في تحد واضح وتكريساً لبرنامج جزيرتها «الاتجاه المعاكس»، استقبل أمس أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني وزير خارجيته محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في أول زيارة معلنة لمسؤول إيراني إلى قطر منذ بدء الأزمة الدبلوماسية.
ففي الوقت الذي دعت المطالب الـ 13 التي قدمتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لقطر، ومنها خفض العلاقة الدبلوماسية مع إيران، كشرط لإنهاء الأزمة وعودة العلاقات المقطوعة منذ 5 يونيو الماضي، يستقبل تميم وزير خارجية إيران، ما يعني أن تميم يسعى لتأزيم العلاقات مع الخليج.
وفي استغلال غير مستغرب للأزمة، أعرب ظريف عن استعداد إيران لتعاون طويل الأمد وتحويل قطر إلى شريك اقتصادي لإيران.
وتناولت وكالات الأنباء الإيرانية، الزيارة على نحو احتفائي مناكف، إذ عبّرت عن «ارتياح تمیم لتطور العلاقات الثنائیة بین البلدین»، ونقلت عنه «تطلع قطر حكومةً وشعباً لإقامة أفضل العلاقات، مع جیرانها في الشمال». وحسب وكالة الطلبة الإيرانية “إسنا”: «رحب تميم بن حمد بوجهة نظر إیران للقضایا الإقلیمیة»، مشدداً علی أن «المشاورات المستمرة مع دول المنطقة، بما فیها إیران، ضرورة لا مناص منها»، وهو المضمون ذاته الذي ورد على لسان تميم عشية الأزمة ونفته الدوحة زاعمة حدوث اختراق لوكالتها الرسمية للأنباء.
وفي السياق ذاته، كشف موقع “دنياى اقتصاد” الإيراني، أن تميم وظريف استعرضا تعزيز فرص التبادل التجاري بين البلدين، مشيراً إلي “أن أمير قطر أعرب خلال اللقاء عن سعادته بتحسن مستوى العلاقات بين الدوحة وطهران”، مضيفًا “أن الشعب والحكومة القطرية يرغبون في وجود علاقات جيدة مع جيرانهم الإيرانيين”، بحسب الموقع.
وسيطر الجانب الاقتصادي على مجريات لقاء ظريف بنظيره القطري، مع حضور وزير الاقتصاد القطري أيضًا، وتنوعت القضايا التي تم تداولها بين وزيري خارجية البلدين، مابين التأكيد على ضرورة التعاون الاقتصادي، والتطرق إلي الأوضاع الإقليمية .
وأبدى ظريف خلال اللقاء استعداد بلاده من أجل التعاون “طويل الأمد” مع الدوحة، وتحويلها إلى شريك اقتصادي. الأمر الذي يؤكد ما أشار إليه “دوت خليج”، في تقارير سابقة له أن النظام الإيراني يعتبر أزمة الدوحة مع محيطها العربي والخليجي محض فرصة، يجب استغلالها حتي النفس الأخير، طمعًا في جني مزيد من الأموال القطرية المتدفقة على دعم الإرهاب.
من جانبه أبدى الجانب القطري استعداده لتوقيع “الاتفاقيات المبرمة” سابقًا، مؤكدا “أن الدوحة ترمي إلى تطوير التعاون الاقتصادي بالتزامن مع تعزيز العلاقات السياسية”، حسبما نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “ايسنا”.وصول ظريف إلى الدوحة في هذه الظروف يعتبر، بنظر مراقبين، استغلالاً ظاهراً للأزمة القطرية، وصيداً في المياه العكرة، لكن من المؤكّد أنه لن تتمكن زيارة مسؤول في دولة معزولة أن تسهم في فك عزلة دولة أخرى، لذلك فإن قطر ستبقى حديث المحافل والدول المكافحة للإرهاب، وهي بالفعل ستكون موضوع مؤتمر دولي يعقد في باريس في السادس من الشهر الجاري، حيث ترتفع الأصوات بين الفعاليات الفرنسية الداعية لكف يد قطر الداعمة للإرهاب، بما في ذلك في فرنسا.
في نظر المراقبين، لم تكن قطر محتاجة للأزمة مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب من أجل تفعيل الخط الساخن مع طهران، وإن قال أميرها تميم بن حمد آل ثاني، إن ما سمّاه بالحصار، هو ما سيدفع بلاده باتجاه إيران، ناسياً أو متناسياً أن إيران هي أحد أسباب المشكلة مع جيران الدوحة، وليس التوجه لها نتيجة.
فكلمة أمير قطر التي سبّبت الأزمة حملت الكثير من الغزل الصريح بطهران التي قال إنه ليس من الحكمة التصعيد معها، وإنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها. تعاون قديم أصلاً، وقررت الدوحة أن تستفيد منه للالتفاف على المقاطعة المفروضة عليها منذ بداية الأزمة في يونيو الماضي، فوجدت في إيران وأجوائها ومياهها الإقليمية الملجأ وربما الظهر الذي تستند إليه للتصعيد مع جيرانها.
كما قطعت قطر المزيد من الخطوات في الاتجاه الإيراني وأعلنت أواخر أغسطس الماضي عودة سفيرها إلى طهران بعد غياب لنحو عام ونصف العام، وعبرت عن «رغبتها في تعزيز العلاقات الثنائية مع إيران في كل المجالات».
وتأسف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أن قطر تغرد خارج السرب، فعلى الرغم من الاتهامات الموجهة لطهران بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون العديد من الدول العربية والوقوف وراء عدم استقرار دول كاليمن وسوريا، إلا أن «عين الرضا» تجعل الدوحة ترى فيها دولة «شريفة».
وفتحت طهران معابرها البحرية والجوية أمام الناقلات القطرية، مستغلة بذلك الأزمة القطرية لتحقيق مكاسب مالية كبرى من الدوحة، فضلاً عن إرسالها أطناناً من المواد الغذائية والسعي لاختراق الدوحة ووضع قدمها في الخليج.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، أمس، إن الولايات المتحدة ستقرر قريباً إن كانت ستبقي مكتب حركة طالبان في قطر مفتوحاً مع تصعيد واشنطن جهودها الحربية في أفغانستان، مضيفاً أنه ينظر في من يمثل الحركة. وقال في جلسة بمجلس الشيوخ: «أجريت أنا ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ثلاثة اتصالات خلال الأيام العشرة الأخيرة بخصوص هذه القضية… وهو يسعى للتأكد من أن لدينا ممثلي طالبان الحقيقيين.. حتى لا يكون مجرد مكتب قائم». واشنطن – رويترز