أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أصبحت الأولى عالمياً في العطاء الإنساني، والرائدة دولياً في تبني القضايا الأممية، وستظل تعمل على ترسيخ ذاتها عاصمة إنسانية عالمية.
جاء ذلك خلال استقبال سموه في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، أمس، وفداً أممياً برئاسة بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بهدف إطلاق تقرير أنشطة المساعدات الإنسانية في العالم، تحت عنوان «معالجة الفجوة التمويلية في المساعدات الإنسانية قضية بالغة الأهمية لا تحتمل الفشل»، الذي شاركت فيه نخبة من الشخصيات الرسمية، على رأسها حرم صاحب السمو نائب رئيس الدولة سمو الأميرة هيا بنت الحسين، رئيسة مجلس إدارة المدينة، ومعالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة التنمية والتعاون الدولي، ومعالي ريم إبراهيم الهاشمي، رئيسة مجلس إدارة دبي العطاء.
وثمن سموه قرار الأمم المتحدة اختيار الدولة لإطلاق تقريرها على أرضها، مضيفاً سموه أن هذا الاختيار يؤكد ثقة العالم بدور الإمارات في دعم العمل الإنساني، فيما شدد على ضرورة العمل الدولي المشترك لسد الفجوة العالمية في المساعدات الإنسانية.
وقال سموه: «أتوجه بالشكر الجزيل إلى السيد بان كي مون على جهوده المخلصة في سبيل خدمة القضايا الدولية العادلة، ونثمن عالياً قرار هيئة الأمم المتحدة اختيار دولة الإمارات عامة وإمارة دبي خاصة لإطلاق هذا التقرير على أرضها. هذه الخطوة دليل واضح على الثقة العالمية بدولتنا وخاصة في المجال الإنساني العالمي».
وأضاف سموه: «لا بد من ترسيخ العمل الدولي المشترك لسد الفجوة العالمية في المساعدات الإنسانية عبر تحسين كفاءة العمل الإنساني، وإشراك القطاع الخاص، وترسيخ حوكمة رشيدة في الدول المحتاجة».
من جانبه، قال بان كي مون إن الإمارات دولة مخلصة في دعم العمل الإنساني، وتوفير الحياة الكريمة لأبناء شعبها وبقية شعوب العالم، مثمناً جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تعزيز الروابط الأممية، وخدمة العلوم والمعارف والإبداع التي تشكّل قاعدة للمشاعر الإنسانية، وعلى رعايته للتنمية العالمية، في وقت أكد فيه أن الإمارات في مقدمة الدولة المانحة للمساعدات، وأثبتت من خلال بعثاتها الإنسانية ومبادراتها المبدعة أنها جديرة باحتضان المبادرات الأممية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة: «أتوجه بجزيل الشكر والتقدير إلى دولة الإمارات بقيادتها وشعبها التي تثبت يوماً بعد يوم إخلاصها لقضية الإنسان وتوفير حياة كريمة له، كما أتوجه بالشكر الخاص إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على كل بادرةٍ يقوم بها وكل فكرةٍ ينتجها لتعزيز الثقافة الإنسانية والروابط الأممية بين مختلف الشعوب، وعلى جهوده المباركة في خدمة العلوم والمعارف والإبداع التي تشكّل قاعدة للمشاعر الإنسانية، وعلى رعايته للتنمية وقضاياها في هذه المنطقة وفي العالم أجمع».
وأضاف بان كي مون: «لقد تصدرت دولة الإمارات قائمة الدول المانحة للمساعدات على مستوى العالم قياساً بدخلها الوطني، وأثبتت من خلال بعثاتها الإنسانية ومبادراتها المبدعة والبناءة على هذا الصعيد أنها جديرة باحتضان المبادرات الأممية أيضاً، لما تمثله من مكانة عالية لدى الشعوب التي تواصلت معها بعثاتها واستفادت من مساعداتها، ولما تتمتع به أيضاً من مصداقية دولية تمنح العمل الأممي من هنا – من إمارة دبي – ما يحتاج إليه من عوامل النجاح والاستدامة».
وقال المسؤول الأممي في تقديمه للتقرير: «تتسع الفجوة بين أعداد الأشخاص المحتاجين المتزايدة باستمرار وبين النقص في الموارد الكافية لمساعدتهم، وينفق العالم اليوم 25 مليار دولار تقريباً لتوفير جزء من المساعدة المطلوبة لإنقاذ الأرواح والمحتاجين، وبرغم السخاء الذي يتمتع به العديد من المانحين، فإن هناك فجوة في تمويل أعمال المساعدات الإنسانية تقدر بـ15 ملياراً، ثم إن هذا التقرير الذي أوصيت بإعداده فريقاً رفيع المستوى في الأمم المتحدة يهدف إلى تجسير الهوة بين الاحتياجات الإنسانية المتنامية والموارد المتاحة، من خلال زيادة التعاون مع القطاع الخاص، وتوسيع نطاق الدور الجديد للمانحين، والبحث في كيفية الابتكار المالي».
وتابع قائلاً: «إننا نعيش في عصر الأزمات الكبرى، ولكن، كما يشير عنوان التقرير، نحن ببساطة لا يمكن أن نفشل، ونحن بحاجة إلى تفكير جديد، والإصرار على اتخاذ قرارات جريئة. وهذا التقرير يسهم في صياغة أولويات جديدة لقمة المساعدات الإنسانية المزمع انعقادها في إسطنبول في شهر مايو المقبل».
