قال الباحث والمستشار علي محمد المطروشي إن عملية جمع المرويات التاريخية في الإمارات بدأت منذ وقت مبكر نسبياً، وقد وَجدَت بعضُ تلك المدونات سبيلَها إلى النشر، وبقي بعضُها متداولاً بطريقة النسخ، أو محفوظاً لدى أسر المؤلفين .
وأشاد بأسرة المدفع التي كانت سباقة في وضع كل ما تملكه من وثائق تاريخية في خدمة الباحثين والدارسين ،من خلال نشرها على ” الأنترنت”.
وأكد المطروشي ، خلال أمسية استضافها مركز جمال بن حويرب للدراسات ، بحضور الباحث والمؤرخ جمال بن حويرب ، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، ولفيف من المثقفين والمهتمين والإعلاميين ، وقدمه خلالها الباحث رشاد بوخش ، رئيس جمعية التراث العمراني في الدولة …أن جمع وتوثيق تاريخ البلاد مسألة في غاية الأهمية ، حيث تتجلى فائدته عبر الاستنارة بتجارب الأجيال السابقة في بناء الحياة المعاصرة والتخطيط للمستقبل . وتعزيز الهوية الوطنية والولاء والانتماء للوطن . إضافة إلى إثراء الحياة الثقافية في البلاد .
تدوين التاريخ المحلي
واستطرد المحاضر …شهد النصف الأول من القرن العشرين نشاطا ملحوظا في كتابة التاريخ المحلي ، فقد ظهرت خلاله مدونات متعددة ، أتيح لأكثرها التحقيقُ والنشر منذ عقد الثمانينات ، لكنها لم تنتشر على نطاق تجاري، فتم تداولُها بطريقة التصوير ، بينما بقي بعضُها مخطوطاً في حوزة عائلة المؤلف ، كما تلاشى بعضُها ولم يبقَ له أثر.
وقد بدأت بواكير التأليف التاريخي على هيئة حوليات مُقتَضبة تقتصر على إثبات تواريخ بعض الحوادث الهامة دون الخوض في تفاصيلها ونتائجها ، وأشهر من يمثل هذا النمط من الكتابة كل من يوسف بن محمد الشريف ، وحميد بن سلطان الشامسي ، والشيخ محمد بن سعيد بن غباش .
ثم تطورت الكتابة التاريخية إلى مؤلفات موضوعية تتناول التاريخَ المحلي بشكلٍ مفصل إلى حد ما ، وجمعت بين التاريخ وعلم الأنساب إضافة إلى إعطاء لمحة عن الحياة في الإمارات من جوانبها المختلفة ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ،ولعل خيرَ من يمثل هذا النهج كل من حميد بن سلطان الشامسي والشيخ عبدالله بن صالح المطوع.
وتفاوتت تلك المؤلفات من حيث الحجم ما بين وريقاتٍ قليلة لا تتجاوز عددَ أصابع اليدين ، ومؤلفاتٍ تجاوزت صفحاتها270 صفحة مطبوعة.
ويمكننا تعليل هذا النشاط التأليفي في القرن العشرين بمايلي :
1- ازدياد الوعي بأهمية تدوين تاريخ البلاد نتيجة تزايد مواد الثقافة المخطوطة والمطبوعة والدوريات في أيدي النخبة المثقفة.
2- تنوع الاهتمامات الثقافية ، والرغبة في تجاوز نطاق الثقافة الدينية التقليدية إلى استقاء المعارف الأخرى كالتاريخ والأنساب والأدب والطب والفلك وغيرها من العلوم ، ولو على نطاق ضيق .
3- وقوع مؤلفاتٍ تاريخية في أيدي الكُتاب القدامى أثارت تعجبهم ونالت إعجابهم وحفزتهم إلى تأليف مدونات تاريخية على غرارها لبلادهم ،وخصوصا كتب الحوليات التاريخية النجدية التي نسجوا على منوالها.
واستعرض المطروشي أشهرَ اولئك المؤرخين ومؤلفاتهم بدءا من الأقدم فالأحدث .
يوسف الشريف
المؤرخ يوسف بن محمد بن علي بن عبدالرحمن الشريف من أبناء إمارة رأس الخيمة ، يغلب على الظن أنه ولد في أواخر عهد الشيخ سلطان بن صقر الأول ( ت 1866م ) وتلقى تعليمه التقليدي في الإمارة وربما أتيحت له فرصة لطلب العلم خارجها .
