الفجيرة – 29 يناير 2017
نظمت جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية ندوة بعنوان “الفجيرة.. تاريخ وعراقة” بمسرح غرفة تجارة وصناعة الفجيرة في مدينة الفجيرة، برعاية هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام وغرفة تجارة وصناعة الفجيرة، شارك فيها المؤرخ الدكتور فالح حنظل والدكتورة فاطمة الصايغ أستاذة التاريخ بجامعة الإمارات، وأدارها الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني.
حضر الندوة معالي الدكتور محمد سعيد الكندي وزير البيئة والمياه الأسبق، وخليفة خميس مطر الكعبي رئيس غرفة تجارة وصناعة الفجيرة، وصابرين اليماحي رئيسة جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية، وعدد من المسؤولين والمثقفين وجمهور الشباب.
وقال الظنحاني في مستهل الندوة “نتحدث اليوم عن الفجيرة، الإمارة التي تتميز بطبيعتها الخلابة وتضاريسها المتنوعة من بحر وجبال وسهولة ووديان. وهي الإمارة ذات الأهمية الاستراتيجية والمكانة الحضارية؛ فمن الجانب الاقتصادي تعتبر الآن المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط، ومن الجانب السياحي؛ تعد المكان الأثير للقاصي والداني للاستمتاع بطبيعتها الخلابة وتضاريسها المتنوعة. أما الجانب الثقافي، فيتمثل في تعدد مواقعها الأثرية الأمر الذي يؤكد عمقها الحضاري والثقافي.”
وأكد الظنحاني أن إمارة الفجيرة كانت حاضرة في تاريخ الحضارة العربية منذ مئات السنين، ولاتزال تزخر بألقها الحضاري إلى عصرنا هذا، في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة.
وأشار إلى أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” أدرك أهمية الفجيرة ومكانتها المتميزة؛ فقد أعتبرها عاصمة الساحل الشرقي والنافذة الإماراتية المطلة على العالم من جهة الشرق، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله“.
وذكر أن للفجيرة مخزون ثري من الألقاب الحاذقة التي انغرست في ذاكرة الإنسان الذي توافد عليها منذ عصر الفينيقيين. ومن هذه الألقاب؛ “أرض عمالقة البحار”، و”عروس الساحل الشرقي” و”رئة الإمارات” و”جارة الشمس”، وغيرها التي تؤكد أهميتها الاستراتيجية وعراقتها التاريخية.
وفي بداية مداخلته، تحدث الدكتور فالح حنظل عن إمارة الفجيرة ومكانتها التاريخية والاجتماعية والسياسية، وعلاقاتها التاريخية القديمة مع بقية الإمارات، ومع دول الجوار. لافتاً إلى شحّ المصادر التاريخية التي تؤرخ للمنطقة، نظراً للحساسية التاريخية الشديدة للمنطقة التي غصّت بالصراعات والحروب بين القبائل العربية لبسط النفوذ والمشيخة على المنطقة، وهو ما حال دون توثيق التاريخ إلا فيما ندر، ومتًهماً المستعمر البريطاني بعدم اكتراثه بكتابة التاريخ ذلك أغلب الوثائق البريطانية الموجودة كانت لأغراض استخباراتية.
وتطرق حنظل بحديثه عن “الشرقيين” القبلية التي ينتسب إليها أصحاب السمو حكام الفجيرة، ومكانتها التاريخية، وعلاقاتها مع سلطنة عُمان على أيام دولة آلبوسعيد، ثم ظهور اسم القائد الباني المرحوم الشيخ محمد بن مطر، كما تطرق إلى تاريخ ساحل “الشميلية” والظروف السياسية التي أوجدته واطلالته على بحر العرب وخليج عمان وموقع إمارة الفجيرة في هذا الساحل وتكوينها السياسي يومذاك.
وأضاف أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ حمد بن عبدالله الشرقي، الرجل الذي رسخ كيان الفجيرة، وجهاده ومناوراته السياسية مع الثلاثي السياسي القائم يوم ذاك، وهو سلطنة عمان وإمارة القواسم والإنجليز، علاوة على علاقاته مع بقية حكام الإمارات، ومشاركته في اجتماع “الخوانيج” عام 1906 مع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن خليفة، ثم انتقاله إلى جوار ربّه، وولاية ابنه سيف، وأعقب ذلك ولاية الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي “رحمه الله“.
