من قبل العديد من منظمات الحقوقية الدولية، ففي عام 2021 ، نشرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان دراسة تحدثت فيها عن ظلم شديد يطال نظام العدالة في العراق. وجاء فيها أن المعتقلين يُحرمون من بعض حقوقهم وأن الاعترافات تُنتزع منهم من خلال التعذيب وأنهم يُجبرون على توقيع وثائق تعترف بجرائم لم يرتكبوها، علاوة على تعريضهم للضرب المبرح والصدمات الكهربائية والوضعيات المجهدة والإختناق.

 

– داعش تمزق النسيج الاجتماعي :

 

وكانت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على نحو ثلث مساحة العراق في صيف 2014 وحتى أواخر العام 2017 صدمة كبيرة للنسيج الاجتماعي في البلاد ، أسفرت عن تغيير عميق في المجتمع العرقي الذي يميزه تنوع عرقي ومذهبي فريد ، وتراجعت أعداد المسيحيين والايزديين في البلاد بسبب تعرضهم لجرائم إبادة جماعية ارتكبتها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية. وبنهاية عام 2019 ، كانت مظاهر الفساد قد انتشرت في مفاصل الدولة وانتشر الفقر بين فئات واسعة من السكان ، وارتفع معدله من 20% عام 2018 إلى أكثر من 30% عام 2020 ، وأضحى 12 مليون عراقي من أصل 42 مليونا يعيشون تحت خط الفقر ، فيما بلغ معدل البطالة في فئة الشباب 25% في بلد تقل أعمار 60% من سكانه عن 25 عاماً .

 

– دولة غنية ومواطن فقير :

ورغم احتياطاته النفطية الهائلة لا تزال البنى التحتية العراقية ، من طرق وجسور ومنشآت متهالكة، ويعاني العراقيون من انقطاع يومي في التيار الكهربائي وغياب شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب . وشهدت العاصمة بغداد ومدن أخرى في أكتوبر 2019 احتجاجات غير مسبوقة نددت بالفساد وسوء الإدارة والتدخل الإيراني في شؤون البلاد، وتعرضت تلك المظاهرات لقمع شديد.

 

 

– لماذا أرادت الولايات المتحدة غزو العراق؟ :

في حرب الخليج 1990-1991 ، قادت الولايات المتحدة تحالفاً متعدد الجنسيات أجبر القوات العراقية الغازية على الخروج من الكويت . بعد ذلك أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 687 الذي يأمر العراق بتدمير جميع أسلحة الدمار الشامل وهو مصطلح يستخدم لوصف الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية والصواريخ الباليستية طويلة المدى .
وفي عام 1998 ، علق العراق تعاونه مع مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، وردت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات جوية على العراق.
بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001 ، التي شنتها القاعدة على مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن، بدأت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في وضع خطط لغزو العراق، زعم الرئيس بوش أن صدام كان يواصل تخزين وتصنيع أسلحة الدمار الشامل، وأن العراق جزء من ” محور الشر ” الدولي ، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2002 ، أجاز الكونغرس الأمريكي استخدام القوة العسكرية ضد العراق.
وفي فبراير/شباط من عام 2003 ، طلب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إعطاء الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق قائلا إنه ينتهك قرارات سابقة لمجلس الأمن بسبب امتلاكه برنامج أسلحة دمار شامل حسب زعمه ، ومع ذلك ، لم يقتنع مجلس الأمن حيث أراد معظم الأعضاء أن يقوم مفتشو أسلحة من الأمم المتحدة وهيئة الطاقة الدولية – الذين ذهبوا إلى العراق في عام 2002 – بالمزيد من العمل للعثور على أدلة عن أسلحة الدمار الشامل.

 

– القبض على صدام حسين:

ألقت القوات الأمريكية القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2003 ، في مزرعة قرب بلدة الدور القريبة من مسقط رأسه تكريت.

