الدكتور أحمد خيري العمري عراقي مقيم في الإمارات يقوّم الأسنان و يقوّم البنيان الفكري لقرائه عبر مجموعة غنية غزيرة من المؤلفات الدورية :
1 – ما الفرق بين الإسلام و الإيمان و الإحسان ؟
أنا شخصيا أفضّل أن نتمسك بالتعريفات التقليدية عندما تكون مرتبطة بنصوص دينية مباشرة ، هذا السؤال مرتبط بحديث والحديث معروف جدا
أفضّل أن نحافظ و أن نتوسع في الفهم بمعنى :
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والإسلام هو الأركان ، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه ، ولكن هناك باب آخر ينفتح ضمن الإطار نفسه ، أعني أنا أحاول قدر الإمكان أن لا أضع سقفا ، ولكن أن اتخذ قاعدة ، أعني النص ليس سقفا أقف عنده ، ولكنه قاعدة كلام ، لذلك ممكن أن نتحدث عن الإيمان باعتبار الإيمان بالنفس أيضا ، باعتبارأن الله سبحانه وتعالى خلقنا خلفاء في الأرض أيضا ، فيجب أن يكون إيماننا بأنفسنا و قدراتنا جزءا من إيماننا بالله ، و الإيمان بالرسل والكتب الأخرى كلها ، أعني ليس فقط مجرد أن نتعلم من تجاربهم ، وليس فقط أن نؤمن بأنهم جاؤوا وانتهى كل شيء ، تجارب الأمم الأخرى المذكورة في القرآن هي تحذيرات لنا بالوقت نفسه ، أما بخصوص الأركان الخمسة للإسلام فأنا مع المحافظة عليها بالتأكيد شكلا ومضمونا ، ولكن أيضا فيها عوالم أخرى:
الصلاة لو اعتبرناها مثل دورة يومية ندخل فيها لنكون أشخاصا أفضل
الصيام ممكن أن يكون دورة سنوية للتعرف على الأجزاء غيرالغريزية التي عندنا ، المعاني كلها مع المحافظة على الشكل الأصلي ولكن نتوسع ، الشيء نفسه بالنسبة إلى الإحسان ، الإحسان بالحقيقة أراه الإبداع في أي شيء ، الإحسان هو الإتقان و الإبداع في أي شيء أراه متجسدا في هذا المعنى ، ولكن أيضا طبعا بالتأكيد هو مرحلة أخرى أعمق و أرقى ، وليس شرطا أن نصلها عن طريق لعبادة .
2 – هل تستطيع الكتابة أن تنهض بالمجتمع ؟
نعم و لا
نعم بمعنى أنها تستطيع ، ولكن لا بمعني أنها أكيد ليست وحدها
الكاتب هو جزء من فريق عمل ، لا يوجد كاتب واحد يستطيع أن يحدث نهضة ، ولكن مسألة الكتابة إذا ارتبطت بتغيير المفاهيم فهي بالتاكيد جزء مهم من صناعة نهضة .
الكتابة التي أقصدها هي كتابة تغيير المفاهيم ، من السهل جدا أن نكتب كتابة عميقة وجميلة وتنال رضى الجمهور ، ولكنها لاتسعى إلى تغيير المفاهيم ، وهذا ليس عيبا فيها .
لا يعيب الكاتب الجيد أن يصف مشاكل الناس ، دون تغيير المفاهيم هذا حقه ، وحتى المفاهيم السائدة من حق الآخر أن يدافع عنها ويكرسها ، ولكن الكتابة التي تستهدف تغيير المفاهيم بالتأكيد تؤدي دورا في تغيير الواقع وفي صناعتنا له ، ولكن بالتأكيد ليست الكتابة وحدها.
3 – ما قصدك ب ( الاستئصال و التأصيل ) ؟
الاستئصال والتأصيل مثل التخلية والتحلية
الاستئصال : من الصعب جدا أن ننكر أنه لدينا بعض المفاهيم في تراثنا بشكل عام ، وفي الموروث الديني بشكل خاص ، وطريقة فهم بعض النصوص في أمور تراكمت منذ عصور الانحطاط ومابعدها ، أصبحت غير مناسبة ، بل ومخالفة لمقاصد الشرع فأنا دون مواربة ودون هرب من مواجهة الموضوع ، أعتقد أنه آن الأوان كي نستأصل هذه المفاهيم ، و مرة أخرى أكرر هي أفهام ، لا أتحدث هنا عن استئصال نص ، أتحدث عن استئصال مفاهيم أو أفهام للنص ، ولم تكن هذه الأفهام قد دخلت بالتدريج وليس بالضرورة أن تكون من الجيل الأول .
