|  آخر تحديث يناير 3, 2023 , 19:06 م

نهايات أم بدايات؟


نهايات أم بدايات؟



ديسمبر كما يسمى عالمياً، أو دجنبر كما يقال له في المغرب العربي، أو كانون الأول كما يطلق عليه في بلاد الشام والعراق، هو الشهر الثاني عشر والأخير من أشهر السنة الميلادية، وسمي بكانون الأول كما قيل لأنه مصطلح اشتقَّ من الجذر (كن) أي الأساس والثبوت والاستقرار والكنُّ في البيوت.

هو شهر تحتار فيه هل أنت في النهايات؟ أم أنك مقبل على البدايات؟

نهاية ماذا؟ وبداية ماذا؟ هنا السؤال…

في مثل هذا الشهر من العام الماضي وضع الكثيرون منا قائمة بالمهام التي يريدون إنجازها، وبالخطط التي يسعون لتنفيذها، وبالأشخاص الذين يريدون أن تبقى لهم أهمية في حياتهم، وبالكتب التي ينوون قراءتها، وبالعادات التي سيحاولون تغييرها أو اكتسابها، وبدأنا عامنا الجديد السابق بلهفة البدايات المعتادة وبريق اللقاء الأول بكل جديد، ولكن سرعان ما خفتت همتنا شهراً تلو الآخر عن إنجاز ما دوناه وتحقيق ما خططناه، حتى نسينا أننا يوماً أعددنا قوائم أو كتبنا أهداف، تماماً كما ننسى كل ما سبق وانبهرنا به، فنحن عادةً ننبهر عند لمعان الفكرة في رؤوسنا لا عند الشروع في التنفيذ، ننبهر بفكرة الحصول على جسم رياضي، ولنصل إليه لا يفيدنا الانبهار بقدر ما يفيدنا الاستمرار في مقاومة النفس وبذل المجهود وتنظيم الطعام والنوم وممارسة الرياضة، ننبهر بشخص كشريك حياة فلا نرتبط به بناءً على انبهارنا بل نحتاج لتخطيط سليم لمستقبل مشترك، والقدرة على بناء أسرة، وتقديم تنازلات وحمل مسؤوليات كبيرة، ننبهر بفكرة الثراء ولتصبح ثرياً لا يكفيك انبهارك بل أنت بحاجة لسعي مستمر وعمل دؤوب وتحمل مشاق وضغوط لو غصتَ في تفاصيلها لما أبهرتك أبداً.

وهذا ما يحدث معنا كل عام، نحن ننبهر بأفكارنا وتخيلاتنا الجميلة عن حياة نرسمها على جدار وردي رقيق سرعان ما يمزقه التنفيذ المتعب الذي لم نتخيله سيرافق أحلامنا لتتحقق.

وهذا الشعور المتكرر بالإحباط يقودنا لأفعال أخرى غير مجدية، فإما أن نتوقف عن التخطيط نهائياً بسبب فقدان ثقتنا بأنفسنا بالقدرة على الإنجاز وإتمام المهام، أو سنقلص كثيراً من الأهداف المرسومة بغرض تحقيقها كلها.

ولكن هل فكرنا بأن لا نحصر أنفسنا وخططنا وأهدافنا ببداية عامٍ أو نهايته؟

هذا الحصر يقيدنا بعامل الزمن وكأننا في سباق مع الوقت، وكلما اقترب العام من نهايته ونظرنا إلى النسبة الضئيلة من الأهداف المنجزة زاد إحساسنا بالعجز والاستسلام، وتكرر الشعور بالإحباط ككل عام، فغير مجدٍ أن نجعل الأيام والسنين هي التي تتولى إطلاق الأحكام على فعالية إنجازاتنا أو عدم صلاحيتها، لأن ما ينجزه شخص عاش في بيئة مجتمعية صحية وظروف طبيعية ومحيط سليم، قد يعتبر منجزات تعجيزية لشخص عاش في ظروف مختلفة وقاسية وربما يحتاج لسنوات لينجز جزء منها فقط.

لذلك من الأحرى بنا أن نجعل البدايات عند كل نهاية مررنا بها، وكل أزمة تجاوزناها، وكل مطب نهضنا منه، دون التقيد بيوم أو شهر أو بداية عام أو نهايته، فنحن كبشر الراعون الرسميون للوقت وإدارته ونحن البدايات التي لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة.

خطط، اسعَ، نفذ، وتذكر مقولة الشاعر الكبير محمود درويش:

(وأنت في طريقك للبحث عن الحياة، لا تنسَ أن تعيش)

 

بقلم: ياسمين أحمد حلوبي


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com