الكتابة حياة ثانية يهديها الكاتب لقرائه. وصل إليها بعد مئات الحيوات التي عاشها بين أحضان الكتب. ثم خرج منها شخص فريد من نوعه. جاهد ليظهر كتابه غير مسبوقٍ في طرحه. ثم قدم لنا أطروحاته وفق ما يرى. وتركنا بين سطوره نبحث في كنهه، بينما هو غارق في تسطير حياة أخرى في كتاب جديد. غير آبه بأي نقد قد يتلقاه سلبياً كان أم إيجابيا، فهو ليس بقرآن!
هنا سطور وضعت تحتها خط بقلمي الرصاص وأنا أقرأ كتاب (اكتب بقلبك راجع بعقلك لكاتبه عبدالله زايد) استوقفتني فأحببت أن أقرأها مرة أخرى بحروفي.
“بين ولادة الفكرة وتحولها إلى كلمات يضيع شيء ما” هذه جملة معبرة تستوقف كل ذي شغف بالتدوين. أمام ما ورائياتها نظل مقدرين لكل جهود من أوصلوا أفكارهم وحرصوا أن يعيشها القارئ كما شعروا بها.
“التفرد” في عالم الكتابة هو اقتناص الفكرة المبدعة وتحويلها لنص بديع يلامس قلوب القراء.
و”الاستسلام” لها يخلق نصوصاً هي من قررت أن تكونها لا دخل للكاتب بتشكيلها. هي ارتأت أن تكون مقالا فتدفقت حروفاً لمقال، هي أرادت أن تكون قصة فنسجت حروف كلماتها حبكة فنية أسرت الكاتب فاستسلم لها.
” تخلص من أول أعدائك، وهو التردد في التدوين والكتابة” إذاً بادر واستجب لمطرقة خلجات النفس حين تلح فلا فكاك من طرقها سوى استجابة أناملك.
” أنت كمنزل… فلا تنتظر ممن يسكنك الشكر، ولا تنتظر ممن يعبر العرفان ..” فإن رجوت منهم ذلك أسرت نفسك. فالكاتب الحق هو الذي يحلق بحرية تامة ما أن ينتهي من نص إلا وجد نفسه يغالبُ نصاً آخر.
” المؤلف لاعب ناجح على وتر الكلمات” لا يهدأ حتى تكون سطوره سمفونية يطرب لها القارئ.
“القراء وحوش منتظرة متربصة” فإما أن تخرسك فلا تعاود الكتابة، وإما أن تختال بينها وتمضي قُدُماً. آخذاً بعين الاعتبار كل نقدٍ بناء، متجاوزاً قسوة المخالب.
” امتثل وسارع بالنهوض حين تتراقص في عقلك الأفكار بعدما وضعت رأسك للنوم .. إنها لحظة الكتابة” لا تخذلها فتندم. أو تتجاهلها فتبأس. لأنك ستظل تذكر أن فكرة عجيبة يوماً ما راودتك ولم تقدرها، ولم تدونها. وليت ساعتئذ لا تنفع.
إن الكاتب الجيد ينقل ومضات فكره بين دفتي كتاب. فتعبر سطوره حدوداً جغرافية وفكرية ما كانت لتعبر لولا اقتناصه إياها.
بقلم: رقيه سالم الكعبي