وكان صدام حسين مختبئاً في حفرة صغيرة عندما ألقي القبض عليه ، بعد مطاردته من قبل القوات الأمريكية مدة تسعة أشهر، وبعد ثلاث سنوات من إعدامه بعد صدور الحكم عليه من قبل محكمة عراقية . وبعد مرور كل هذه المدة لا يزال يثير مواقف ومشاعر متضاربة داخل وخارج العراق. فهو بالنسبة لمحبيه ” قائد عربي شجاع تصدى لمساعي إيران لتصدير الثورة ” إلى العراق، ولم يتردد في ضرب إسرائيل، أما بالنسبة لمعارضيه فهو ليس سوى ” طاغية مستبد أسس حكماً عائلياً قمعياً وقتل عشرات الآلاف من الشيعة والأكراد، مستخدماً الأسلحة التقليدية وادخل بلاده في حروب عبثية ” .

فقد دخلت بلاده في حرب مدمرة مع جارتها إيران عام 1980 ، بعد سنة واحدة من توليه رئاسة الدولة ، وبعد عقد من الزمن غزا دولة الكويت ونشبت إثر ذلك حرب الخليج الثانية.
ورغم معاناة العراقيين من عواقب الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة، فإن قبضة صدام على الحكم لم تضعف حتى غزو العراق 2003.

كانت هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001 دفعت العراق إلى الواجهة ووضعته في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وبدأ المسؤولون الأميركيون، لأول مرة، يدعون علانية إلى إسقاط النظام كهدف مركزي ، بعد إزاحة نظام طالبان في أفغانستان، وركزوا على ذريعة رئيسية لشن الحرب وهي امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل.
ولدى وصول القوات الأمريكية إلى بغداد انهار الجيش العراقي والحكومة، وفرّ صدام ومعظم أركان نظامه ، وأصدرت واشنطن قائمة تضم 55 مسؤولا سابقا يتصدرهم صدام حسين ونجلاه عدي وقصي اللذين قتلا في هجوم أمريكي على منزل في مدينة الموصل في يوليو/ تموز 2003 ، وقد ألقي القبض على معظم مسؤولي نظام صدام.
وأصدرت محكمة عراقية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 ، حكماً بإعدام صدام بعد جلسات محاكمة علنية بث عدد منها مباشرة على الهواء، رفض صدام التهم الموجهة إليه ووصف المحكمة أنها غير شرعية.
ونُفذ حكم إعدام صدام حسين في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2006 ، ودُفن في مسقط رأسه في تكريت.
وتعرض قبره للتدمير جراء المعارك قرب مدينة تكريت في مارس / آذار 2015 ، حيث خاضت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وذكرت بعض الأنباء أن مقربين من صدام حسين نقلوا عام 2014 جثمان صدام إلى موقع سري .

 

ختاماً ..
لقد تم تبرير الآثار المميتة للحرب على أنها آلام المخاض الضرورية ل ” عراق جديد ” ، سيكون دولة نموذجاً في الشرق الأوسط لما يمكن أن يقدمه رأس المال العالمي والأسواق الحرة ، لكن الوعود وخطط إعادة الاعمار أصبحت ثقوباً سوداء لمليارات الدولارات وغذت ثقافة الفساد.

لقد أدى غزو العراق إلى قيام عراق جديد، مكان يواجه فيه العراقيون يومياً عواقب الحرب على الرعب والإرهاب، العراق الجديد الذي وعد به دعاة الحرب لم يجلب ” ستاربكس ” أو ” الشركات الناشئة ” ، ولكن جلب السيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية وتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية لاحقا – وولد هذا الأخير في السجون العسكرية الأمريكية في العراق.
يوجد اليوم 1.2 مليون نازح في العراق، معظمهم في المخيمات، وقُتل ما يقدر بمليون عراقي بشكل مباشر وغير مباشر، نتيجة الغزو وتداعياته.

ليس الكيان السياسي فقط هو الذي أصبح مشوهاً ، بل الجسد نفسه : اليورانيوم المستنفذ الذي خلفته قوات الاحتلال ارتبط بتشوهات خلقية لا تزال حتى اليوم، خاصة في مدينة ” الفلوجة ” ، حيث ترتفع معدلات الإصابة بالسرطان .

 

بقلم: فاتن الحوسني
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com