ونظرا لما تميز به من ثقافة واسعة ، وخط حسن ، وشخصية متزنة ، مع ذكاء وفطنة فقد تم تعيينه كاتباً وسكرتيرا للحكام المتعاقبين ، وقضى الشطرَ الأكبر من حياته الوظيفية في عهد الشيخ حميد بن عبدالله بن سلطان القاسمي ( 1869 – 1900م ).
ولا تتوفر لدينا معلومات كافية عن مجريات حياته ، ويُعد من أقدم مدوني الحوليات التاريخية المحلية ، وقد استفاد مما دوّنه كُتاب سابقون أقدمُ منه ،وساعده قربُه من الحكام واطلاعُه على السجلات والوثائق الحكومية على تجميع مادة جيدة وصلت منها نسخة مخطوطة إلى حوزة المؤرخ الشهير الشيخ عبدالله بن صالح المطوع( ت 1958م ) والذي أثنى عليه ووثقه واستعان بكتاباته في تأليف كتابيه: الجواهر واللآلي ، وشرحِ القصيدة النونية في مفاخر القواسم .
في كتابه الحوليات في تاريخ الإمارات يتحدث عن حوليات تاريخية موجزة مرتبة على السنين الهجرية ،نالت أحداثُ إمارة رأس الخيمة منها نصيبَ الأسد ، وتضمنت أخباراً تتعلق بالسياسة والاقتصاد والاجتماع وتواريخ زواج ووفيات الشيوخ والأعيان ، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية والأحوال المناخية، وفي بعض الأحيان يتطرق إلى ذكر حوادث وقعت في البلدان المجاورة ..
أهمية الكتاب :
أ- أنه أقدمُ المدونات التاريخية المحلية المعروفة ، وقد اجتمعت فيه حصيلةُ مدونات سابقة لمؤلفين مجهولين.
ب- عناية المؤلف بتأريخ الحوادث غير السياسية ، وخاصة المتعلقة بشؤون الاقتصاد والاجتماع والكوارث الطبيعية وتقلبات الطقس ، إضافة إلى تواريخ زواج ووفيات الشيوخ والأعيان مما لايتوفر في المصادر الأجنبية.
ج- أصبح مصدراً للمؤلفين اللاحقين، وإن لم يُصرحوا بالنقل عنه والاعتمادِ عليه غالباً.
راشد الكيتوب وولديه علي ومحمد
هو راشد بن سلطان بن حميد بن سلطان بن راشد بن مطر النعيمي ، جد أسرة الكيتوب الحالية في إمارة دبي . كانت أسرته حتى عام 1900تقيم في عجمان ، فقد كان كاتباً في ديوان حاكمها الشيخ حميد الثاني بن راشد الثاني بن حميد الأول ( 1991 – 1900م ) ، وانتهى به المطاف إلى بلدة شعم برأس الخيمة وبقي فيها مع أسرته حتى توفي عام 1340 هـ / 1922م .
وقد شغَل ولداه سلطان بن راشد ( 1306 – 1346هـ) ثم علي بن راشد ( 1309 – 1355هـ) وظيفة كاتب بديوان حاكم رأس الخيمة الشيخ سلطان بن سالم القاسمي ( 1919 – 1948م ).
وقد عُرف عن علي بن راشد اهتمامُه بتدوين التاريخ مثل والده ، وترك مخطوطة تضم بعض أخبار الحوادث ومسودات رسائل الحكام مع السركال ، إضافة الى مختارات شعرية .
كما كان شقيقه محمد بن راشد ( 1908- 1968م ) قد دون تواريخَ كثيرةً تتعلق بالوقائع والوفيات وتوجد مدونته لدى أبنائه .
ويحتفظ السيد راشد بن عبدالصمد بن راشد الكيتوببكمية وفيرة من الوثائق والمدونات الموروثة عن الأسرة ،هي تمثل كنزاً من المعلومات التاريخية لو اتيح للباحثين الاطلاعُ عليها ودراستُها والاستفادةُ منها في بحوثهم .ومن الجدير بالذكر أن عائلة الكيتوب انتقلت الى دبي واستوطنتها منذ عام 1958.
