|  آخر تحديث أغسطس 21, 2022 , 15:03 م

لكي لا تقع في فكِ حرب


لكي لا تقع في فكِ حرب



 

كانوا يلتفون حول ينابيع على وجهها يطفو البطيخ الأحمر وأنصافاً من الرمان ، ويرقصون ويغنون ويركضون ويعرفون بعضهم لا تفرقهم طائفةٌ أو عرق أو لون ،هم فقط يحتجون على طفلٍ صرخ بوجه طفلٍ من عمره ويحثونه على العناق ..

إلى أن أتى من زرع بذاراً ونشر غوائلاً تعبد شياطين الانتقام ، إنَّها الجذر العفن المريض للنفس الخائنة ،إنَّها الحرب ،التي دائماً ما ترمي بساطها الذي يغطي كل ماهو أبيض أو أخضر أو جميل ، لا يوجد في حياته سوى ديجوراً ساماً لمن يحاول حتى لمسه ،
هو فقط يسارع بمحو بساط نيسان، ويخطف من القمر لونهُ لينسيه للعشاق، ويخالط كلَّ ألوان النهار ليطمسها بسواده ويحرمها للأطفال.

إنَّها الحرب التي تحصر ألف شخصٍ في خيمةٍ تحارب الريح وتحاول الصمود في وجه الأمطار،وتقاوم الذوبان في وجه لسعات الشَّمس الحارقة،إنَّها الحرب التي تجعلنا نقتل بعضنا من أجلِ قطعةِ خبزٍ تحاول ترطيب شفاهنا الثرداء ،إنَّها لعنة الطمع ولعنةَ الروح التي تحبس في باطنها جعسوساً يخالط دمه دماءَ الذئاب وتنتشر منه رائحة الحطاط التي تسحر من جُبِلَ بالعفاف ،هي الصراع الذي يلتف حول عنقنا بحبلٍ وبيلٍ ينهش فينا حتّى نلفظ النفس الأخير بعذابٍ مريع ، هي المشهد الذي لا ترى فيه غصناً أخضر،وهي المشهد الذي ترى فيه الثكل والثكول ، والعاجز الذي بترت أقدامه وينتظر من يوقف له حِدَةَ جراحه ، والطفل الذي ينادي أمَّه وأختهُ وأبيه دون القدرة على إيقاظهم ،ينتظر حتّى تبقى عظامهم ليتأكد من رحيلهم ويكمل طريقه بصمتٍ كتمثالِ شمعٍ تذوبه الأحزان
هي الحرب التي يهرب منها حتّى من له جناحان لكي لا تلوثه غبارها.

ضحيةً روحها معذبة تنهش القسوة بأعضائها ببطءٍ شديد وتتناول أغصانها الأوجاع لتلتهم ثمارها بكلَّ برودٍ وسعادة دون أدنى تفكير، تأتي برفةِ رمشٍ وتذهب بأتولٍ لا يود المغادرة ،تقتحم الربيع كأنما تنيناً بحجمِ كرةٍ أرضية فتحَ مغارةً من فمهِ وأخرج جهنم ليصطاد كلَّ ماهو برئ ،ويتناول أرضاً كانوا أطفالها يلعبون في شارعٍ لا يرقصُ سوى على رماجِ البلابل وغناءِ الأمهات وهن يعصرن العنب، وعلى صوت مناداةِ الجيران لبعضهم ليرتشفون فنجان قهوة لايدخل سوى الثغر المبتسم ،كانوا يَهْنَئونَ برائحةِ السوسن والياسمين والأسدام التي يزين سطحها البجع الأبيض ويدخلون في كرىً يتخلله أحلاماً ببساتين غادقة بالماس المرصع في طرقاتهم.

 

 

بقلم: سلام القواريط


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com