تعكس رئاسة دولة الإمارات للجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي «كوبوس»، خلال الفترة من 2022-2023 والتي فازت بها الدولة في يونيو الماضي، ثقة المجتمع الدولي في الإمارات، وبدورها في دعم الحركة العلمية والتكنولوجية، وقدرتها على قيادة العالم أجمع نحو مستقبل أكثر تعاوناً في مواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه الفضاء العالمي.
ويبرز هذا الإنجاز قوة دبلوماسية الفضاء الإماراتية في تسهيل عقد الاتفاقيات الدولية، وضمان الالتزام بالمعاهدات الدولية في زمن التكتلات الجيوسياسية والجيواقتصادية وسباق الوصول إلى الفضاء من قبل القطاع الخاص.
وتمثل رئاسة الإمارات لهذه اللجنة، التي تعتبر أحد أكبر اللجان في الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها 100 دولة، نجاحاً كبيراً للدبلوماسية الإماراتية، وتعزيزاً لقوتها الناعمة، ويعتبر ذلك شهادة اعتراف دولي بالجهود والإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولة في قطاع الفضاء خلال زمن قياسي.
ويحمل هذا الاختيار العديد من المعاني السامية، منها نيل برامجها الفضائية درجة عالية من التقدير من أكبر المنظمات الدولية، واكتسابها صفة «السلمية» التي تعني خدمة البشرية وازدهارها ودفع مسيرة الاكتشافات العلمية الفضائية.
تستهدف دولة الإمارات خلال فترة رئاستها للمنظمة الدولية الحكومية تحقيق الأهداف والمشاريع التي تسعى لها اللجنة وأهمها تعزيز جهود دبلوماسية الفضاء والعلوم على الصعيد العالمي، وتشجيع الوصول العادل والسلمي إلى الفضاء لجميع الدول، وتعزيز الامتثال للأطر القانونية الدولية ومعاهدات الأمم المتحدة التي تحكم سلامة واستدامة الفضاء الخارجي بين الدول الأعضاء، ودعم تشجيع برامج نقل المعرفة بين الدول، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، بقوله “انتخاب ابن الإمارات المهندس عمران شرف «مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ» رئيساً للجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، إنجاز جديد للدولة يجسد تقدير العالم لبرامجها وإسهاماتها في مجال الفضاء .. نتمنى له التوفيق والنجاح في قيادة هذه اللجنة لتنفيذ أهدافها ومشاريعها”.
وتبرز رئاسة عمران شرف، للجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي «كوبوس»، وهو الأصغر سناً بين نظرائه الذين ترأسوا اللجنة الأممية، الثقة العالمية في الكوادر الإماراتية التي استطاعت الوصول إلى قيادة المؤسسات والمنظمات الدولية، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، بالقول “فخور بفوز الإمارات برئاسة لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي والتي تضم 100 دولة وتضمن الوصول العادل والسلمي للفضاء لهذه الدول. فخور بابن الإمارات عمران شرف تقلده هذا المنصب الدولي الرفيع .. شباب الإمارات أوصلونا للفضاء ويقودون ملفات عالمية ويديرون مؤسسات دولية ” .
أهمية استثنائية
تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز الحوار بين الدول ذات البرامج الفضائية المتقدمة والحديثة، ولذلك تكتسب رئاسة الإمارات للجنة خلال الفترة الراهنة أهمية استثنائية، باعتبارها مرحلة مهمة في وضع السياسات الفضائية، حيث تتنافس دول العالم في إطلاق أعداد كبيرة من الأقمار الاصطناعية، وتضطلع اللجنة بدور محوري في بناء السياسات لضمان استدامة الفضاء، كما سيكون دور اللجنة محورياً أيضاً في تشجيع تبني الأطر التنظيمية الداعية لتبني السلوك المسؤول.
اتفاقيات وشراكات
تولي الإمارات أهمية كبيرة لتعزيز العلاقات والتعاون الدولي في مجال الفضاء لتسريع تطوير التقنيات الفضائية وقطاع الفضاء في الدولة بشكل عام، ولذلك حرصت وكالة الإمارات للفضاء منذ تأسيسها في عام 2014 على التعاون مع الشركاء الدوليين في مجالات علوم الفضاء والاستكشاف السلمي للفضاء الخارجي، ووقعت الوكالة عدداً من الاتفاقيات المهمة مع جهات رائدة في قطاع الفضاء الدولي، مثل وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، ووكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس”، ووكالة الفضاء الهندية، وتمثّل هذه الاتفاقيات أطر عمل مهمة للتعاون المتبادل في مختلف مجالات البحوث والتعليم وإعداد السياسات واللوائح التنظيمية الخاصة بقطاع الفضاء.
عضويات عالمية.
