|  آخر تحديث أغسطس 5, 2022 , 2:40 ص

الصين – تايوان.. 73 عاماً من الجغرافيا القلقة


الصين – تايوان.. 73 عاماً من الجغرافيا القلقة



يكمن جوهر الصراع بين الصين و تايوان في حقيقة أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقة سيُعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين ، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة سواء تم إعلان استقلالها رسميا أم لا .

 

كان أول المستوطنين المعروفين في تايوان هم قبائل ( أوستروينزيان ) ، الذين يُعتقد أنهم أتوا من جنوب الصين الحالية ، بعد وفترة وجيزة نسبياً من كونها مستعمرة هولندية( 1624-1661) كانت تايوان تدار من قبل أسرة ( تشينغ ) الصينية من ( 1683-1895) .
ومنذ القرن السابع عشر بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين في الوصول من الصين هربا من الاضطرابات أو ظروف المعيشة القاسية ، كان معظمهم من قبائل هوكلو الصينية من مقاطعة ( فوجيان ) ، أو قبائل هاكا الصينية من مقاطعة( غوانغدونغ ) ، ويشكل أحفاد هاتين الفئتين الى حد بعيد أكبر المجموعات الديموغرافية في الجزيرة .
في عام 1895 انتصرت اليابان في الحرب الصينية – اليابانية الأولى، واضطرت حكومة تشينغ إلى التنازل عن تايوان لليابان.
وبعد الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي أخذتها من الصين ، وبدأت جمهورية الصين في حكم تايوان بموافقة حلفائها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة .
ولكن في السنوات القليلة اندلعت حرب أهلية في الصين ، وهزمت قوات ( ماو تسي تونغ ) الشيوعية قوات الزعيم آنذاك ( تشيانغ كاي شيك ) ، هرب تشيانغ وبقايا حكومة ما يعرف ب ( الكومينتانغ ) إلى تايوان في عام 1949 ، وجعلوها مقراً للحكومة، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية ، وقد قال كلا الجانبين إنهما يمثلان الصين كلها .
وسيطرت هذه المجموعة التي يبلغ عددها 1.5 مليون شخص، على السياسة التايوانية لسنوات عديدة ، على الرغم أنها تمثل 14% من تعداد سكان تايوان، وبما أنه وريث ديكتاتورية، واجه تشينغ كو، نجل القائد تشيانغ مقاومة من السكان المحليين المستائين من الحكم الاستبدادي، وتحت ضغط من حركة ديمقراطية متنامية، بدأ بالسماح لعملية التحول الديمقراطي ، وقد قاد الرئيس ( لي تنغ هوي ) المعروف باسم ” أبوالديمقراطية ” في تايوان، تغييرات دستورية نحو نهج سياسي أكثر ديمقراطية، مما أدى في النهاية إلى انتخاب( تشن شوي بيان ) أول رئيس من خارج حزب الكومينتانغ في الجزيرة عام 2000 .
بدأت العلاقات بين الصين و تايوان تتحسن في الثمانينيات وقد طرحت الصين صيغة تعرف باسم ” دولة واحدة ونظامان ” ، تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة اذا قبلت إعادة توحيد الصين .
في عام 1991 أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي. أصرت بكين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية( ROC) غير شرعية ، وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان ( تشين شوي بيان ) رئيسا ، شعرت بكين بالقلق ، وكان تشين قد أيد بصراحة الاستقلال، بعد عام من إعادة انتخاب تشين في عام 2004 ، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام ” الوسائل غير السلمية ” ضد تايوان إذا حاولت الانفصال عن الصين .
خلف ( تشين شوي بيان ) في الرئاسة ( ماينيغ جيو ) الذي سعى بعد توليه منصبه في عام 2008 إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقات الاقتصادية.
وبعد ثمان سنوات وفي عام 2016 انتخبت الرئيسة الحالية ل تايوان( تساي إنغ ون ) والتي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي ( DPP ) والذي يميل نحو الاستقلال الرسمي عن الصين .
تعهدت الولايات المتحدة يتزويد تايوان بأسلحة دفاعية وشددت على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه يثير قلقاً كبيراً .
– أين تقع مدينة تايوان؟

 