حركة تدوين التاريخ في الشارقة
ساهم مثقفو إمارة الشارقة في حركة تدوين التاريخ المحلي كجزء من النشاط الثقافي المتعدد الأوجه ، وقد مرت حركة التأريخ في الشارقة بثلاث مراحل وعلى أيدي ثلاث شخصيات :
محمد بن عبدالله بن حسن المدفع
بجهد ذاتي من محمد بن عبدالله بن حسن المدفع ( 1889 – 1923م ). عمل على جمع التاريخ الشفاهي في الشارقة ،وقد أثنى عليه المؤرخ عبدالله بن صالح المطوع ، ووصفه بأنه كان شهماً كريماً وشجاعاً، وأنه أبلى بلاءً حسناً في بعض الوقائع الحربية سنة 1334هـ، وذكر بأنه (( لايجالس إلا الرجالَ الكُمّل ذوي الأحلام والنُّهَى ، ولذا تجد مجلسَه غاصاًّ بهم ، وتُقرأ في كل ليلةٍ بمجلسه سيرةُ ابن هشام ، والتواريخُ والأشعارُ العربية ، وخصوصاً أشعارُ الحماسة ، وقد نشأتُ وإياه منذ الصغر ولم يُفرق بيننا إلا موتُه – رحِمه الله – )) . وهو أولُ من عُرف عنه العنايةُ بجمع وتتبع الروايات الشفاهية عن تاريخ إمارات ساحل عمان ، ويشير المطوع إلى ذلك بقوله (( وهو أولُ من فكّر في جمع تاريخٍ لساحل عمان ووقائعِه ، وسافر من أجل ذلك ، واستدعى ذوي الخبرة لأخذ معلوماتهم ، وأنفق في ذلك من ماله الخاص ، وإليه يرجع الفضلُ فيما جمعتُه (المحاضر) من التاريخ والوقائع ،كما أن لابنه ابراهيم الفضلَ في تتميم ماجمعه والده وتبويبه وترتيبه ، ولو لم يعاجله الأجلُ المحتوم وهو في سن الشباب في سنة 1341 هـ لانتفعت منه البلادُ شيئاً كثيراً )) لكننا نحمل عبارة المطوع على أنه أولُ من سعى في ذلك على مستوى إمارة الشارقة ، إذ من المؤكد أن يوسف الشريف أقدمُ منه عهداً وأكبرُ سنا وأسبقُ منه جمعاً وتدويناً .
الشيخ عبدالله المطوع
ولد الشيخ عبدالله بن صالح بن محمد بن صالح المطوع (من قبيلة آل علي) في مدينة الشارقة حوالي عام 1889م في عهد الشيخ صقر بن خالد القاسمي.
وهو سليلُ أسرةٍ اشتغلت بالتعليمَ عبرَ عدة أجيال، وقد اختاره حاكم الشارقة الشيخ صقر بن خالد القاسمي ليكون معلما لأبنائه ، كما أنه مؤرخٌ وأديبٌ وتربوي وشاعر نبطي ، وله اهتمام بعالم السياسة والاقتصاد ،وعُرف عنه حبه للعلم والمعرفة ومساعيه الدؤوبة لدعم المشاريع التعليمية والثقافية في الإمارة ، وتم تعيينه عضوا بمجلس إدارة المدرسة القاسمية في عقد الأربعينات ، ورأسَ أول بلدية في الشارقة ،وكان مُقرّباً من الحكام ومحلَّ تقديرهم . وتوفي رحمه الله عام 1958م وانقطع عقبُه .
يعتبر أشهر مؤرخي هذه الحقبة على الإطلاق في الإمارات، حيث ترك ثلاثةَ مؤلفاتٍ تاريخية هي:
أ-الجواهر واللآلي في تاريخ عمان الشمالي . طُبع .
ب- عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان . طُبع .
ج- شرح ( القصيدة النونية في مفاخر القواسم – لابراهيمالمدفع ). لم يُطبع .
ويتحدث كتاب الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي عن تاريخ الأسر الحاكمة في الإمارات وتسلسل حكامها ،والنشأة الأولى لكل إمارة ،ماعدا دبي والفجيرة ، ودمَجَ تاريخ الشارقة ورأس الخيمة تحت عنوان ( تاريخ القواسم ) ، واعتمد في كتابه منهجَ سردِ الروايات التاريخية كما هي.
ويعتبر كتابه ” شرح القصيدة النونية في مفاخر القواسم ” مُكملاً لكتابه ( الجواهر واللآلي ) من حيث تناوله للعديد من الحوادث التي أغفلها هناك ، أو أشار إليها باختصار . والكتاب من أهم المصادر المحلية التي تؤرخ لحكومة القواسم ودورها السياسي في المنطقة وعلاقاتها مع الإمارات والبلدان المجاورة خلال القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين.
