عندما وضعت حرب أفغانستان أوزارها، وبعد أن رحل جيش السوفييت في محاولة لإنقاذ تلك الإمبراطورية العظمى من التشرذم والاضمحلال، وجد «فتية الجهاد» أنفسهم، بعد سنوات القتال العشر في متاهة الانتماء والولاء والواجب، وتناثروا في كل حدب وصوب، وهم يحملون في داخلهم قسوة وغلاظة، مضافاً إليها غرور الانتصار في أفغانستان على الكفر والكفار، وإقامة الدولة الإسلامية، وغذت جماعة الإخوان تلك الأفكار والطباع المستحدثة، وعاد من عاد إلى بلاده، ليشكل خلايا سرية وجمعيات خيرية، وتجارة ممولة من بقايا التبرعات، التي أغدقت على «المجاهدين» من الدول المانحة بسخاء للحرب ضد الروس، ومن بلادنا العربية، التي فتحت أبوابها لكل من ادعى بأنه «مجاهد» أو قائد لفصيل جهادي، وسمح لهم بجمع التبرعات، وكان الإخوان هم الذين يشرفون على تلك الحملات، في حين اختار فصيل آخر تشكيل «تنظيمات أممية»، تكون قاعدتها في أفغانستان وفروعها في الدول المتعاطفة، وكان ذلك خيار «التلميذ» أسامة بن لادن، الذي انقلب على كل الذين «طبلوا له» من قبل، ابتداء من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وصولاً إلى البلاد العربية، التي أرادها أن تكون نسخة أفغانية، وبسلاح أمريكا ودولاراتها دخل مرحلة الحرب المفتوحة مع العالم، وشكل «القاعدة»، ذلك التنظيم، الذي كان قادراً طوال أكثر من 20 سنة على الوصول إلى حيث يشاء، وقمتها خطف الطائرات وتدمير أبراج نيويورك في 11 سبتمبر 2001.
واليوم ترتكب أوروبا خطيئة ستعض أصابع الندم عليها، بعد بضع سنوات، فقد فتحوا الأبواب للمتطرفين والعنصريين المتشددين، للذهاب إلى أوكرانيا، وهؤلاء أو من سيعودون إلى بلادهم لاحقاً لن يكونوا هم الذين غادروها، سيعودون أكثر تطرفاً وأكثر عنصرية وأكثر تشدداً، فالذين يدفعون بهم إلى التطوع، ولن نقول الجهاد ضد روسيا، ينتقون أصحاب الانتماءات العقائدية، وكأنهم من إخوان الغرب، فإذا قاتلوا وتمرسوا سيكون من الصعب عليهم أن يعودوا إلى طبيعتهم، وأن يندمجوا في مجتمعاتهم، وأن يخضعوا للقوانين المدنية، التي تنظم شؤون بلادهم، وسيشكلون تنظيمات تقاوم كل ذلك، وتظهر من بينهم القاعدة، وداعش بعيون زرقاء، وشعر أشقر.
يومها لن ينفع أوروبا الندم.
بقلم: محمد يوسف