الحديث عن فكر وفلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، محبب إلى كل نفس تعشق النبل والترقي في سلم النماء والحق والفضيلة، فهذا ديدنه وبوصلة مسيرته القاصدة التي برهنت نتائجها الباهرة على صحة المنطلقات. فيكفي أن يكون سموه شاعراً لنستهدي إلى مسارات الصدق والشعور الإنساني الخلاق الذي لا يرتضي بأقل من سعادة كل الناس، ولنا في مشاريعه التي أطلقها عبر مبادرات زحمت الآفاق دليل.
شعوب الأرض قاطبة يقيض لها الله تعالى في حقبة ما من تاريخها قادة أفذاذاً يحملون مشاعل نصرها وأمجادها يشقون بها دياجير من المستحيلات والصعاب والتحديات، لتحقق تلك الشعوب بغيتها وتنفذ إلى مرافئ الأمنيات بفضل أولئك القادة الذين يضن بهم الزمان..
ويخبئهم القدر. صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من القادة النادرين، وشعب الإمارات من الشعوب التي حظيت بالفرصة التي تتطلع إليها شعوب كثيرة عبر الزمان والمكان، فحينما يكون القائد شاعراً وفيلسوفاً ومثقفاً وعاشقاً للعلم والجمال والمعرفة، فنحن حينئذٍ أمام تجليات وتيجان عز.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لم يكتب قصيدة عصماء واحدة ولا عشراً، ولم يؤلف كتاباً واحداً ولا اثنين، كما أنه لم يطلق مبادرة وحيدة من أجل المعرفة ومن أجل إذكاء شرارة العلم بالقراءة والاطلاع والمثابرة، إنه يفعل ذلك يومياً كما لو كان شمساً.
عند أهل السودان مقولة أصيلة يمتدحون بها صاحب الفعال الكريمة الذي يبادر إليها فيفاجئ من يحتاجون إليها دون أن يطلبوا منه ذلك، وأحياناً دون أن يعلموا أنهم كانوا في حاجة إلى هذا العطاء الذي يُصلح حالهم ويغيّر حياتهم نحو الخير والعافية، يقولون: »الضوْ ما يقولون له سَوْ«، فالنور يشيع من تلقاء نفسه حيث العتمات ليحولها إلى صحو وبهجة وحياة. مثل هذا الشخص يسمونه »الضو«، وبعضهم يسميه »ضو القبيلة«، وقد يسمونه »ضو البيت«، لأنه نبراس هدى وفارس يدلج بقومه ليخرجهم سالمين غانمين من الحلكة والضلال والمعاناة.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يجسد نموذج »الضو الذي لا يقولون له سو«، فهو يسوي الخير من تلقاء نفسه، وكأنه يفعله لنفسه، وتلك لعمري هي الأنفس الكبار التي يصنعها ربها لينفع بها عباده، وزايد الخير كان من هؤلاء بلا شك.
شخص جل همه أن يصنع الخير يومياً وكل ساعة لينفع البلاد والعباد والقريب والبعيد، ليس لأن ذلك من حقهم عليه فقط، ولكن لأن نفسه فطرها الله على ذلك، لا تهدأ ولا تطيب إلا بالعمل من أجل الأفضل.
البر والوفاء ديدن أهل الصلاح في الأرض، وأحسب أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منهم، ولا نزكيه على الله عزو وجل، انظر إلى رقته وحسن ديباجته وهو يعبّر عن خلجات نفسه المتواضعة السمحة شعراً:
سجدت باسمك إلهي عالي الشانِ
يالواحد الفرد نظرة منك تغنيني
وسجد لعزة جلالك جسمي الفاني
وخلعت عز الملوك ورجفت ايديني
طال اشتياقي وصوت الحق ناجاني
وأنا اتبع الصوت في همس يناجيني
لك جيت ساعي الى مكة بوجداني
يا مالك الملك بالرحمة تلاقيني
وكانت مصابيح مكة نور رباني
كأن الملايك محيطة بالمصليني
طفت وسعيت وبكى في الليل ولهاني
قلبه إذا يقال الله أكبر إيليني
فيض من النور حياني و أحياني
يا خالق النور أنته بس تحييني
ووقفت والليل يشهد طول حرماني
أنظر لحالي الهي لا تخليني
في مهبط الوحي والتنزيل فاجاني
شعور ما ينوصف ما زال يشجيني
كأنه امامي محمد خير عدناني
وحوله الصحابه جنوده والمطيعيني
و الآي ينزل بتوحيد وقرآني
والناس في ضجة من الخوف شفجيني
وما زلت أمشي ف مكة بين الأركاني
حتى ظهر في خيالي طيف ماضيني
قال وتوقف أنظر لك وحياني
يا مرحبا وقلت وين انته موديني
أشر إلى بير زمزم وين لاقاني
وقال اشرب وذقت ماء لليوم يرويني
وقال أنتظر منك من ربع وخلاني
انك من القدس بعد أيام تسقيني
وفجأة انتبهت ومنادي الحق ناداني
ولبيت داعي إلى ربي يناديني
وفي سجدتي راجي عفو وغفراني
دعيت لاثنين دايم يحبهم ديني
أبويه راشد الي بالدين وصاني
وأبويه زايد الذي فضله مغطيني
مواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليست نابعة من قلب عامر بالجمال والخير فقط، وإنما من عقل فيلسوف وقريحة لبيب أيضاً، ولا أدل على ذلك من إطلاقه لكتابه الشهير الذي لقي إقبالاً واحتراماً من دوائر الرأي في مناطق مختلفة من العالم، وهو كتاب »رؤيتي.. التحديات وسباق التميز« الذي يعرض من خلاله رؤيته الفلسفية إزاء تجربة دبي خصوصاً، والإمارات عموماً، التنموية الباهرة التي تقوم على تحقيق الامتياز والانتقال من دور المركز الاقتصادي الإقليمي إلى الاضطلاع بدور حيوي كمركز اقتصادي عالمي، مع التركيز على قطاعات الخدمات المتميزة والسياحة واقتصاد الفكر والمعرفة، والطاقة البشرية المبدعة.