التأصيل : هو التأصيل العلمي للمفاهيم البديلة ، هذه المفاهيم السلبية يجب أن تستأصل ، ولكن لا نكتفي بهذا ، يجب أن نؤصل تأصيلا علميا للمفاهيم الإيجابية البديلة .
التأصيل العلمي هو إسنادها لنفس النصوص الدينية التي نؤمن بها ، وتأطيرها بشكل يجعل المتلقي راضيا ، فبعدما أخذنا منه مفهوما سلبيا ، قدمنا له مفهوما جديدا.
المسألة ليست فقط هدم يجب أن يكون هناك هدم وبناء ، فإذا هدمنا شيئا في البناء الموروث ، يجب أن نقدم البديل في الوقت نفسه .
إن حاولنا أن نكرّس مفاهيما إيجابية دون الاصطدم بالمفاهيم السلبية … فالسلبية ستنتصر.
4 – برأيك ما هي الخطوط العامة للقرآن الكريم ؟
التحدث عن الرأي بهذه المسألة صعب ، الكلام عن الخطوط العامة وإدخال كلمة ( الرأي ) فيها مسألة محرجة .
من أنا كي أقول رأيا في خطوط عامة للقرآن ؟ ، لذلك سأتحدث عن قراءتي الشخصية :
القرآن بالنسبة لي كان دوما السند والملجأ في شدائد كثيرة مررت بها ، و لم يخيبني …
دائما هناك اتجاه للتفكير والعقل ، دائما هناك اتجاه لإعادة التساؤل ، دائما هناك اتجاه للإيجابية ، دائما هناك اتجاه للمقاصد لنشاهد مابين السطور لنشاهد الهدف العام بكل شيء ، فهي عموما خمس أشياء بالنسبة لي أجدها موجودة في أغلب النصوص القرآنية :
التساؤل ، البحث عن الأسباب ، الإيجابية ، المقاصد ، الشمول
أينما ذهبنا في القرآن سنجده مثل المرآة ، مثل المرايا المتقابلة شيء يشبه شيء ، شيء يتقابل مع شيء ، يتكامل مع بعضه دائما الشمول واضح في سور القرآن و في علاقاتها مع بعضها
5 – من هم الذين لم يولدوا بعد ؟
هذه الجملة موجودة ضمن رسالة موجهة إلى غادة السمان ، غسان كنفاني كان يكتب رسائل وكانت غادة حريصة جدا على أن تنشر هذه الرسائل ، فكتبت مرة مقالا عن رسائل غسان قبل وفاته و أخبرته أنه في يوم ما ، رسائلك سوف تنشر وهناك أطفال ( لم يولدوا بعد ) سوف يقولون إنها أجمل ما كتبت في اللغة العربية ، ولما أصدرت الرسائل – في الفضيحة المشهورة بعد سنوات طويلة – قامت القيامة عليها ، و أهدتها إلى ( الذين لم يولدوا بعد ) ، فأنا في الحقيقة أسرني هذا الإهداء ، وأسرني أنها كانت في وقتها تفكر في جيل قادم ، سوف يتذوق رسائل معينة ويقول إنها فعلا جميلة جدا ، بالنسبة لي ( الذين لم يولدوا بعد ) هم الجيل القادم لامحالة ، أكيد سوف يأتي الجيل الذي لا يرتبط بعمر معين ، أو بسنة ميلاد معينة ، وإنما يرتبط بفهم معين ، هناك مبشرات وبوادر ..
أرى رغم كل شيء أن الأجيال الجديدة أكثر وعيا ، الجيل الجديد الآن – جيل أولادي – عندما أقارن نفسي بعمرهم ، هم أوعى ولكن ظروفهم أصعب بكثير ، فأنا أرى ( الذين لم يولدوا بعد ) هم كل من يقبل على ولادة فكرية جديدة ، إن شاء الله تعيد الرونق والإبداع وتعيد التفكير في المضامين التي تشكلنا .
