نتعاطي يوميا جرعات مكثفة من عقاقير الدراما والفضائح الإجتماعية المثيرة للجدل التي فرضت نفسها علينا من خلف الشاشة ولا أدري إذا كانت تعويضا عن تجمد الإلهام وتلاشي للإبداع الفني لدي الكتاب في صناعة الدراما والسينما ؛وإدمان من نوع خاص ساخر يجب علي مروجيه أن يتربعو علي عرشه قبل أن نتعاطاه لكي نستمتع بمفعوله الساحر علي أرض الواقع!
أم هو رفيقا للجائحة التي جاءت لتختبرنا فرسبنا ضعفا أمام المخدر وتبلدت أعصابنا ومشاعرنا كأننا تعاطينا بنجا كلياً في عالم إفتراضي مليئًا بالتساؤلات التي لا تهمنا علي الإطلاق !
من الذي تزوج ومن التي خلعت ملابسها ومن الذي حطم الإيرادات والمطلقة واللغز المفقود في قصة علي علوكة أو نمبر وان ومن القاتل في قصة مكررة تخلو من المعني مليئة بالمحفزات علي القتل والتفرقة وسرقة العقول وتشتت للأذهان بإفتعال الدراما المجنونة والتصدر بأكبر عدد من الأحكام علي الآخرين دون الدراية بقبح ما نفعله.. أما المقتول فهو المتابع المتعاطي مسلوب الإرادة !!
نعم اصبحنا فاقدين للإحساس بالزمن مغتربين عن أنفسنا اثناء التعاطي أو ما يعرف “بظاهرة الثقوب الزمنية “استعارة عن ظاهرة فلكية زمنية أو شعار قتل الزمن بقتل الإنسان بحيث انه يبدو للمتابع أو المتعاطي كأنه يقفز من لحظة زمنية لأخري مليئة بالمتعة والشغف الإدماني الذي يفقدنا الإحساس بالزمن ويدخلنا في نشوات مفتعلة للمشاركة في أحداث ومعارك منهكة للنفس والجسد بل و تجعله اجوف غارق في بحر مظلم ماله من قرار.. يقنعه بأنه يحصل علي المعلومة أو الإجابة علي أسئلته في حين انها تحوله لحيوان مربوط ملجم فاقد العقل والإحساس يجري في دائرة مرهقة كاذبة مصطنعة ليعيش في آلية الهروب من الأزمات والهوس من خلف الشاشة …لا يخلو منه بيت ولا مكتب ولا مدرسة أو جامعة ليفرق البيوت ويتراجع أداء الموظف ويعرقل الطالب عن التحصيل الدراسي اثناء الإستمتاع بتعاطيه.
(ترندي المخدر )
الترند هو خبر أو فضيحة أو فيديو يروج له يوميا من مائة جهة ومصدر ومليون تحليل فاشل قد لا يمت بصلة للحقيقة خلف الكواليس وقد يضيع جزء منها!
وقد صنف الكاتب (Joanh Berger) في كتابه (Contagious) الطرق المستخدمة نفسيا للتأثير علي المتابع إلي ستة أساليب:
(العملة الإجتماعية ،المحفزات،المشاعر، القيمة العملية والقصص)مما جعل هناك إقبال تاريخي علي صناعة المحتوي وإن كان يستحق هذا المسمي من عدمه وتدفق كم هائل من المعلومات التي توهمنا بالمعرفة وما هي إلا معلومات غير مترابطة متعددة المصدر مما يهدد مصداقيتها والإعلان عنها كحقيقة يمكن أن تنفعنا في شئ فقد اصبح حق الكلام للجميع مهما كان مستواه الثقافي أو مصداقيته ومن لايتعاطاه بنفس الصورة قد يفقد قيمته وتأثيره ويصبح مهمش إجتماعيا لأنه لم يبدي رأيه الخارق للعادة وفضل أن يصمت ..
“لكي تنشر العقار إجعلهم يتحدثون عنك “
أما عن مروجيه فهم لديهم سحر العقاقير المخدرة علي المتعاطي أو الغلبان المتابع مرهف المشاعر، وقد يكون فاقد للهوية بإستخدام تقنية نفسية لتقسيم المشاعر إلي (عالية الإثارة ومنخفضة الإثارة) لتعلو حالة من الإنبهار والحماس للمشاركة.. مثالا علي المنشطات وفواتح الشهية لعقار الترند أغنية بعنوان (أنتي أي كلام).
وكلما كان المحتوي أو المحفز يتصف بالركاكة والإدهاش بغير المألوف المبتذل كلما تربعت علي عرش مروجي المخدر…وفي عام 1996 قامت الدارسة السيكولجية المتخصصة (Kimberly Young) بعمل دراسة بعنوان (Internet addiction) إدمان الإنترنت وأستنتجت من خلالها أن بعض مستخدمي الإنترنت يعانون من نفس الأعراض المصاحبة (للقمار المرضي ) وهو المرض المصنف من الدليل التشخيصي بالإضطراب العقلي طبقا للجمعيه الأمريكية للطب النفسي ويعرف بإضطراب السيطرة على الإنفعالات بدون مواد مخدرة والمثير للشفقة هو أن المتصل ببرامج التواصل الإجتماعي يسلب إرادته أمام جذب تسلسل التصفح، حيث أن كل الطرق تؤدي إلي الإدمان أو (الترند) وإستشعار اللذة حين تسأله بماذا تفكر أو إستفزازه بحدث مبتذل يضعف إرادته ويجبره علي التعبير عن رأيه سواء بالإعجاب. وما أكثرهم.. أو بالثورة والغضب وذم الغير الذي يعبر بوضوح عن تعاسته الداخلية..والسؤال هو من المستفيد من هذه الدوامة؟
هو عقار يستهلك طاقتنا الذهنية والروحية ويستنزف قدرتنا علي التركيز والإبداع والتأمل والتحصيل الدراسي ومما لاشك فيه ان ثورة التواصل الإجتماعي حملت لنا منافع عظيمة بجانبها المشرق، وذلك إذا احسننا إستثمارها كصناع محتوي ذو قيمة ونفع للبشر وكمتابع متلقي بعيدا عن الإعتمادية والإدمان المرضي لها وايضا لها جانبها المعتم إذا جعلتنا رهنا لها تحت شعار الكل يفعل ذلك في مجتمع قبائلي، وتقع المسؤلية علي المتابع في الإنتقاء ،والكتاب والمفكرين والفنانين والإعلاميين وكل صانعي المحتوي أن يحولو هذا المخدر القاتل لأرواحنا إلي ضوء يفتح العيون والقلوب علي الحقيقة ويردنا لأنفسنا فالعمر محدود وجميعنا عابرون .. ولك كامل الحرية في الإختيار.
بقلم الإعلامية الباحثة: رشا أبو العز