قاعدة ذهبية تنطلق منها دبي في نهضتها، جوهرها رؤية محمد بن راشد في القيادة، وهي أن سباق التنافسية الإيجابية لا ينتهي، وهو مثل سباق الخيل، إذ على الفارس أن يركز على خط النهاية ليكون الأول من دون أن يلتفت للخلف، وإلا سيفقد تركيزه ويخسر سباق المركز الأول.
هذا ما تتبناه وتفعله دبي، حتى صنعت واقعاُ متقدماً بعقود عن المحيط، وغدت شعلة تأثير ونموذج استنساخ، في المنطقة والعالم. وهو أمر يدعو إلى الفخر ويؤكد النجاح، ويدعو إلى تميز أكبر، يبقيها على مسافة بعيدة، هناك في المستقبل، عن أقرب منافسيها، لا يهمها كلام هنا وهناك، ولا مشاريع تنافسية، بل تعتقد أن مثل تلك المشاريع دافع لتفوق أهم.
ما وصلت إليه دبي، ليس بجرة قلم، بل ثمرة تخطيط وجهد، والأهم هو العقلية التي تخطط، وصناعة بيئة النجاح، فكم من المشاريع، في الإقليم تم الإعلان عنها وفشلت وتعطلت؟ ليس بسبب نقص في التمويل، بل لأن بيئة النجاح فقيرة أو معدومة وتحكمها المزاجية ويتغلب فيها السياسي على الاقتصادي، عكس دبي والإمارات عموماً، التي تجعل السياسة خلف الاقتصاد، وتمضي في حب المخاطرة في الاقتصاد، وهو الحب الذي يخشاه كثيرون.
المهم أن دبي وسعت منذ سنوات تنافسيتها الإقليمية إلى العالمية، وهي اليوم بين أهم مدن العالم في التأثير الاقتصادي وسهولة ممارسة الأعمال، ما جعلها محطة ثابتة، لمقار المئات من الشركات العالمية، تخدم من دبي، أعمالها الدولية وليس الإقليمية كما يعتقد البعض.
يسأل البعض كيف؟ وتجيب مجلة فورن بوليسي الشهيرة، أن دبي ستبقى مركزاً رئيساً إقليمياً وعالمياً للنقل واللوجستيات، بدعم من موانئ دبي العالمية وطيران الإمارات، إذ تتعامل الأولى مع 10% من حركة حاويات البضائع العالمية، وتشغل 80 ميناءً بالعالم، وتمتلك محطات للخدمات للوجستية في أكثر من 40 دولة. أما طيران الإمارات التي تمتلك أسطولاً بـ250 طائرة، وتصل إلى 139 وجهة، وهو ما جعل هذين الكيانين، من دبي وجهة رئيسة يقصدها قطاع الأعمال بحثاً عن الأفضل.
ما لم تذكره المجلة، هو الرؤية التي صنعت هذه الكيانات وغيرها الكثير، وحافظت على تنافسيتها العالمية، بفعل السياسات المرنة والإدارة الاحترافية، والمخاطرة المحسوبة، التي كسبت من خلالها ثقة مجتمع الأعمال العالمي وأصبحت مطلباً له، بل إحدى أدوات نموه.
نعم هي الرؤية التي بنت واحداً من أكبر وأهم موانئ العالم في جبل علي، وهي الرؤية نفسها التي بنت مطاراً صار أول مطار بالعالم بعدد المسافرين الدوليين، ثم شركة طيران عالمية غيرت مفاهيم السفر الجوي.
ورغم ازدحام المنافسة التي تحبها دبي، فهي تمضي في مسارات جديدة، نحو اقتصاد المعرفة والتقنيات، وفي الوقت نفسه تضخ طاقات متجددة في القطاعات التقليدية، لا يهمها المنافسون والمنتقدون، بل تركز فقط على ما تريده وتمضي لتحقيقه لتكون عاصمة العالم الاقتصادية الأولى، وهو هدف يبدو تحقيقه واقعياً كما عودتنا دبي.
بقلم: منى بو سمرة