كلمة سيادة اللواء الدكتور محمود ضياء بمؤتمر منازعات الإستثمار وعقود التجارة المنعقد بفندق فيرمونت نايل سيتي بالقاهرة خلال الفترة من 26 – 28 / 4 / 2018
السيدات والسادة الحضور الكرام ..
كل عام وحضراتكم جميعاً بخير وصحة وسعادة بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لتحرير سيناء وقرب حلول شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعلى مصر والأمة العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات.
اِسمحوا لى فى البداية أن أرحب بكم جميعاً فى عاصمة مصر “بيت العرب” مدينة القاهرة “مدينة الألف مآذنة” ، وأخص بالذكر الأشقاء من الدول العربية لتلبيتهم الدعوة وحرصهم على المشاركة فى فعاليات المؤتمر ، وأقول لهم أهلاً ومرحبا بكم فى بلدكم “مصر” وأتمنى لكم توفيق الجهود وإثمارها.
كما أتوجه بالشكر كذلك للأخ العزيز الأستاذ / مصطفى أبوزيد المستشار الإعلامى للمؤتمر ولمؤسسة العدل الدولية للدراسات القضائية والدبلوماسية والأكاديمية الدولية للتدريب والتطوير على دعوتهم الكريمة لى للمشاركة فى فعاليات المؤتمر ، وعلى مبادرتهم فى إعداد مثل هذه المؤتمرات النوعية التخصصية إرتباطاً بأهميتها فى تناقل الخبرات بين المشاركين، وبما يعكس مدى إدراكهم لأهمية تأهيل الخبراء والمتخصصين وإكسابهم الخبرة فى كيفية تحرير عقود الإستثمار والتجارة الدولية والفصل فى النزاعات الناشئة عنها إرتباطاً بتعاظم قضايا ومنازعات الإستثمار وكذا على جهودهم وفريق العمل فيما يتعلق بالإعداد لكافة الجوانب الفنية والتنظيمية الخاصة بالمؤتمر.
سروراً أن أقف بين أيديكم اليوم بقاهرة المعز وعلى مقربة من نهر النيل الخالد الذى أصله من الجنة ، والذى سيستمر فى الجريان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قديماً قال هيرودوت “مصر هبة النيل” وهو يقصد أن النيل هو من وهب مصر الحياة والوجود وأنه لولا النيل ما قامت على هذه البقعة من أرض الله حضارة مذهلة إمتدت جذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى ، وما زالت قائمة شواهدها حتى اليوم 00 وأنا أقول له وللعالم أجمع قولاً آخر الحقيقة أن “مصر هبة الله وليست هبة النيل” ، فمصر التى إختصها الله عز وجل بعنايته وذكرها فى كتابه الكريم فى “28” موضع ووصفها نبى الله يوسف لأهله بالأمان كما كانت دائماً بلد الخير والزروع والثمار ، وحين طلب بنو إسرائيل من موسى “ما تنبت به الأرض” قال لهم “اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم” فمصر فى أمان الله وعنايته ولن تكون أبداً عرضة للهلاك والضياع.
إن إقامة هذا المؤتمر يأتى بهدف أساسى ألا وهو توجيه الإنتباه إلى أهمية التحكيم ودوره الايجابى فى التصدى للقضايا وتسوية المنازعات التى تواجه حركة الإستثمار والتجارة على الصعيدين المحلى والدولى لبيان مدى إسهام هذه الوسيلة القانونية فى حماية العلاقات الإقتصادية والشراكة الإستثمارية.
يعد التحكيم التجارى عنصراً رئيسياً فى جميع عقود الإستثمارات الأجنبية فجميعها تكاد تتضمن شرط إحالة جميع منازعاتها إلى التحكيم التجارى إرتباطاً بما يحققه من مرونة وسرعة فى فض المنازعات ، إلى جانب مساهمته فى إستمرار العلاقات الودية والراقية بين الطرفين ، وكذا ضمان سرية ما تتضمنه العقود من مشروعات قد تكون ذات طبيعة خاصة “عسكرية – علمية – تكنولوجية” ، بالإضافة إلى أنه يتيح لأطرافه حرية إختيار القانون الواجب تطبيقه لتسوية النزاع والمكان الذى سوف يتم فيه التحكيم وبالتالى يتجنب المستثمر الخضوع لقضاء الدولة التى يستثمر بداخلها والتى قد تنحاز لصالح الدولة المضيفة ضد المستثمر الأجنبى ، وما قد يفرزه من مشاكل قانونية تعرقل النشاط الإستثمارى.
إن التحكيم التجارى يعزز من نجاح المشروعات وتوسيع حجم الأعمال لصالح النمو الإقتصادى والإجتماعى ولتحقيق النمو المستدام وأهدافه الإستراتيجية فى مختلف القطاعات وجميع المجالات فى ظل بيئة ترتكز على تطبيق نظم وقوانين فعالة ومؤثرة.
لا يخفى عليكم توفر الإرادة السياسية والشعبية فى مصر حالياً للنهوض بالإقتصاد وتحسين المناخ الملائم لجذب مزيد من الإستثمارت بهدف تأمين مستقبل أجيالنا القادمة وتوفير فرص عمل لائقة لها ولمواجهة التحديات التى نعانى منها جميعاً وفى مقدمتها البطالة، فلقد إستطاعت مصر خلال الفترة الأخيرة أن تؤسس مكانة مرموقة ومركزاً إقليمياً متقدماً لجذب الإستثمارات من خلال تذليل كافة المعوقات أمام المستثمرين لتوفير البيئة الصالحة لتعزيز فرص الإستثمار حيث تم تطوير البنية الأساسية وتعديل قانون الإستثمار ووضع الخريطة الإستثمارية وإنشاء مراكز حضارية لتيسير إجراءات ترخيص الشركات “من خلال تفعيل نظام الشباك الواحد” فى ظل الرؤى الثاقبة للقيادة الرشيدة ونهج السياسة الحكيمة التى إرتكزت على إرساء منظومة متكاملة فى تطبيق فعال للقوانين وإحترام تنفيذ الإتفاقيات والإلتزام ببنودها ، لضمان إستمرارية نمو وزيادة حركة الإستثمار وذلك فى إطار تنفيذ إستراتيجية عمل تحقق التنمية الشاملة وفق أسس ومعايير المعرفة والجودة والإبتكار والإبداع ضماناً لإستدامة النمو والتطوير فى كافة المجالات.
