أزاحت القيادة المصرية أمير قطر وحكومته عن المشهد السياسي في فلسطين، بعد محاولة اللعب بالورقة الفلسطينية خلال الفترة الماضية، والمراوغة في خدمة القضية الفلسطينية وإتمام المصالحة الفلسطينية، من خلال استضافة قيادة فتح ومحاولة تقريب وجهات النظر، وفي حقيقة الأمر تدفع حماس لاختلاق الأعذار وإنهاء ملف المصالحة من دون تقدم.
فعلى مدار السنوات الماضية سجلت قطر لنفسها أكثر من محاولتين فاشلتين في ملف المصالحة الفلسطينية، في الوقت ذاته تعتبر قطر إحدى ركائز الانقسام الفلسطيني، ومن مسبباته الأساسية بدعم تثبيت حماس في قطاع غزة، على حساب حركة فتح كجزء من الإخوان في فلسطين وامتداد لفكره وبقائه.
وقد استعادت مصر دورها المحوري في ملف المصالحة الفلسطينية، بعدما أقنعت حماس بضرورة حل اللجنة الإدارية والسير في مركب المصالحة الفلسطينية بشروط الرئيس محمود عباس، على أن يتم التفاهم على كل القضايا على قاعدة الاتفاق الموقع عام 2011 في القاهرة.
الظروف الحالية والقوة المصرية أجبرت حماس على الموافقة على الشروط، بعد الضغوط التي مارسها الرئيس الفلسطيني على قطاع غزة من عقوبات لإجبارها على المصالحة، حتى ساءت ظروف الحياة في قطاع غزة، وأصبح قابلاً للانفجار في أي لحظة حسب تقديرات جهات دولية ومحلية وعربية وإسرائيلية.
حماس وافقت مجبرة بعد تحسن علاقتها مع مصر، وأصبحت تسعى لرضى مصر للتخفيف عن سكان قطاع غزة قبل الانفجار، حيث سمحت مصر في الفترة الأخيرة لاجتماع كل قيادة حماس في مصر، وحجت كل قيادة حماس اليومين الماضيين في مصر قادمين من بيروت والدوحة.
ويعوّل الشعب الفلسطيني على الدور المصري الذي كان له الدور البارز والأساسي في البيان الذي أصدرته حماس، والذي أنعش آمال وتطلعات الكثيرين، والذي يعتبر مدماكاً أساسياً ومهماً يبنى عليه لإنهاء السنوات العجاف التي مرت على القضية الفلسطينية، والتي ألحقت الضرر البالغ بنضال الشعب الفلسطيني.
المحلل السياسي طلال عوكل، قال إن ما يجري في القاهرة يؤكد لمن يرغب أو لا يرغب أن مصر هي الوالية على الملفات الفلسطينية، وأن البحث عن خيارات أخرى ليس أكثر من عبث سياسي ومضيعة للوقت.
وأكد أن الملفات الفلسطينية جزء أصيل من رؤية مصر لأمنها القومي ولدورها الإقليمي أيضاً، ولذلك كان الاعتراف العملي بهذا الدور من قبل الأطراف الفلسطينية، مؤشراً على مدى جديته في معالجة هذه الملفات، بعد عشر سنوات وأكثر غرفت خلالها مصر في همومها، وأزماتها الداخلية وحروبها ضد الإرهاب، لم تمكنها من القيام بواجباتها كما تمليها عليها مسؤولياتها الوطنية والقومية إزاء معانيات الساحة الفلسطينية.
وأضاف: «لا شك أن العلاقة الجديدة بين مصر وحركة حماس قد افتتحت مساراً جديداً وجدياً، تحرص حماس على أن تذهب به إلى كامل أبعاده، وتطوير العلاقة بينهما يعني أن مصر قادرة على التأثير على الطرفين، طالما أن هناك مصالح ورؤى مشتركة، وسنلاحظ أن هذا المسار في العلاقة، إنما يشكل مؤشراً على التغييرات الجارية في حركة حماس بعد وثيقتها السياسية وانتخاباتها الجديدة».
وأشار إلى أن حماس أظهرت جدية واضحة في تنفيذ التفاهمات والتعهدات التي ترتبت عليها من قبل الشقيقة مصر، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتها، وخيارات السابقة مع قطر وتركيا، ومن هذا الموقع والخيار الذي تحرص عليه حماس كان من الطبيعي أن تأتي الاستجابة سريعة على الطلب المصري بحل اللجنة الإدارية، عسى أن يشكل ذلك بداية لتحقيق المصالحة.
وقد تعترض المصالحة ألغام كثيرة نتيجة صعوبة الملفات التي سيتم نقاشها خلال المصالحة والخاصة بالموظفين والمعابر والوزارات والبرنامج الحكومي والانتخابات، لكن حركة حماس تدرك صعوبة الأوضاع، وأن أزمة الحركة تتفاقم في القطاع.
وهنا قال المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، إن حماس اتخذت خطوة إلى الخلف در للوراء كي تثبت للمصريين أنها جادة في إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، وأنها مستمرة في توطيد علاقتها بمصر، وهنا تنازلت حماس بالرغم من أنها خطوة متأخرة.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي حسام الدجني، إن حماس وصلت لقناعة بأهمية الدور المصري ومكانته، وساعدت مصر على استعادة هذا الدور من خلال مرونة حماس وإصرارها على نجاح الدور المصري، وهذا بات واضحاً بالبيان الصادر عن حماس بحل اللجنة الإدارية والتجهيز للانتخابات التشريعية والرئاسية وكل الشروط التي طلبها الرئيس أبو مازن من دون أي مقابل، وهذا نتيجة إقرار حماس لأهمية الدور المصري.
وأوضح أن مصر تعالت على جراحها وقطيعتها مع حماس، وملأت الفراغ مع خصومها السياسيين مثل قطر وتركيا، وبذلك عملت مصر على استعادة هذا الدور من أجل أن تعود مكانتها ودورها في استعادة الوحدة الوطنية، ومطلوب من القاهرة أن تستوعب الجميع والبدء بصفحة جديدة مع الفلسطينيين، وفتح معبر رفح وإزالة القوائم السوداء على المعابر، لأن هذا يساعد على تعزيز مكانة مصر في الملف الفلسطيني.
تبقى الأيام المقبلة كفيلة بإظهار مدى تفاعل وتجاوب حماس مع التحرك المصري بإدخالها في المنظومة السياسية الرسمية من خلال الشراكة السياسية في المصالحة الفلسطينية، ومدى استجابة حماس لكل المطالب المصرية للوصول لمصالحة حقيقية بعيداً عن كل المرات الماضية والتي فشلت فيها كل المحاولات الدولية.