6 – هل حقا أنت سليل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟
نعم حقا ، ولكن هل لهذا أهمية في كوني الكاتب الفلاني ؟
لا … أنا أفتخر بانتمائي لأسرة معينة لتاريخ معين ، ولكن هذا الفخر مقيد بأن أكون على قدر هذا التاريخ .
المسألة ليست فقط سيدنا عمر ، ولكن أيضا هناك شخوص من ضمنهم أبي وجدي ، وأشخاص كثيرون في هذه الأسرة قدموا للعراق ولمجتمعهم أشياء كثيرة ، وكانوا ضمن نقاط تأثيرهم مهمين جدا .
نعم ، أنا حقا من السلالة ولكن القصة لاتنتهي هنا ، لأنه ممكن أيضا وجود شخص ينتمي الى الأسرة نفسها ، ثم يكون شخصا مختلفا جدا …
ولكن للأمانة المحرر الذي وضع هذا الموضوع في الويكيبيديا بطريقة ما ، أساء لي لأنه يبدو الموضوع كتبجح أحيانا ، وأنا أبعد ما أكون عن هذا الشيء ، وبالوقت نفسه هناك إسقاطات فورية تحدث على الموضوع بظروفنا الحالية ، و أنا لا أحبها ولكن طبعا أنا بالنسبة لي عمر هو بطلي هو بطل الطفولة هو الرمز البطولي بغض النظر عن كون الأسرة تنتمي له .
7 – لماذا نجحت كتبك الورقية أكثر من برامجك التلفزيونية ؟
نجحت كتبي الورقية أكثر من برامجي لأنني ببساطة كاتب …
رب العالمين وزعها ، ولكن برامجي نجحت في جذب أناس آخرين جدد لكتبي ، فهي لم تنجح جدا ، ولكن نجحت نجاحا نسبيا أعني لم تفشل ، ولكنها حققت الهدف ، ولكن بالتاكيد أنا كاتب فأفضّل أن تكون كتبي أنجح من برامجي ، أعني هذا شيء طبيعي ومتوقع ، ولكن هناك توسعة للجمهور حدثت لجمهور القراءة جاءت من البرامج .
8 – حدثنا عن المناخ الثقافي في دولة الإمارات ؟
عندما كنت على وشك الانتقال إلى الخليج قيل لي :
إن إبداعك سينضب
لأن الجو لا يساعد … الذي حصل بالنسبة لي بالعكس ، أنا وجدت المناخ اللازم والضروري للمزيد من الكتابة ، وأنا في الشام كثرة الجلسات الثقافية معطلة عن الكتابة ، هنا أنا أكتب براحتي ، إنتاجي ازداد بل تضاعف ، وجدت الهدوء الذي أحتاجه
9 – كيف ترد على من يقول : أنت قليل المرونة ؟
نعم في أمور كثيرة أنا قليل المرونة ، وفي أمور أخرى أنا مرن جدا ، الحياة هي بهذا الشكل ، هناك ثوابت وهناك متغيرات ، فأنا في الثوابت أعتقد أنني قليل المرونة ، وفي المتغيرات أعتقد أنني مرن جدا ، أغلب الناس الذين كانوا ينتقدوني على ( البلوك ) صارو يعملوا الشيء نفسه ، أنا سبقت عصري بالبلوك والآن استخدمه أقل بكثير من السابق ، أكيد تماديت لكن أيضا يوجد قلة أدب كثيرة .
هي ليست مسألة القارئ هي مسألة تربيته ، أعتقد أنه جزء من الموضوع أنهم هم الأشخاص أنفسهم الذين يعلقون تعليقات مسيئة لو حدث أن قابلوني فسيكونون في منتهى اللطف ، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تشجع على التمادي لانعدام الحياء الحضوري ، و بالتالي فالبلوك يحفظ وقتي و أعصابي
10 – برأيك المسلم يجب أن يكون باسلا مغوارا أو ناعما رقيقا ؟
في بعض المواقف عليه أن يكون حمامة مسجد ، لأن هذا التنوع ضروري ، لا أظن أنه يوجد قالب واحد حتى في الظروف نفسها ، نحن أنماط كثيرة وشخصيات مختلفة ، لا أعتقد أنه يوجد قالب واحد أحادي ينفع لكل الناس و لكل المسلمين ولكل الظروف ،
و أعتقد أن الظروف هي التي تحكمنا ، أعتقد أن هناك خيارات شخصية
أحيانا بعض الأشخاص ينفع أن يكون باسلا مغوارا ضمن ظروف معينة ، ولكن أيضا دون أن يتركوا حساب مآلات الأمور وعواقبها وأحيانا لن ينفع إلا أن يكون ناعما و رقيقا.