حميد الشامسي
المؤرخ حميد بن سلطان بن حميد بن سلطان بن خميس بن سبت بن خلفان بن محمد بن سلامة بن سيف الدرويشيالشامسي ، من عشيرة آل خلفان . ولد بأم القيوين في عهد الشيخ أحمد بن عبدالله المعلا ، وتعلم في كتاتيبها القرآن الكريم وشيئاً من الفقه والقراءة والكتابة والحساب على يد الفقيه الشيخ أحمد بن سيف بن يوسف آل يوسف .
شغل وظيفة كاتب الديوان خلال النصف الأول من عهد الشيخ أحمد بن راشد المعلا ( حكم من 1929 – 1981م ) ويطلق على متولي هذه الوظيفة آنذاك مسمى (( الكيتوب )) فعُرف به وفي عقد الخمسينات هاجر إلى قطر في عهد حاكمها الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني ، ثم عاد إلى البلاد عام 1961م وانصرف لشؤون العلم والفقه والعبادة .
رشحه حاكم أم القيوين لعضوية لجنة الجنسية التابعة لمكتب الهجرة والجنسية في الإمارة نظراً لسعة معرفته بالقبائل وأصول السكان .
توفي في 11 يوليو 1980م رحمه الله تعالى تاركاً مخطوطة تاريخية هامة من تأليفه بعنوان ( نقل الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار ). وهو والد معالي راشد حميد الشامسي وزير الشباب والرياضة في أول حكومة اتحادية، وأحدِ أعيان الإمارة. أما كتابه ” الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار ” ، فينقسم إلى قسمين:
أ- حوليات تاريخية موجزة بلغ عددها 130 حولية تغطي الفترة من ( 1050 هـ – 1367 هـ)
ب- فصل يتضمن نظرة عامة إلى الخليج العربي ، ونبذة في تاريخ ساحل عمان المتصالح ( الإمارات ) مع التركيز على النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
ويعد من أهم مصادر تاريخَ وأنسابَ القبائل والأسر الحاكمة في الساحل.
محمد غباش المري
ولد الشيخ محمد بن سعيد بن غباش المري في منطقة معيريض برأس الخيمة ودرس خلال طفولته في الكتاتيب ، وكان على جانب عظيم من الذكاء والفطنة والطموح للمعالي ، فالتحق بدروس الشيخ القاضي أحمد بن حمد الرجباني (ت 1917م ) فدرس عليه في العقيدة والتفسير والفقه والنحو ، كما كان من تلامذة الشيخ عبدالرحمن بن فارس قاضي الشارقة (ت 1913م) ودرس أيضا في المدرسة التيمية المحمودية حتى عام 1917 حيث اختير ليكون ضمن البعثة العلمية المرسلة إلى قطر لاستكمال تعليمها العالي في العلوم الدينية على يد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع ، وقد فاقَ الشيخُ ابن غباش زملاءه طموحاً وخدَمته الظروفُ،فلم يقنع بما حصّله في قطر بل ثابر على طلب العلم من مَظانِّه ، فدرس على يدي الشيخ القاضي محمد بن عبدالله أبي الهدى ( ت 1929م ) ،ثم شد الرحالَ إلى مصر للدراسة في الجامع الأزهر خلال الفترة من ( 1927 – 1930م ) وعاد بعد نيله شهادتَه ، فكان بذلك أولَ وأقدمَ طالبٍ أزهري من أبناء الإمارات .
بعد عودته تولى القضاء في رأس الخيمة ، ثم سافر إلى السعودية وصار معلماً في مدرسة بالهفوف ، ثم مساعداً لرئيس محكمة الخُبَر .
ثم انتقل في أوائل الخمسينات إلى قطر وتولى التعليمَ بالمعهد الديني ثم تولى إدارته لاحقاً .
انتقل إلى جوار ربه إثر حادث دهس عام 1969م.
له كتاب “فوائد في تاريخ الإمارات والأوابد ” ، يتحدث فيه عن أنساب وتاريخ بعضِ قبائل الإمارات (بنوياس – آل بومهير الموجودون في إمارة رأس الخيمة وسبب انتقالهم من موطنهم القديم وهو بادية الظفرة إلى إمارة الشارقة – آل علي – المرر) كما تطرق للحديث عن شيخ بني حسن من الحبوس ، وعن قرية شمَل في رأس الخيمة .