وقد استلهم مادة مؤلفه الذي جاء في أكثر من 220 صفحة من المعايشة اللصيقة للتنمية ذات المواصفات الدولية العالمية، والتجربة الذاتية لسموه، ويا لها من تجربة، ومن العمل الدؤوب لرفعة الشعب والوطن. وبالتأكيد، فإن من يعمل وفق رؤية واضحة المعالم يستهدي بمبادئها وأهدافها الاستراتيجية، فإنه لن يرى طريقه نحو النجاح إلا وضّاحاً كفلق الصبح الأبلج.
ومضات من فكر
رجل يحب الريادة، وكالنسور يعشق القمم ولا يرضى بأقل من المركز الأول، ولذلك فهو يقول قولته التي سارت بها الركبان: »إذا لم تكن الأول، فالثاني والأخير نفس المصير«.
أية نفس تواقه إلى العلا هذه، تذكرنا بأنفس رموز المجد العربي المؤثل.
وفي كتابه الموسوم بـ»ومضات من فكر محمد بن راشد« الذي ترجم إلى لغات أجنبية عدة، يعد بشارة أخرى من بشارات سموه التي لا تقف عند حدود، حيث يأخذنا في جولة مع قائد تاريخي ذي حكمة وحنكة، لنقف معه إزاء فهمه المتعلق بمفهوم الحكومة ووظيفتها الرسالية المضيئة وبمنطق »الضو ما يقولون له سو«، بل يبادر مثل الضوء الذي يشيع من تلقاء نفسه حيث العتمات ليحولها إلى صحو وبهجة وحياة، يسبق الزمان ويتهيأ للضرورة بما تستحقه، يحدثنا الكتاب عن الفرد، وعن الطاقة الإيجابية والرياضة، عن المنافسة والمخاطرة، عن النجاح والفرح، عن القيادة والتغيير… عن كلّ هذه الموضوعات وغيرها يتحدّث سموه في كتاب »ومضات من فكر«.
يحتوي الكتاب على خلاصة تجربة كبيرة داخل إمارة عرفت كيف تبني نفسها وتتطور وتهتم بشبابها ومواطنيها وسياحتها، وفي كلّ باب من أبواب هذا الكتاب نعثر على حكم ونصائح تلمع كومضات لتكشف أمامنا حقائق كبيرة ومهمة.
ومن كتاب ومضات نقتبس: »إذا عوّدت نفسك على الإبداع في الأشياء الصغيرة، فستبدع أيضاً في الأشياء العظيمة«، »إنّ أكبر مخاطرة ألاّ تخاطر«، »لا مستحيل مع الإصرار، ولا مستحيل مع الإيمان، ولا مستحيل مع الحياة«، »لا بدّ من تحقيق السعادة لموظفيهم حتى يستطيعوا تحقيق السعادة للمجتمع«.
يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن كتابه »ومضات«: »أشار عليّ بعض الإخوة بتحويل الجلسة الحوارية التي أجريتها خلال القمة الحكومية التي عقدت في شهر فبراير عام 2013، لكتاب نوثّق فيه أهمّ ما قلناه، ونشرح فيه رؤيتنا لبعض المواضيع..
ونفصّل في بعض المواقف والتجارب والقصص التي ذكرناها باختصار خلال الجلسة. الكتاب متنوع كما كانت الجلسة، وهو عبارة عن إضاءات سريعة على مواضيع متنوعة في الإدارة والقيادة، وفي الحياة الشخصية، وفي نظرتنا إلى النجاح ورؤيتنا لأسبابه، وغير ذلك مما طُرح في تلك الجلسة. أضفت أيضاً بعض المواضيع التي لم يتسّع الوقت لطرحها خلال الجلسة، استكمالاً وتعميماً للفائدة…«.
يحوي الكتاب المؤلف من 144 صفحة صوراً كثيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الجلسة، ومع أعضاء حكومته، ومع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومع الرياضيين، والموظفين، هو الذي يؤمن بضرورة تحفيز الموظفين ووجوب احتضان الطاقات الشابة.
مبادرات القراءة والمعرفة
أطلق سموه مشروع تحدي القراءة العربي خلال 2015، ليحفز الطلاب العرب من المحيط إلى الخليج إلى القراءة وزيادة المعرفة، ورصد الجوائز الضخمة وأعد العدة، وطافت الوفود في الأفق العربي قاطبة تستحث وزارات التربية على المشاركة، فكانت الاستجابة وكانت تحية العرفان: شكراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.
ويخصص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد جائزة قدرها مليون دولار سنوياً، (وهي بالتالي أكبر من جائزة نوبل)، يهديها، بلا تمييز، لأئمة العلم والابتكار في حقول المعارف المختلفة، ولقد وفد إلى الإمارات العشرات من أولي الأحلام والنهى، لينعموا بتكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وليكتبوا ذلك في سجل تاريخهم الذي يفخرون به.
شهادة خليفة
»كتاب متنوع جمع بين تجارب حياتية، وأفكار قيادية، وآراء إنسانية جميلة من قائد عربي ناجح ذي تجربة ثرية«… هذا بعض ما قاله صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن الكتاب الذي يحمل آراء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحوارية 2013.