11 – لماذا لا تقم أنت بغربلة الأحاديث : صحيح ضعيف موضوع هذه تحتاج صنعة معينة ، صنعة الأحاديث ، العلماء مشتغلون على الغربلة بأكمل وجه.
إذا كان الحديث ضعيفا أو موضوعا ليس معناها انحلت المشكلة لأن المفهوم أعمق بكثير ، من أن يقال : حديث موضوع
فتنتهي القصة …
لا أعتقد أن الأحاديث تحتاج إلى أحد جديد يغربلها ، لأنها مغربلة أعني أن أغلب الأحاديث الضعيفة والموضوعة مصنفة كأحاديث ضعيفة وموضوعة ، ولكن هذا لايعني أن كتب الوعظ والكثير من الكتب التراثية والجمهور ، سيدققوا هل هي ضعيفة أو موضوعة ، لأنها أصبحت مغروسة في الأذهان و مكررة من قبل الوعاظ
12 – ما سبب معركتك الفكرية مع الدكتور محمد سعيد البوطي ؟
أعتقد أن المسألة لم تكن معركة فكرية بيني وبين أحد ، بل كانت آراء من قبلي ، لأنه لم يرد ولم يسمع أصلا بآرائي ، فهي ليست معركة ، المعركة تكون بين شخصين ..
لم تكن معركة فكرية بل موقف من طرفي تجاه موقف اتخذه الدكتور البوطي ، و أنا لم أزل حتى الآن مصرا على موقفي نفسه
13 – كيف ترد على من يقول إن كتابك ( كيمياء الصلاة ) حوّل الصلاة إلى كيمياء غير مفهومة ؟
كتاباتي موجهة إلى الشباب ، ولكن ليس أي شباب أعني نحن لا يمكن أن نساوي بين شبان أعمارهم ١٥ سنة لكن يطالعون باستمرار بشبان أعمارهم ٣٠ سنة من عديمي القراءة .
أحاول التأثير في فئة من الشباب المتعلمين ، هل هذه نخبة ؟ ، لا أعتقد أنها النخبة ، لأنها صارت فئة كبيرة جدا
بالوقت نفسه لا يوجد كتاب مفهوم بالنسبة للجميع ، أعني مثلما كل منتج له جمهوره المستهدف ، أيضا حتى الكتاب له فئته المستهدفة ، هناك فرق بين الخطاب الوعظي أعني مثلا خطاب الشيخ راتب النابلسي كان موجودا في كل مكان بالشام حتى بالحافلة ، لأن هذا خطاب يفهمه الجميع وهذا مهم وعظيم ، ولكن ليس من الضروري أن يكون الكاتب يوجه كلامه للجميع لأن القارئ لايريد الشيء الذي يساويه مع الجميع .
14 – لماذا لا تذكر عبارة ( رضي الله عنه ) بعد ذكرك اسم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟
أحيانا أذكر ولكن إذا كان الكتاب مثلا كله عن سيدنا عمر فالمسألة ستصبح تكرار تكرار.
أعني إظهار الاحترام ليس فقط في الترضي ، ممكن أن يكون النص مسيئا لسيدنا عمر ويترضى المؤلف عنه !
فإظهار الاحترام ليس فقط في الترضي ، أنا أترضى على كل الصحابة ليس بما يكفيهم ، ولكن بما يكفي لإظهار احترامهم بالتأكيد
15 – كيف ترى مستقبل التفكير الإسلامي ؟
حبل النجاة الوحيد الموجود الذي ممكن أن يرمى لنا هو عن طريق التفكير ، المواجهة الحقيقية مع المتطرفين هي عبر العقل وعبر ترسيخ مفاهيم العقل والدفاع عن نصوص القرآن الكريم التي ترسخ العقل والتفكير.
حوار – د. أحمد طقش