تأخذ دولة الإمارات على عاتقها مهمة قيادة الجهود والمبادرات من أجل المحافظة على اللغة والهوية العربية والنهوض الحقيقي بها على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية، وتكريس مكانتها في المجتمع المحلي وعلى النطاق العالمي.
وتحتفي الإمارات غدا باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي صدر فيه عام 1973، قرار إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
وتشكل رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” وعنايته باللغة العربية جوهر المبادرات والجهود الحثيثة التي تبذلها الإمارات منذ فترة طويلة للحفاظ على اللغة العربية، وجعلها في المكانة التي تليق بها بين اللغات القادرة على التطور ومواكبة موجات التحديث والتطور العالمية.
وبهذا الصدد أكد سعادة جمال بن حويرب المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة أن دولة الإمارات منذ عهد التأسيس أولت أهمية خاصة للعناية باللغة العربية والمحافظة عليها انطلاقا من إيمانها بحماية الهوية الوطنية التي تشكل اللغة العربية أحد أبرز مكوناتها.
وقال سعادته في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات “وام” إن دولة الإمارات أخذت على عاتقها مهمة النهوض بلغة الضاد وحمايتها من خلال إستراتيجية عمل متكاملة تشرف على تنفيذها جهات عدة مثل وزارة الثقافة والشباب ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة والعديد من المؤسسات التعليمية والثقافية التي أطلقت مبادرات صبت جميعها في مصلحة اللغة العربية ورفع شأنها على المستوى الإقليمي والدولي.
وتطرق بن حويرب إلى مبادرة “بالعربي” التي أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في عام 2013 والتي اعتمدت ونفذت أفكارا أسهمت في تعزيز استخدام اللغة العربية عبر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأمثلة على ذلك تلاشى استخدام الاحرف اللاتينية في كتابة العربية الذي شكل في فترة من الفترات ظاهرة منتشرة بقوة بين الناطقين بالعربية، كما أسهمت في دفع الكثير لتغيير معرفات حساباتهم إلى اللغة عربية، إلى جانب جذب اهتمام الكثير من غير الناطقين بالعربي إلى التعرف على اللغة العربية والقراءة عنها وأحيانا النشر بها.
وتتخذ الجهود والمبادرات التي تبذلها دولة الإمارات لدعم اللغة العربية طابعا تحفيزيا لمختلف الفئات العمرية مع التركيز على فئة الأطفال والشباب بهدف تكريس اعتزاز أبناء الإمارات والعالم العربي بهويتهم، وإرثهم الحضاري وتاريخهم المجيد.
ويعتبر ميثاق اللغة العربية، الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” في أبريل 2012، علامة فارقة في مسيرة الإمارات وجهودها لحماية اللغة العربية نظرا لحزمة المبادرات القيمة والعملية التي تضمنها، بهدف تعزيز حضور “لغة الضاد” في كل المجالات الحياتية.
وفي عام 2012 أيضا أعلن سموه تأسيس المجلس الاستشاري للغة العربية وهو مجلس تابع لوزارة الثقافة وتنمية المعرفة، بهدف جعل الإمارات مركزا للامتياز في اللغة العربية انطلاقا من رؤية الإمارات 2021.
وأطلق سموه حزمة من المبادرات التحفيزية لرفعة اللغة العربية وترسيخ مكانتها محليا وإقليميا ودوليا، ومنها تأسيس لجنة تحديث تعليم اللغة العربية، والتي تتكون من خبراء تربويين وأكاديميين يقدمون اقتراحات لأساليب تعليمية جديدة لمناهج تعليم اللغة العربية، كذلك تدشين معجم محمد بن راشد للغة العربية المعاصرة، وجائزة محمد بن راشد للغة العربية، ومبادرة تحدي القراءة العربي، ومبادرة الوسم “بالعربي” وغيرها.
وتضمنت المبادرات أيضا، إنشاء كلية للترجمة ضمن مظلة كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأميركية بدبي، وتأسيس معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، عن طريق جامعة زايد، يتم التعاون فيه مع الجامعات المتخصصة حول العالم، لإيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات.
ويمثل مجمع اللغة العربية بالشارقة الذي أنشئ عام 2016 بأمر من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة منارة ثقافية في علوم اللغة العربية، إذ تجرى فيه الدراسات والبحوث المتعلقة باللغة العربية والإشراف عليها ونشرها، إضافة إلى بحث ودراسة كل ما من شأنه أن يرتقي باللغة العربية، وإحياء التراث العربي والإسلامي، والعمل على توثيقه، كذلك دراسة المصطلحات العلمية والأدبية والفنية والألفاظ الحضارية.
وهذا العام أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، المجلدات الأولى من «المعجم التاريخي للغة العربية»؛ المشروع المعرفي الأكبر للأمة الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً، منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر.
وتُؤرّخُ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمَّ الكشف عنها لتاريخ المفردات التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء، وجاءت في ثمانية مجلدات تعرض تطوّر وتحوّل معاني المفردات ودلالات استخدامها عبر العصور؛ بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي من 1-132 هجري، مروراً بالعصر العباسي من 133 – 656هـ، والدول والإمارات من 657 – 1213هـ، وصولاً إلى العصر الحديث من 1214 هـ حتى اليوم.
ويشارك في انجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.
من جهتها تمثل جمعية حماية اللغة العربية بالشارقة حلقة الاتصال بين جميع المؤسسات والهيئات وملتقى الأفراد، لتثير الاهتمام بقضايا اللغة العربية، إذ تقدم مجموعة من الخدمات بهدف حماية اللغة العربية مثل تنظيم الندوات والمؤتمرات الخاصة باللغة العربية، ودعم الأنشطة التي تعزز الهوية الوطنية، إضافة إلى المشاركة في المؤتمرات داخل الدولة وخارجها، وصولا إلى تعليم مهارات اللغة والأدب من شعر ونثر وكتابة أدبية وصحفية للناطقين بالعربية.
بدورها.. تحظى مبادرة “بالعربي 2020” التي أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، فعاليات دورتها الثامنة مؤخرا، بدعم ومشاركة عدد كبير من الجهات والمؤسسات من القطاعين الحكومي والخاص، حيث تسعى هذه الجهات إلى الإسهام في دعم اللغة العربية وتعزيز مكانتها بين لغات العالم.
وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، تعقد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة / اليونسكو/ اجتماعا افتراضيا مع أكاديميين ومهنيين في اللغة العربية، بهدف إطلاق مناقشة عالمية لدراسة دور أكاديميات اللغة وأهميتها بوصفها مساحة لحماية اللغة العربية وصونها في ظل التطورات التكنولوجية والاستخدام المكثف للغات العالمية مثل الانكليزية والفرنسية على حساب اللغة العربية في التواصل اليومي وفي المجال الأكاديمي.
يذكر أن اللغة العربية من أكثر اللغات تحدثا ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، يتوزعون بشكل أساسي في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الجغرافية المجاور.