|  آخر تحديث مارس 22, 2022 , 0:28 ص

الأمومة


الأمومة



عندما نقف عند لفظة أمومة، نجدها تجمع في طياتها أعظم وأسمى المشاعر والأحاسيس التي أودعها الخالق عزّ وجلّ في المخلوقات الأنثوية كافة ، ولم تكن مقصورة على البشر فحسب بل بكل مخلوق على وجه المعمورة، هذا الإحساس الفطري الذي رسم تلك العلاقة بين الأم وجنينها برباط قدسيّ حيّر علماء الاجتماع في العالم، حيث تكون الأمومة في ذروة مشاعرها ما أن يتعرض مولودها لأي مكروه ، انظرإلى ذلك الطائر الذي يقطع المسافات الطويلة للبحث عن طعام لفراخه ، وما يعانيه من مشاق في تلك الرحلة العجيبة، يمد منقاره ليعصر من جوفه ما يسدّ رمق فراخه وعليه قس جميع المخلوقات ، فما بالك بالأم من بني البشر التي ميّزها الله عن باقي المخلوقات بالعقل و العاطفة الجيّاشة التي لاتشبهها أية عاطفة.

 

 

فالأمومة تلك المشاعر والأحاسيس التي عجزنا حتى اليوم – رغم التقدّم العلمي الذي توصلت إليه البشرية – بإدراك كنهه أو النبع الذي يأتي منه، فوصفها اللغويون على أنها الرابطة التي لا مثيل لها من الروابط التي عرفناها في حياتنا، فقصة الأم لمكسيم غوركي، تظهر تلك الرابطة العظيمة بين الأم وابنها، إذ تحمّلت مشاق لا تتحملها الجبال لتوصل فقط كلمة إلى ولدها في معسكرات النازية، لاتنس وطنك ياولدي، هذا الشعور وهذا الإقدام واجتراح المشاق لتكون صاحبة رسالة عظيمة، ألم يصطفي الله عزّوجلّ نساء من العالمين ليكنّ مثلا يحتذى.

 

 

فبالك برسالة الإسلام التي ضربت أعظم الأمثلة في تقدير الأم ودورها في بناء المجتمع على أسس سليمة، حتى جاءت جميع التشريعات السماويّة والأرضيّة تنصف الأم وتقف إلى جانبها،ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة، حين مدّ رداءه على الأرض بكل تواضع وأجلس مرضعته حليمة السعدية التي رأى فيها الرسول الكريم لا تختلف عن أمه، وماذا أجاب الصحابي حين سأله الرسول الكريم عن أحقّ الناس بصحبته، فقال مكررا ثلاثا أمك، ماهذه الإيماءات العظيمة في الإسلام عن الأم؟، بل حثّ ديننا العظيم على حسن الصحبة والطاعة للوالدين، بل جعل الله رضاه من رضا الوالدين، وعدّ عقوقهما كبيرة من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله.

هذه القدسيّة التي وهبها الله للأم وللأمومة إذ جعل الله الجنة تحت قدميها، ليشير من قريب أو بعيد ما هو غال عليكم رخيص أمام الأم، وحين جاء رجل للنبي صلّى الله عليه وسلم، وقال: إني أطوف في الكعبة حاملاً أمي على كتفي، هل أكون وفيتها حقها، فقال له الرسول الكريم: كل ما تقوم به لايساوي طلقة من طلقات ولادتها.

 

 

تغنّى بها الشعراء وروى لها الكتّاب، وغنى لها المغنون، فهذا الشاعر محمد درويش يقول:

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي

وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدرك أمي

وأعشق عمري

لأني إذا متّ أخجل من دمعك أمي

وقال :

أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها

وعاد مستشهداً

فبكت دمعتين وورداً

ولم تنزو في ثياب الحداد

وما يزيد الأمور تعقيداً في هذه الأيام، قسوة الحياة وضيقها على الناس إذ جعل بعض القلوب

قاسية، بل أشد قسوة من الحجارة،فحري بنا أن نذكّر أنفسنا و الآخرين على حسن صحابة الأم وعدم جرح إحساسها، يكفينا ما طلب الله منا ( وقضى ربك ألا تعبدو إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا إما يبلغنّ عندك الكبرأحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لها جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا).

أي إبداع إلهي كلمات تقشعرّ لها أبدان من فقدوا إحساسهم ، ربي لاتجعلنا منهم ، بل ممن تبع دينك وسنة رسولك صلّى الله عليه وسلّم.

 

 

 

بقلم: د. آمنة الظنحاني 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com