دفعت إنجازات الإمارات المتلاحقة في قطاع الفضاء، إلى اختيار وكالة الإمارات للفضاء للحصول على عضوية مجموعة من المنظمات والهيئات العالمية والوكالات الدولية ذات الصلة بشؤون الفضاء، من بينها عضوية اللجنة الدولية لاستكشاف الفضاء (وهي أول دولة عربية تنضم إلى هذه اللجنة العالمية)، وعضوية لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، وعضوية “الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية”، وعضوية “مجموعة مراقبة الأرض” المعنية بالتوعية فيما يتعلق بإمكانية الولوج إلى بيانات مراقبة الأرض.
معاهدات دولية
تعتبر الإمارات سباقة في مشاركتها الفاعلة في المنظمات والمحافل الدولية المعنية بالفضاء الخارجي، حيث انضمت الدولة إلى أربع من أصل خمس معاهدات دولية رئيسية للفضاء، وهي : معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967: وتتضمن المبادئ القانونية الأساسية والمبادئ التي تحكم استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر وغيره من الأجرام السماوية الأخرى، واتفاقية المسؤولية التي تعود لعام 1972 : وهي اتفاقية حول المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تنجم عن الأجسام الفضائية، واتفاقية التسجيل لعام 1975: وهي اتفاقية حول تسجيل الأجسام التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي، واتفاقة الإنقاذ لعام 1968: وهي اتفاقية حول إنقاذ رواد الفضاء وعودتهم وعودة المركبات الفضائية التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي.
كما انضمت الإمارات في أكتوبر 2020 إلى “اتفاق أرتميس لتكون ضمن الدول الأوائل التي توقع على هذا الاتفاق، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون الفضائي عالمياً، وتمت دعوة الإمارات لتكون من بين أول المنضمين إلى الاتفاق نظراً لامتلاكها برنامجاً سلمياً واعداً وطموحاً لاستكشاف الفضاء، ولدورها الريادي إقليمياً ودولياً في هذا المجال الهام، بالإضافة إلى ما يميز قطاعها الفضائي الوطني من بنية تشريعية شفافة.
خدمة البشرية
تتعدد مساهمات القطاع الفضائي الإماراتي في مسيرة التقدم العلمي للإنسانية بمشروعات ولدت عملاقة فأكسبت الإمارات ثقة عالمية لدورها في دعم الحركة العلمية والتكنولوجية دولياً، ويعد مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” واحداً من أهم المشاريع التي تتوج عمليات نقل المعرفة وجهود تطويرها والتي شهدت عمل المهندسين الإماراتيين مع شركاء علميين من جميع أنحاء العالم لتطوير تصميم الأقمار الصناعية وقدراتها الهندسية والتصنيعية.
وتماشياً مع تعهدها بالنهوض بتكنولوجيا الفضاء للاستخدامات السلمية وخدمة البشرية، شاركت دولة الإمارات بيانات “مسبار الأمل” التي تم جمعها مع أكثر من 200 مؤسسة علمية ومركز أبحاث حول العالم بشكل مجاني، وقدم المسبار منذ وصوله إلى مدار كوكب المريخ مساهمات علمية غير مسبوقة ومعلومات هي الأولى من نوعها حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في أوقات مختلفة.
كما ستسهم “مهمة الإمارات لاستكشاف حزام الكويكبات” في تطوير تقنيات متقدمة وابتكارات تكنولوجية لم تعرفها البشرية من قبل في مختلف قطاعات وتخصصات وعلوم الفضاء، لتحقيق هذه القفزة العلمية التاريخية للمعرفة الإنسانية، وستعزز المهمة الفضائية العلمية غير المسبوقة موقع الإمارات مرجعاً معرفياً دولياً في علوم الفضاء، ومختبراً مفتوحاً لبرامجه ومشاريعه وتقنياته المتقدمة، ومركزاً عالمياً للبيانات والمعلومات التخصصية.
مؤتمرات عالمية
في إطار الجهود الدؤوبة التي تبذلها الإمارات لدفع وتطوير الروابط العالمية لقطاع الفضاء، ومواصلة تعزيز تبادل المعرفة، وتشكيل الشراكات مع اللاعبين الرئيسين في القطاع، استضافت الإمارات عدداً من المؤتمرات والمنتديات العالمية الخاصة بقطاع الفضاء، أهمها فعاليات أسبوع الفضاء في إكسبو 2020 دبي، والدورة الثانية والسبعين من المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في دبي عام 2021، وغيرها الكثير من المؤتمرات الإقليمية والدولية.
وفي هذا الإطار؛ تستضيف العاصمة أبوظبي النسخة الأولى من «حوار أبوظبي للفضاء» الذي تنظمه وكالة الإمارات للفضاء يومي 5 و6 من شهر ديسمبر المقبل، حيث يشكل الحوار العالمي الذي يشهد حضور ومشاركة عدد من القيادات السياسية والعسكرية وصناع السياسات في مجال الفضاء، منصة عالمية لمناقشة التحديات والفرص التي يحملها مجال الفضاء، وتعزيز مساهمة الإمارات في سياسات الفضاء الدولية، كما سينظم مركز محمد بن راشد للفضاء النسخة السابعة عشرة من المؤتمر الدولي لعمليات الفضاء في مارس 2023.