أنا العيدية وصديقي العيد، نتواعد كل عام مرتين، من أجل مهمة عجز عنها أباطرة العلم وجهابذة الاجتماع، نرسم ضحكة، نفرح قلباً، نجلو حزناً، ننسي هماً، نجمع شملاً، نأسر حباً، نعطي درساً في العطاء والكرم، لا عيد بلا عيدية، ولا عيدية بلا عيد، تاريخنا واحد، يكمل بعضنا الآخر، كانت ولادتنا مع ولادة النور الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأدخل على قلوبهم البهجة والسرور، جئنا بعد شهر من أفضل الشهور، كم لايعد ولا يحصى من المحرمات والممنوعات، مدرسة للعبادة والصبر، نأتي كقطرة الماء للعطشان، وملجأ الضائع والحيران، وملتقى الأحبة وألفة القلوب، ونسيان الهموم .
تاريخنا قديم، واسمنا مشتق من معاني العطاء والجود والكرم ، لم أعرف سابقا بالعيدية بل ب( الجامكية )في العصر المملوكي، وفي العصر الفاطي تبادلني الأمراء والسادة على شكل دنانير ذهبية في أطباق فاخرة مع الكثير من المأكولات الشهية، لم أكن رفيقة الفقراء وقتذاك، حتى العهد العثماني دخلت عالم الطفولة، فأصبحت الفرحة والبهجة والسرو الذي يعلو النفوس، والنقود التي تملأ الجيوب،كنت الثوب الزاهي ، والحذاء اللامع، وصيقة الشوارع والأسواق،ورائدة المطاعم والملاهي،همي الوحيد إدخال السرور على كل قلب، أذكّر الناس بفقراء الأمة وغيرهم .
تحوّلت مع مرور الوقت عادة اجتماعية رائعة تغنّى بها الأدباء والشعراء، كسرت كل الطبقات وحدت النفوس على المحبة والوداد والألفة، باعدت الأحقاد والضغائن بين الناس، حتى اقترن اسمي بالطفولة، تحولت في خاطر كل امرئ ذكرى لا تمحى، يحن إلي الكبير قبل الصغير، والفقير قبل الغني، كسرت عند الأطفال حاجز الخوف والخجل .
دخلت وبدون استئذان مفكرة كل مسلم عرف طعم العيدية، وجعلت أجمل الذكريات هي أيام العيدين الصغير والكبير.
للعيدية في حياتي الخاصة مكانة لايمكن وصفها، كنت متميزة بالخجل وعدم الإقبال أو الجرأة، حتى يأتي العيد وتصبح العيدية هم ومطلب كل واحد منا، نطير مع طلوع الشمس زرافات، نطرق بأيدينا الناعمة الأبواب، لا يشغل بالنا من يفتح، بل كم سنأخذ من النقود ونجمع من الحلوى ثم ننطلق نحو الشوارع واصوات قرقعات النقود تفضح ما لدينا، نشتري أطيب المأكولات غير عابئين إن كانت نافعة أم ضارة، هو يوم العيد يوم الحرية يوم كسر الحواجزنصيح ( اعطونا العيدية ) فراشات تنتقل من زهرة إلى أخرى، وكأن شيئاً كنا فقدناه وقد وجدناه، ما أجمل العيد والعيدية وما بينهما، وكل عام وأنتم بخير.
بقلم: د. آمنة الظنحاني