إن ما تذخر به مصر ومنطقتنا العربية من قوة بشرية وموارد طبيعية وأهمية إقتصادية وثورات، يؤهلنا لتحقيق كافة أشكال التنمية المنشودة بالدول العربية.
وجميعاً ندرك أن منطقتنا العربية تشهد مرحلة حرجة فى تاريخها نتيجة تعدد وتزامن الأزمات وتأثيراتها المتبادلة على الإمتداد الجغرافى للمنطقة فى ظل ضعف منظومة العمل العربى الجماعى وتحسن الموقف الإستراتيجى للقوى الإقليمية غير العربية ( إسرائيل – تركيا – إيران ) وتعدد أشكال التدخل الخارجى فى شئون المنطقة ودولها الأمر الذى من شأنه عرقلة جهودنا الإقتصادية والتنموية ، فكلا المجالين متكاملين ، فبدون تحقيق السلم والأمن لن يتحقق الإستقرار الإقتصادى والرخاء والتنمية لشعوبنا ، وكذلك بدون الإستقرار الإقتصادى والإجتماعى والوفاء بمتطلبات شعوبنا التنموية لن يتحقق الإستقرار الأمنى والسلم فى منطقتنا.
قبل أن أغادر المنصة إسمحوا لى أن أعرب عن أملى أن يكون المؤتمر نقطة إنطلاق قوية وإضافة ثرية من خلال الإسهامات والمحاور الإيجابية التى سيتم مناقشتها بهدف ترسيخ مفهوم وثقافة التحكيم التجارى وبالتالى تأكيد أهمية وضرورة توسيع آليات تطبيقه فى إحكام ضوابط الشراكة الإستثمارية وتنفيذ الإتفاقيات والعقود التجارية محلياً ودولياً ومن ثم تفعيل دور مراكز التحكيم والمحكمين والمقيمين والخبراء فى تسوية المنازعات وحل القضايا فى قطاعات الأعمال ومجالات الإستثمار وحماية أطرافها لتكون ركيزة أساسية ووسيلة فعالة فى تحقيق التنمية المستدامة التى تتواصل فيها الإبتكارات
وتبرز فيها الإبداعات فى التطوير والتحديث على كافة الأصعدة وفى جميع المجالات.
إن إنشاء مراكز التحكيم فى دولنا وتشريع قانون تحكيم عصرى ومستقل لهو المؤشر الهام الذى ينبئ بإزدهار عصر التحكيم فى دولنا العربية وفى العالم أجمع ، وينبغى العمل على ضرورة إدراك الجميع وخاصة القضاة لمتطلبات وحاجات التجارة الدولية الحديثة من حيث الإعتراف بالتحكيم وأحكامه بشكل مرن.
ومن هنا تكمن الحاجة الملحة لمزيد من القضاة المدربين والمتمرسين وهذا ما يجب أن تنتهجه معاهد التدريب والدراسات القضائية ضمن أهدفها الإستراتيجية فى عقد والمشاركة فى رعاية مثل هذه المؤتمرات والندواتِ التوعوية وتقديم التدريب القانونى والقضائى للسادة أعضاء السلطة القضائية ، والمحامين ، والقطاع الخاص.
إن تحسين مناخ الأعمال والإستثمار يتطلب التفكير فى الوسائل القانونية والتنظيمية للأخذ بالوسائل البديلة فى حل النزاعات سواءً على المستوى الوطنى أو الدولى ، حيث أن الأنظمة القضائية عبر العالم تشكو مجموعة من النقائص كالبطء وضعف الجودة مما يؤثر على عالم المال والأعمال والتجارة الدولية ؛ الأمر الذى يتطلب ضرورة الأخذ بالوسائل البديلة فى حل المنازعات المالية كالتحكيم والوساطة سعيًا للسرعة وحفاظًاً على مصالح وحقوق المتنازعين.
إن تحولات العالم المتسارعة وظهور أنواع جديدة من التجارة الدولية يفرض التفكير فى آليات بديلة لحل النزاعات بين المتعاقدين لتوفير مناخ وبيئة تشجع على الإستثمار 00 بالتوازى مع ضرورة توحيد هذه الطرق البديلة فى المنطقة العربية بصفة خاصة.
وختاماً أتوجه بالتحية لكم جميعاً ، وأدعوكم لإستثمار تواجدكم بمصر لمشاهدة جميع معالمها السياحية فالقاهرة تذخر بالعديد من المزارات السياحية التاريخية لكافة العصور الإسلامية والقبطية والفرعونية وغيرها والتى تحمل كل منها عبق التاريخ فضلاً عن وروعة المناظر الطبيعية والسياحية خاصة على صفحة النيل الخالد فى أمسيات مصرية شرقية رائعة ،
وإننى على ثقة بأنكم ستكونون بين أهلكم فى مصر.
وبفضل الله ومشاركتكم وجهودكم سوف تتجه مصر والمنطقة العربية دائماً إلى المزيد من التقدم والإزدهار والسلام والتعاون المشترك..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.