هي جزيرة تقع في بحر الصين وهو جزء هامشي من المحيط الهادي ، ويفصل بينها وبين الصين مضيق تايوان، حيث أن المسافة بين تايوان والصين حوالي 130 كيلومتراً فقط .
وتلعب تايوان دوراً حاسماً في التأكد من حصول العالم على أحدث
أجهزته التكنولوجية، من أجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى الأسلحة المتقدمة في الوقت المناسب، السبب وراء ذلك هو أن الجزيرة الديمقراطية المتمتعة بالحكم الذاتي والتي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة تعتبر رائدة في توريد رقائق أشباه الموصلات.
ولكن مع تصاعد التوترات بين تايبيه وبكين ، أصبح مصير تلك الصناعة مصدر قلق عالمي ، وحذر الخبراء من أن أي تعطيل لإمدادات الرقائق في تايوان يمكن أن يشل إنتاج معدات رئيسية، مما يؤثر على كل شخص في العالم تقريبا .
تعد الرقائق المتقدمة التي تصنعها تايوان جزءاً لا غنى عنه في كل شيء من الهواتف الذكية إلى الغسالات، قال روي لي ، نائب المدير التنفيذي في معهد تشونغ هوا للبحوث الاقتصادية في تايوان، إنه إذا حدث صراع على مضيق تايوان، ” فسيكون كارثيا ليس فقط ل تايوان، ليس فقط للصين ، ولكن أيضا للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وكل شخص آخر ” .
إحدى الشركات التايوانية على وجه الخصوص – شركة :
Taiwan Semiconductor Manufacturing Company ( TSMC) –
هي أكبر مصنع تعاقد للرقائق في العالم وتلعب دوراً مهماً في تشغيل المتجات المصممة من قبل شركات التكنولوجيا مثل : Apple و Qualcomm و Nvidia
وقالت وكالة رويترز في تقرير حديث ان شركة ( TSMC ) التي تبلغ قيمتها السوقية حوالي 500 مليار دولار ، هي واحدة من أكثر الشركات قيمة في آسيا، وتمثل 90% من الرقائق فائقة التطور في العالم .
من الصعب صنع رقائق أشباه الموصلات فائقة التطور مثل تلك التي تنتجها شركة TSMC ، بسبب التكلفة العالية للتطوير ومستوى المعرفة المطلوب .
– التكنولوجيا وخلق القيمة المضافة :
في عام 1976 أرسلت تايوان فريقا من الباحثين والخبراء إلى الولايات المتحدة لتعلم تكنولوجيا الدوائر المتكاملة، وهي الجهود التي مكنت لاحقا الشركات التايوانية من أن تنتج وحدها بحلول عام 1992 أكثر من 70% من أجهزة الكمبيوتر المصنعة عالميا، وأدت كذلك لظهور شركات عملاقة مثل ” فوكسكون ” في قطاع التكنولوجيا.
في التسعينيات كانت تايوان هي اللاعب العالمي الرئيسي في صناعة أجهزة الكمبيوتر المكتبية ، وذلك أولا من خلال التعاون مع كبرى الشركات في وادي السيليكون، وثانيا عبر الإستفادة من ميزة الإنتاج في الصين حيث تتوافر الأيدي العاملة الرخيصة . أسهمت القرارات الحكومية المستنيرة في نجاح تايوان في تثبيت أقدامها على الساحة العالمية كأحد أهم اللاعبين في صناعة تجميع الإلكترونيات، وصناعة الدوائر المتكاملة وذلك بدعم من النظام التعلمي الذي أنتج كتلة حرجة من المهندسين والعمال المدربين تدريبا جيدا .

 