من جانبها، قالت سمو الأميرة هيا بنت الحسين: «المآسي الإنسانية التي أنتجتها الصراعات والأزمات والكوارث خلال العقد المنصرم وضعت العالم أمام حالة لم يشهدها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث وصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخلياً في العالم إلى قرابة 50 مليون شخص، مما رفع عدد المتضررين من نقص المواد الأساسية كالغذاء ومصادر المياه النظيفة ومن خدمات الصحة والتعليم والتمكين الاجتماعي والأمن الشخصي إلى قرابة 125 مليون شخص حول العالم، إضافة إلى ملايين البشر الذين يعانون الفقر والبطالة والمرض بسبب غياب التنمية».
وأضافت سموها: «لا بد من مبادئ سامية تتوحد حولها دول العالم بقطاعاتها الحكومية والخاصة لسد الفجوات الإنسانية».
ويركز تقرير الأمم المتحدة على ثلاثة مجالات لمعالجة النقص في المساعدات الإنسانية على مستوى العالم، وهي: تقليص الاحتياجات، وتوسيع قاعدة الموارد للتمويل، وتحسين الكفاءة من خلال التسوية الكبرى بين الشركاء الرئيسين المعنيين بالقضايا الإنسانية.
وكشف التقرير أن الناتج السنوي لدول العالم يقدر بـ78 تريليون دولار، وهو ما يعني أن معالجة الفجوة التمويلية في المساعدات الإنسانية يمكن تحقيقها، و«من غير المروءة أن يموت أحد أو يعيش بلا كرامة من جراء الافتقار إلى المال».
ولفت التقرير إلى أن عام 2014 شهد نزوحاً يومياً بلغ 42500 شخص تشردوا بفعل العنف والنزاعات، فيما يترك يومياً نحو 53 ألفاً أوطانهم، بسبب الكوارث الطبيعية التي يرتبط 90% منها بالأحوال المناخية. وبيّن التقرير أن تفاقم العنف المصحوب بالتطرف والتغيرات المناخية سيؤدي إلى ارتفاع تلك الأرقام بالتوازي مع ارتفاع كلفة الاستجابة لتلبية احتياجات هؤلاء النازحين.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة عيّن فريق خبراء يضم تسعة أشخاص، للعمل على إيجاد حلول لسد فجوة التمويل الآخذة في الاتساع، وبحث الفريق 3 جوانب مهمة ينطوي عليها تحدي التمويل المخصص للأغراض الإنسانية، وهي: تقليل الاحتياجات، وتعبئة أموال إضافية، إما عن طريق آليات تقليدية أو آليات مبتكرة، وزيادة كفاءة المساعدات الإنسانية.
وخلص الفريق إلى أن الطريق المثلى لمعالجة الاحتياجات الإنسانية هي معالجة أسبابها الجذرية، و«هذا يقتضي تصميماً قوياً في رفع مستويات القيادة السياسية العالمية، لمنع النزاعات وتسويتها، وزيادة الاستثمار في مجال الحد من مخاطر الكوارث».
وجاء في التقرير: «نظراً إلى إن التنمية هي أفضل الوسائل لإنشاء القدرة على استعادة الحيوية، فإن موارد العالم الشحيحة المخصصة للمساعدة الإنمائية الرسمية يجب أن تستخدم بحيث يكون لها التأثير الأعظم، وتحديداً في الحالات الأكثر حاجة».
وشدد التقرير على ضرورة تركيز المساعدات الإنمائية الرسمية على البلدان التي تعاني الصدمات من جراء النزاعات حولها أو الكوارث الطبيعية، داعياً إلى ضرورة أن يكون هناك استثمار منهجي في بناء القدرة على استعادة الحيوية، بما يشمل تخصيص الأموال لبناء السلام وفض النزاعات على الصعيد الدولي.
ودعا التقرير إلى وضع 1% من التمويل الأساسي المختص من الأنصبة المقررة على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام في صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، مشدداً على أهمية توفير تمويل احتياطي للطوارئ في البلدان المعرضة لخطر الكوارث الطبيعية، وإيجاد بنود ميزانية مخصصة للحد من مخاطر الكوارث، توجه إلى أنشطة الحد من الكوارث ولتلقي التمويل عندما تحدث الكوارث.
ووفق التقرير، ينبغي أن تدرج البلدان المضيفة للاجئين في خططها الإنمائية، وأن تحصل على دعم دولي كافٍ يمكن التنبؤ به، وينبغي أيضاً متابعة الأشخاص المحتاجين، من خلال إعادة تصنيف معايير الاستحقاق المعمول بها لدى المؤسسة الدولية للتنمية، وبذلك نعطي البلدان المتوسطة الدخل إمكانية الحصول على منح تلك المؤسسة وقروضها المنخفضة الفائدة.
ودعا التقرير إلى سد الفجوة بين العمل الإنساني والتنمية ببرمجة قائمة على التحليل المشترك، و«بهذه الطريقة يمكن أن يصبح الناس الضعفاء معتمدين على الذات، وسيتلقون المساعدات بسلاسة من منظمات إنسانية لديها قدرة أكبر على العمل في البيئات غير المستقرة، إلى جانب المنظمات الإنسانية التي لديها آفاق تمويل أطول أجلاً وقدرة أفضل على دعم الأنشطة المجدية اقتصادياً».