وتخلل حديث حنظل، إطلالة على تاريخ “كلباء” التي تجاور الفجيرة والإمارة الثامنة التي أوجدها الإنجليز وعلاقتها بإمارة الفجيرة على أيام الشيخ محمد بن حمد بن عبدالله الشرقي “رحمه الله”. وجهود هذا الحاكم وعلاقاته السياسية، خاصة مع الانجليز، إذ كان يبغي اعترافاً رسمياً بالفجيرة إلى أن تحقق له ذلك. ثم محاولاته الحصول على امتيازات نفطية، وأخيراً جهوده مع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” في ترسيخ أسس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة والانتقال بالمشيخة من حكومة القبيلة إلى حكومة الدولة الدستورية.
وتطرق الباحث أيضاً إلى الرابطة الدينية والقومية والوطنية التي تربط إمارة الفجيرة بشقيقاتها، مع إلقاء الضوء على طبيعة مجتمع الإمارة والثقافة والموروث الشعبي وبعض من اشتهر من رجالاتها وشخصياتها.
الفجيرة اليوم
وأوضحت الباحثة الدكتورة فاطمة الصايغ أن الفجيرة هي الإمارة الوحيدة التي لا تطل على الخليج العربي وإنما على مياه خليج عمان. وطول سواحلها حوالي 70 كيلومتر من قرية أوحلة حتى دبا شمالاً، وهي واحدة من أربعة وعشرين بلدة تقع على ساحل الشميلية المطل على بحر عمان وقد حصل عليها الزعيم القاسمي سلطان بن صقر عام 1854م.
وقالت أن اسمها اشتق من جدول مائي يحمل هذا الاسم أسفل أحد جبال الإمارة الشاهقة، وهناك روايات أخرى تقول أنه من الوقت الذى أنحدرت فيه العائلة الحاكمة وهو الفجر وبالتالي سميت بهذا الاسم، وإلى آخر هذه الروايات.
ولفتت الصايغ إلى أن ظهور شيخ قبيلة الشرقين الواسعة العدد والنفوذ وهو الشيخ حمد بن عبدالله الشرقي بين عامي (1870-1930)، أدى إلى نيل الفجيرة استقلالها عن سلطة القواسم. حيث تحالفت قبل استقلالها مع الإمارة القاسمية الكبرى (التي تضم رأس الخيمة والشارقة) باعتبارها جزء من ساحل الشميلية الذى حصلت عليه الإمارة القاسمية الكبرى من عمان. وقد بدأت أول محاولات استقلال الفجيرة في العام 1866 في أعقاب وفاة الشيخ سلطان بن صقرالقاسمي.
وذكرت أن ظهور قضايا الامتيازات البترولية والتنافس الأمريكي – البريطاني على النفط، ورغبة بريطانيا في احتكار الامتيازات للشركات البريطانية تم إعلان الفجيرة إمارة مستقلة عام 1952.
وأشارت إلى الفجيرة تطورت في عهد صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة وأخذت مكانة متميزة، حيث تولي الشيخ حمد الشرقي دوره الرسمي في أول وزارة اتحادية كوزير للزراعة والثروة السمكية وكان لا يزال ولياً للعهد، وفي سبتمبر 1974 تولي حكم إمارة الفجيرة ليبدأ عصر جديد في تاريخ الإمارة.
وقالت أن سموه أبدى منذ توليه فهماً عميقاً لوضع الفجيرة الجيوسياسي وتبنى من المشاريع الاستثمارية ما تحمله رؤيته من عمق وفهم للأمور, الأمر الذى جعل الفجيرة تستقطب عدد كبير من المشاريع الاستثمارية والسياحية والاقتصادية والمهرجانات الثقافية والاعلامية، موضحةً أن للفجيرة مستقبلاً اقتصادياً مزدهراً خاصة مع اكتمال خط أنابيب النفط الذى يربط حقل حبشان مع ميناء الفجيرة بطول حوالي 360 كيلو متر، كما للفجيرة مستقبلاً سياحياً مزدهراً بحكم الموارد السياحية التي تمتلكها الفجيرة.
وأشارت إلى خطة الفجيرة الاستراتيجية التنموية 2040 لتواكب ما يحدث ليس فقط في دولة الإمارات ولكن التطورات العالمية المتلاحقة خصوصاً أن بناء خط الأنابيب الذى يربط حقل حبشان في أبوظبي بميناء الفجيرة الذي بدأ العمل فيه عام 2012 استطاع نقل مليون ونصف تقريباً، ويمكن أن ترتفع إلي مليون 800 برميل يوميا , أي حوالي 70% من إنتاج دولة الإمارات دون العبور في مضيق هرمز.