– من يعترف ب تايوان؟
هناك خلاف وارتباك حول ماهية تايوان.
تعتبر الصين تايوان مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، ولدى تايوان دستورها الخاص وقادتها المنتخبون ديمقراطيا ، وحوالي 300 ألف جندي عامل في قواتها المسلحة، زعمت حكومة جمهورية الصين في عهد شيانغ كاي شيك ، التي فرت من البر الرئيسي إلى تايوان في عام 1949 ، في البداية أنها تمثل الصين بأكملها إذ كانت تنوي إعادة احتلالها، وقد شغلت تلك الحكومة بالفعل مقعد الصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واعترف بها العديد من الدول الغربية باعتبارها الحكومة الصينية الوحيدة ، ولكن في عام 1971 ، حولت الأمم المتحدة الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين وتم إجبار حكومة جمهورية الصين على الإنسحاب. منذ ذلك الحين انخفض عدد الدول التي تعترف ب حكومة جمهورية الصين دبلوماسيا بشكل كبير إلى حوالي 15 دولة .
أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية مع بكين في عام 1979 في عهد الرئيس جيمي كارتر ، نتيجة لذلك اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية الى قطع العلاقات مع تايوان وأغلقت سفارتها في تايبيه.
لكن في العام نفسه أقرت أيضا قانون العلاقات مع تايوان والذي يضمن دعم الجزيرة، وينص هذا القانون على أنه يجب على الولايات المتحدة مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها وهذا هو السبب في استمرار الولايات المتحدة في بيع الأسلحة إلى تايوان.
ولم يُعترف ب تايوان كدولة مستقلة من قبل الكثير من دول العالم، ولا حتى من قبل الأمم المتحدة، وتواجه الجزيرة الكثير من العقبات المرتبطة بتسميتها لأبسط الأمور من قبيل مجرد المشاركة في الأحداث والعضوية في المؤسسات مثل الألعاب الأولمبية ومنظمات التجارة العالمية.
– ما هي سياسة الصين الواحدة ؟
سياسة الصين الواحدة هي سياسة تشدد أنه لا توجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تحمل اسم ( الصين ) على عكس فكرة وجود دولتين: الأولى جمهورية الصين الشعبية والثانية جمهورية الصين( تايوان ) .
يختلف مفهوم ” الصين الواحدة ” عن مبدأ الصين واحدة ، وهو المبدأ الذي يصر على أن كلا من تايوان والبر الرئيسي للصين أجزاء لا تتجزأ من ” صين ” واحدة .
ختاماً ….
لا تمتلك تايوان كميات كبيرة من النفط أو ألماس أو الذهب أو أي مورد طبيعي اخر يبرر القفزة الكبيرة التي حققتها في تنميتها الاقتصادية خلال العقود الأخيرة ، وسبب ذلك هو أن في عالمنا اليوم لم يعد الأمر يتعلق بما إذا كان البلد يمتلك أو لا يمتلك موارد طبيعية ، حيث أصبح سر التقدم هو نوع آخر من الموارد يمتلكه الجميع ولكن القليل من يهتم بتطويره والعناية به ، وهو : ” رأس المال البشري ” . تايوان فهمت هذه الحقيقة ، لذلك جعلت الاستثمار في رأس المال البشري أولويتها القصوى، وهو ما ساعدها في ” تفريخ ” قوى عاملة ماهرة وموهوبة حملت على أكتافها هم تحويل بلادها إلى قوة اقتصادية عالمية .
نتيجة لهذا الاستثمار هناك فرصة كبيرة لأن يكون الجوال الذي تحمله في جيبك أو حاسوبك الشخصي تم تصنيعه في تايوان أو في مكان آخر مثل الهند أو الصين ولكن عبر شركة تايوانية مثل ” فوكسكون ” المصنعة للعديد من منتجات شركات ” آبل ” و ” سيسكو ” و ” نوكيا ” و ” توشيبا ” و ” ديل ” وغيرها من كبرى الشركات العالمية.
اليوم تفتخر تايوان التي لا تزيد مساحتها كثيرا على 36 ألف كيلومتر مربع بكونها صاحبة الاقتصاد صاحب المرتبة ال 22 عالميا مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 528.55 مليار دولار ، بينما بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 حوالي 37 ألف دولار وهو رقم يتساوى مع نظيره لدى دول مثل ألمانيا والدانمارك وبريطانيا.

 

وفي الأخير فإن واشنطن تحافظ على علاقة قوية رسمية مع تايوان، بما في ذلك استمرار مبيعات الأسلحة للجزيرة حتى تتمكن الدفاع عن نفسها .
وعلى الرغم من أن حكومة تايوان تدعي أنها دولة مستقلة تسمى رسميا ” جمهورية الصين ” فإن أي دولة تريد إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين ، يجب أن تقطع العلاقات الرسمية مع تايوان.
وقد أدى ذلك إلى عزل تايوان دبلوماسيا عن المجتمع الدولي.

 

 

بقلم: فاتن الحوسني


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com