المآثر زينة الأمم والشعوب، وهذه المآثر لا يصنعها إلا الأبطال والأبناء الأوفياء، تتأنق بهم الحكايات، ويزهو وجه الزمان البهي، هكذا وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، طعم هذه المآثر في يوم الشهيد، في قصيدة شعرية فصيحة حملت العنوان نفسه، وتأنقت بمفردات شعرية غنية ومعجم مُشرق، قدم فيها صفات رجال المجد، من وهبوا دماءهم زكية وعطاءهم جلياً للأرض فكانوا الأوفياء، ببطولاتهم يفتخر الوطن وتتأنق الأمة:
عيدُ الشَّهيدِ لهُ المَحَلُّ المُشرقُ
بجلالهِ يزهوُ الزَّمَّانُ ويورقُ
بدمائهِ وعطائهِ ووفائهِ
وطنٌ يتيهُ وأمَّةٌ تَتَأنَّقُ
رونق العطاء
من رونق العطاء والبذل استلوا سيوفهم صقيلة ونقية، فكانت أرواح جنود الفداء مبذولة لعز الوطن، تصبو إلى أعلى المراتب، أسخياء أوفياء، تاقوا إلى المحل الأليق ومواطئ الشرف، ففي عز الوطن، يرخص الغالي ويوهبُ النفيس، وتحرق المُهج العزيزة الغالية دونه، فالوطن هو البيت الكبير، أسواره الأبناء الأوفياء، وسقفه القيم الوطنية الخالصة والوفاء من أبنائه الأبرار:
أهدىَ فكانتْ روحُهُ مبذولَةً
لبلادهِ فلها المَحَلُّ الأليَقُ
وسخىَ بأغلىَ ما لديهِ لموطنٍ
منْ دونهِ المُهَجُ الغوالي تُحرَقُ
أبناء زايد
من رحاب البطولة وملاحم التضحية، ترتد النازلات مشيحة عن الوطن، ويصف سموه في بلاغة شعرية كيف تسمو القيم، ومثل هؤلاء الجنود حماة الدار وطوق الوطن؛ أبناء زايد من عاهدوه في قسم عظيم فكانوا أُمناء القسم، وقفوا ببسالة، وسكبوا الدماء بحراً متدفقاً على أديم الثرى، فالوطن كما قيل شجرة لاتنمو إلا في تربة التضحيات:
ترتَدُّ عنهُ النَّازلاتُ مُشيحَةً
ويصانُ بالأرواحِ فهوَ مُطوَّقُ
أبناءُ زايدَ عاهدوهُ فدونهُ
بحرُ الدِّماءِ علىَ ثراهُ تَدَفَّقُ
ميادين الشرف
تنبتُ العزة من رحم الأرض، ويولد فيلق إثر فيلق، فقيم العزة والشهامة والإباء ومحبة الوطن والذود عن حِماه لا تموت أبداً، فإن كان جنودنا الأبطال وهبوا أرواحهم الطاهرة في ميادين الشرف، فكل أبناء الإمارات فيالق تسير على خطاهم، فشعبنا شعب البسالة والعطاء والكرامة، ومثل هذا الشعب الذي قدم مثل هؤلاء الشهداء، يقدم أنصع صور المآثر التي ستبقى خالدة نتعلم منها دروساً وخلاصات عزة الأرض ومعاني الفداء:
إنْ غادرَ الأجسادَ فيلقُ جندهِ
فوراً تلاهُ إلى الشهادةِ فيلَقُ
وطنُ الإماراتِ المشَرَّفِ شعبهُ
شعبُ البسالةِ في الكرامةِ مُعرقُ
الأوفياء الأفذاذ
فلولا رجال أوفياء أفذاذ مثل هؤلاء الأبطال، لكان اليوم اليمن الشقيق في صورة أسوأ، مُحطم الأركان مُمزق الربوع، لكن الله قيض له نُصرة وعزة من جيش »الفاتحين«، ويقصد سموه عناصر القوات الإماراتية المسلحة ودورها البطولي في عملية إعادة الأمل، ضمن قوات التحالف العربي، وقد أطلق سموه هذا الوصف في قصيدة حملت العنوان نفسه »الفاتحين« نثر فيها أكاليل الغار والفخر بمناسبة وصول الدفعة الأولى من هذه القوات إلى الوطن:
لولاهُ فاليمَنُ العزيزِ مُحَطَّمٌ
وحِماهُ لولا الفاتحينَ مُمَزَّقُ
منْ تضحياتِ الأوفيا ودمائهمْ
أرضُ الكرامةِ بالشهادةِ تعبَقُ
المعدن الأصيل
تعبق الشهادة والحياة من سير الشهداء، فهم الأحياء في علياء السماوات عند رب كريم يرزقون، والأحياء في ذاكرة البطولات والمآثر، تروي سيرهم حكايات أهل الأرض وتتيه بهم فخراً وعزاً، فهم أبناء المعدن الأصيل، والمعدن الأصيل لا يبرز ألقه إلا التحديات، أصحاب عهد وميثاق، وثبات وصبر وجلد:
والله في الآي الحكيمِ بَلاغُهُ
أنَّ الشَّهيدَ لَديهِ حَيٌّ يرزَقُ
منْ مَعدنٍ حُرٍّ أصيلٍ أصلهمْ
عهدٌ لهمْ في الماضياتِ مُوَثَّقُ
صناع المفاخر
راسخة حكايتهم وخالدة وحية ورطبة على الألسن ومُمتدة، لا ينثنون أمام المحن، ولا يأبهون بالمصاعب، شيدوا بجميل أفعالهم وإنجازاتهم ومناقبهم شموخ المفاخر، تطاول السماء، ووثقوها بأواصر الصبر، فضربوا أروع الأمثلة في البسالة والبطولة والشجاعة والإقدام، ستبقى خالدة وأثيرة وحبيبة في قلوبنا، تشي بنُبل المآثر ورسوخ الثوابت وبهاء القيم:
قدْ جابهوا المِحَنَ الشديدةَ فانثنوا
بجميلِ ما صنعوا الفخارَ ووثَّقوا
همْ يضربونَ لنا المثالَ بسالَةً
كيفَ البطولَةُ إذْ نُحبُّ ونَعْشَقُ
أسود الميدان
صبروا على الأذى وصابروا ورابطوا، ورأوه يختال حول عرينهم، فكانوا أسود الميدان تواثبوا من حوله وتحلقوا، ووقفوا صفاً واحداً حماة أشاوس لثوابتهم وقضيتهم، فكانت تضحياتهم بطعم الفتوحات في عهدها الزاهر البهي، وأيامها في عز نضارة التاريخ، ورونق الحكايات في سير الأبطال وسِفر البطولة:
شهدوا الأذىَ يختالُ حولَ عرينهمْ
فتاوثبوا منْ حولهِ وتَحلَّقوا
وبدى كأيَّامِ الفتوحِ فطعمهُ
شَهدٌ عليهِ من النَّضارة رونَقُ
يوم الشهيد
فيوم الشهيد يوم مُختلف، لا يشبه الأيام، فهو يوم الشرف والبطولة والبذل والسخاء والعطاء والكرامة والبسالة، يوم الإيثار والتضحية والإقدام والشجاعة والوفاء، يوم الصدق والعهد والثبات والصبر، يوم يحيي كل القيم الجميلة في النفس، وكل الصفات والمحامد الأثيرة، يوم بهي نقي في جِدَّةٍ موصولَةٍ، نرفع به رؤوسنا ونطاول النجوم والكواكب بصرحهِ الشامخ العالي:
يومُ الشَّهيدِ وليسَ يومٌ مثلهُ
في جِدَّةٍ موصولَةٍ لاتَخْلُقُ
صرحٌ أنافَ علىَ الكواكبِ رفعةً
ولهُ النُّجومُ منَ ارتفاعٍ تُطرقُ
صرح المجد
صرح المجد الذي بناه وشيده عماداً للعلا، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في اتحاد عظيم لإمارات سبع، فثبت البنيان، وأكمل على النسق نفسه سيد البطولة والوفاء، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسار على نهجه المُظفر، عون البلاد والمسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة:
وبداهُ زايدُ ثمَّ أكملَ نَسقهُ
منْ للبطولةِ والوفاءِ يُنَسِّقُ
أعني خليفةَ وَالمُظَفَّرَ بعدهُ
عوني محمدُ في العُلا لاَ يُسْبَقُ
ويختم سموه بخلاصة عذبة لا تبرح النفوس، مضيئة ومشرقة، كأرواح صادقة ندية، على ميثاق الوفاء والعهد، فيوم الشهيد يوم في حبه تصدقُ النفوس والأرواح، وهي تستدعي تضحيات عظيمة قدمها أبطال أوفياء فخلدوا ذكراهم، وخلدهم الوطن:
يومُ الشَّهيدِ مباركٌ يادولتي
عيدٌ علىَ وطنِ السعادةِ يُشرقُ
وطني لكَ الأرواحُ منَّا إنَّنا
في حُبّكَ المشهودِ دوماً نَصدُقُ
دفق وجداني
القافية التي اختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قافية صعبة في الشعر العربي، تحتاجُ تمكناً في قاموس الصيغ والمُفردات وتجانسها، وموسيقى لفظية خاصة، فالجرس القوي للكلمات المختومة بالقاف، شكل دفقاً في متن القصيدة، وشلالاً وجدانياً هادراً بالمعاني، مُشرق الإيحاء، أنيق التتابع والانسياب، سلس الإيقاع.