يوصف العمل خارج ساعات النهار المألوفة بأنه عمل ليلي. أحيانا لا يمكن التخلي عن العمل الليلي. أطقم الطائرات والقطارات والمستشفيات، ورجال الشرطة، وبعض وحدات الجيش في الأحوال الطبيعية، وأجهزة الإعلام. ولكن ثمن ذلك مكلف !
نشر موقع “الهيئة الوطنية للنوم” الأمريكي تقريرا مفصلا عن نوبات العمل الليلية وأثرها على النوم وعلى حياة الناس الاجتماعية. وإضافة إلى أطقم الطائرات والقطارات والمستشفيات، ورجال الشرطة، وبعض وحدات الجيش في الأحوال الطبيعية، وأجهزة الإعلام، فإن سائقي وسائقات نقل البضائع والمسافرين والعاملين والعاملات في مراكز اللهو وكازينوهات المقامرة والمطاعم والحانات والمقاهي الليلية في المدن العربية والإسلامية وفي بيوت اللذة كلهم يعتبرون من المناوبين في العمل الليلي، وبعضهم يفعل ذلك بشكل متكرر أسبوعيا ولسنوات طويلة.
أهم العوارض الناجمة عن العمل الليلي المستمر، هو فقدان الجسد والعقل البشري لقدرته على أداء وظائفه الطبيعية بشكل منتظم. فالعقل والجسد البشري مبرمج بشكل طبيعي على العمل نهارا والنوم ليلا، والخروج عن هذه المعادلة والتقسيم، سيخلق فوضى في طريقة النوم، ينتج عنها إرق مستمر، وإرهاق متصل، وخلل في الوظائف الفسيولوجية عند البعض ومنها الهضم بشكل منتظم وطرح الفضلات بشكل منظم، وحالة نعاس مستمرة، وضعف في أعصاب البصر، وتدني قدرات الدماغ على التركيز.
أمراض القلب وقرحة المعدة والاضطرابات النفسية
وطبقا لـ “النشرة الدولية لتصنيف اضطرابات النوم لعام 2015” يواجه العاملون ليلا أخطار الإصابة بأمراض مزمنة عديدة منها أمراض القلب وخاصة النوبات القلبية المفاجئة الناجمة عن الإرهاق المفرط، وكذلك قرح المعدة والقولون المزمنة.
أخطر من كل ذلك، فإن كثيراً ممن يعلمون ليلا لا يحصلون على ساعات نوم نهاري كافية بسبب التزاماتهم الأسرية، وبسبب التزاماتهم الاجتماعية واليومية المتعلقة بمراجعة الدوائر الرسمية والعيادات الطبية. وإذا استمر هذا الوضع لمدة طويلة، فإن أجساد هؤلاء ستعاني من خلل في أداء الوظائف يصبح غير قابل للإصلاح، ويرافقه في نفس الوقت حالة إرهاق ذهني ونسي وبدني متصلة. ويؤكد المختصون بهذا الخصوص أن أغلب حوادث الطرق الليلية وخصوصا في قطاع الشاحنات تقع بسبب قلة تركيز السائقين والسائقات وغلبة النعاس على بعضهم.
العمل ليلا يربك الأسرة وقد يدمرها!
يترك العمل الليلي المستمر آثارا مدمرة على أسر العاملين والعاملات، حيث يكبر أبناؤهم في ظل وجود أحد الأبوين بشكل دائم، أو في ظل وجود شخص غريب يتولى رعايتهم. وهذا الأمر يترك أثرا تربويا مؤلما يصيب نفوس الأطفال ويترك فيها ندبا غير قابلة للشفاء، فيصبحون عدوانيين أو انطوائيين.
ويُحرم الأطفال في الغالب من اللقاء الحقيقي الحضوري مع أحد الوالدين إذا كان يعمل ليلا بشكل مستمر، وتسعى بعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وبعض النقابات عبر العالم إلى إلزام أصحاب العمل بمنح العاملين في نوبات العمل الليل إجازات متراكمة بحيث يكون مجمل ساعات عملهم السنوية مساوية لستة أشهر، مقابل 6 أشهر إجازات مدفوعة الأجر. وتخوض هذه المنظمات والجمعيات كفاحا مريرا مع قوانين العمل وقوانين النقابات وقوانين الرعاية الصحية والاجتماعية لتحقيق ذلك، وشعارهم دائما “حماية الأسرة والحياة الأسرية وتوفير مناخ صحي صالح لنمو الأطفال ونشأتهم”. كما أن العمل ليلا يخرب العلاقة الزوجية بشكل غير قابل للإصلاح، لأنّ وجود أحد الزوجين بشكل مستمر بعيدا عن شريكه سيخلق بينهما فجوة عاطفية وجسدية قد تهدم علاقة الحب والود والألفة بينهما.
العمل الليلي معضلة بلا حل!
تقرير “الهيئة الوطنية للنوم” يخلص إلى أنّه لا توجد حلول مجدية لمشكلة العمل الليلي، لأن المشكلة متصلة بتوقيت العمل وهو غير قابل للتغيير، ولكنها توجز بعض الإجراءات التي يمكن أن تخفف من معاناة وأخطاء العاملين:
– تجنّب قدر الإمكان أن تكون ساعات العمل طويلة ومتصلة.
– خذ إغفاءات قصيرة أثناء نوبات العمل الليلي المتأخر.
– حاول أن تعمل مع آخرين، فهذا يقلل من احتمالات الإغفاء أثناء العمل، ويبقيك متنبها.
– حاول أن تقوم بنشاط حركي أثناء فترات الاستراحة (جولات على الأقدام، بعض جولات القفز وبعض التمارين إن أمكن).
– لا تترك الأجزاء المسببة للملل والإرهاق حتى نهاية ليلة العمل، فستكون قدرتك على التركيز والتنفيذ ضعيفة. حاول أن تنجزها مبكرا.
– تبادل الرأي مع زملاء العمل حول أفضل السبل لحل مشكلات العمل الليلي، فهذا المناخ سيوفر حتما إجابات وحلول.